أنطوان الدويهي.. "كتاب الحالة" لم يكن بداية، بل نهاية

محمد حجيري
الجمعة   2018/08/17
العودة إلى "كتاب الحالة"، إشارة عابرة إلى ضوء ما في هذه العتمة
أصدر الشاعر والروائي أنطوان الدويهي طبعة ثانية من كتابه الشعري الوحيد "كتاب الحالة"، كتاب "اللحظة المتوهجة" كما وصف، و"يدمج الشعر بالنثر ليستخلص صيغة مميزة لنص نثري شعري مفتوح على الرؤيا والحلم والتأمل"، ويحتفل الشاعر بكتابه بعد ربع قرن على إصداره ويقدم أمسية مساء اليوم الجمعة 17 آب في القصر البلدي الأثري- اهدن...(يقدم الكتاب شوقي الريس وتدير اللقاء ليليان يمين وتعزف ماري دحدح مقطوعات على البيانو)... وهنا حوار معه.

- لماذا اقتصرت تجربتك الشعرية على "كتاب الحالة"، رغم الترحيب به من النقاد وحتى أسماء مثل أنسي الحاج؟

* ما يميّز هذه الطبعة الثانية من "كتاب الحالة"، في الذكرى الخامسة والعشرين لصدوره عن "دار النهار" العام 1993، أنها تنطوي على مدخل طويل بتوقيع الناشرين ("الدار العربية" و"دار المراد")، يوضح كل ما يتعلّق بهذا الكتاب، ويبيّن موقعه وأهميته في مساري الأدبي. في الحقيقة، أنا لم أكن أريد نشر إلا هذا الكتاب الواحد، "كتاب الحالة"، ثمّ أتوقف. أنا بقيت أكتب "يوميات الحياة الداخلية" أكثر من 25 عاماً من دون ان أنشر شيئاً، باستثناء عدد من النصوص التي ضمّنتها، باسم مستعار، العدد الثالث من مجلة "الوعي اللبناني" العام 1968، التي كنت أشرف عليها. كنت، على مدى زمني طويل، ولا أزال، أهجس بـ"الكتابة المطلقة". كنت أتوهّم بأن كل ما أكتبه، هو مجرّد مسودّات لما سوف أكتبه. وفي نهايات إقامتي الباريسية، التي دامت نحو 20 عاماً، أقنعت نفسي، بصعوبة بالغة، بنشر"كتاب الحالة". هذا الكتاب هو حصيلة تجربة طويلة جداً.
صحيح ان الكثير من الكتّاب والمفكرين والنقاد استقبل "كتاب الحالة" بترحيب كبير وركّز على خصوصيته، وفرادته، واستحالة ربطه بأي تيار أو اتجاه أو تجربة شعرية سابقة. لكن لم يكن هذا الكتاب بنظري بداية، بل نهاية.

– لماذا تعيد الآن إصدار الديوان في طبعة ثانية، بعد مجموعة من الكتب النثرية والروائية، هل هي النوستالجيا إلى البدايات، أو الحب للحبيب الأول؟

* لا، ليس في الأمر أية نوستالجيا. تكون النوستالجيا لما هو بعيد وغائب ومفقود. أنا، زمني الداخلي دائري، وليس امتداديّاً. أنا على الدوام في "كتاب الحالة". لم يكن بإمكاني ولوج عوالم الداخل وعوالم الأعماق في كتاباتي السردية والروائية لو لم أكن مزوّداً بسرّ الشعر. لا أهمية أدبية وجمالية لأي كتابة إذا لم يكن جوهرها شعرياً. أعدنا إصدار "كتاب الحالة" في ذكراه الخامسة والعشرين لنشير إليه من جديد، وسط الضجيج والتراكم المضني اللذين أصابا الأدب، ليس في دنيا العرب فحسب، بل في العالم أجمع أيضاً، خصوصاً في المجتمعات الصناعية، حيث "موت الأدب"، وحيث حلّ الكتاب- السلعة، الأكثر مبيعاً، محل العمل الأدبي ، في حركة الإنتاج والإستهلاك الجارفة، الآخذة في طريقها الآداب والفنون، إلى جحيم المال. من بابلو كويلو إلى دان براون، إلى سائر سوبر ستاريت "الأدب العالمي" المعاصر. لو عاش اليوم دوستويفسكي وتولستوي وبروست وكافكا، مثلاً، وكتبوا أعمالهم، والتزموا بيوتهم، بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي، ولوبيات الكتاب- السلعة، من كان نشر لهم كتبهم، ومن كان اكترث بهم؟… العودة إلى "كتاب الحالة"، إشارة عابرة إلى ضوء ما في هذه العتمة.

- ما التقاطعات التي تجمع بين كتبك الشعرية والنثرية والروائية، هل ثمة أمور جوانية حياتية، كتبت عنها في معظم كتبك؟

* صحيح أني نشرت سبعة مؤلفات سردية وروائية بعد "كتاب الحالة". لكني أعتقد أن ما نشرته، وما سوف أنشره، سيكون في نهاية المطاف بمثابة الكتاب الواحد. لأن كتاباتي كلها آتية من مصدر واحد، هو "يوميات الحياة الداخلية" التي دأبت على تدوينها وحفظها منذ صباي الأوّل. وسواء أكانت شعرية (متسمة بالإيجاز والتكثيف والتجريد)، أو سردية وروائية (متسمة بالتفصيل والتسمية والتحديد)، فإن جوهرها واحد. فهي تشهد كلها لنهر الحياة الداخلية، نهر الأعماق، بما فيه من حالات ومشاعر وهواجس ورغبات ورؤى وأحلام وأغوار وأسرار. فما أنا إلا شاهد. يعتقد البعض ان الحياة الداخلية فسحة محاصرة. كلا، الحياة الداخلية هي الحياة الحقيقية الوحيدة، وهي الكون برمّته. وحين تنطفىء الحياة الداخلية ينطفىء الكون. 

- بعد ربع قرن على إصدار "كتاب الحالة"، برأيك هل تغير التعاطي مع هكذا نوع من الشعر؟ هل تبدل المشهد الشعري؟ هل طحن عالم التواصل الاجتماعي اللغة؟

* لا شك في ذلك. عالم التواصل الاجتماعي شوّه اللغة والتعبير والفن والجمالية. هو على طرف نقيض مع "كتاب الحالة" وما يشير إليه. لم يعد الإبداع هو الأساس والمقياس، بل مدى البراعة في التواصل. يستحيل على المبدع المسكون بهواجسه وشياطينه و مهاوي روحه أن يكون بارعاً في التواصل الاجتماعي وان يوليه نهاره وليله.

– ماذا تقصد بأمسية شعرية للمرة الأولى في لبنان، هل كان لديك مواقف سابقة ضد القاء الشعر في أمسيات؟

* لا مواقف سابقة. أنا فقط قليل الإطلالات الشعرية. هي المرة الأولى في لبنان، سبقتها قبل سنوات أمسية في البحرين، وإلقاء شعر في مدينة سيت في فرنسا. لا أحب الإكثار من ذلك.