أبعد من عصام خليفة

محمد حجيري
الجمعة   2018/07/27
عصام خليفة امام قصر العدل (علي علوش)
من دون شك، إن قضية استدعاء عصام خليفة، الرئيس السابق لرابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، النقابي العنيد، إلى التحقيق بتهمة "القدح والذم"، بدعوى من رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب، هو من علامات التردي المريع الذي يعصف بالجمهورية اللبنانية! خصوصاً أنها حصلت على وقع اعتصامات ضد القمع، وتزامنت مع استدعاء بعض الأجهزة اللبنانية، مجموعة من "معشر الفسابكة والتغريد"، مرة بتهمة نشر صورة تسيء لفلان، ومرات بتهم القدح والذّم، ومرات ومرات بسبب انتقاد "حزب الله"، إلى ما هناك من "قاموس" الأجهزة.

مشهد عصام خليفة في قصر العدل، جعلنا نفكر في ما هو أبعد من الاستدعاء والتحقيق لـ4 ساعات في قسم المباحث الجنائية، والترك بسند إقامة. إنها قضية لبنان ككل، من الألف إلى الياء، من الدستور إلى الكيان، من التاريخ إلى الجغرافيا، من الشعب الى الثقافة. والقضية ليست في رمزية عصام خليفة وتاريخه النضالي والنقابي والطالبي، بل في تفريغ البلد من مضمونه وقيمه مؤسساته، وتكريسه دولة فاشلة وعاجزة ومتحلّلة، بسبب سلوك بعض النافذين والجامحين في التسلط وتصديع الدولة وركائزها. فنحن نتضامن مع عصام خليفة، وفي تضامننا شيء من الرثاء للجامعة اللبنانية وزمنها "القوي" وناسها المتقدمين والمتفوقين... نتضامن مع خليفة، وفي تضامننا شيء من الرثاء للبنان ككل. قال الزميل وسام سعادة "عصام خليفة انسان طيب وأستاذ محبوب ومؤرخ نشيط. ملاحقته الحالية مناسبة لتكريم جهده وحيويته ونتاجه، كنموذج آيل للانقراض في البلد". وكان الروائي محمد أبي سمرا، يدوّن كتاباً عنوانه "وداعاً لبنان"، فكل الأسس التي بنيت عليها الجمهورية اللبنانية آيلة إلى التلاشي والانحدار والتفكك والطحن. فإذا كانت تنظيرات ميشال شيحا ومقالاته تهندس النظام اللبناني، اليوم تأتي التنظيرات من مكان آخر، ومن خطب أخرى هي نقيض الثقافة اللبنانية.

استدعاء عصام خليفة إشارة واضحة الى التردي المريع في لبنان، سواء في فضائح التجنيس، وفي الكهرباء ومولدات والمياه، في التوظيف الزبائني والتعينات الهلامية والعائلية، وفي الاستيلاء على المشاعات والأملاك البحرية، في المستشفيات وفواتيرها وفي الادوية واسعارها وسرطانها، في الضمان والاسكان، في الأموال وصرفها وفي تبييض الأموال، في الاتصالات والانترنت، في النفايات ومشتقاتها، في تزوير الشهادات، في الامتحانات الرسمية غب الطلب، في تلوث الليطاني وسائر الينابيع ومياه الشرب، وصولاً الى القمع واستدعاء "معشر الفسابكة"، سواء أكانوا من المراهقين أم من الناشطين. والاستدعاء يأتي مقروناً بأن بعض قادة السلطة و"حراس الدستور" يعلنون رفضهم استدعاء أحد الى التحقيق. في موازاة ذلك يحقق لبنان أرقاما قياسية في الفساد ونسبة انتحار الشباب وانقطاع الكهرباء والقتل بالرصاص الطائش.

لنتأمل قليلاً مسار الجامعة في زمنها الغابر واليوم، لنتذكر دورها الريادي ووجوهها... كان الباحث محمد علي مقلد، محقاً حين كتب في فيسبوكه: "عندما صار لقب البروفسور يوزع على أساتذة الجامعة كما الأوسمة على ضباط الجيوش المهزومة تخليت عن اللقب واستقلت من الجامعة"... وما قاله خليفة بعد خروجه من المحكمة جوهر المسألة، اذ اعتبر "أداء د.أيوب انعكس سلباً على أوضاع الجامعة، الأمر الذي حمل اللجنة المنبثقة عن المجلس الأعلى لتقييم الأبحاث والتعليم العالي في الاتحاد الأوروبي، لتوحي بأن استمرار مسار الجامعة، كما هو عليه، يوصل الى عدم اعتراف الدول الأوروبية بشهاداتها. وهذه مسألة في غاية الخطورة، وقد حملتنا مع بعض المخلصين الى دق ناقوس الخطر".

لكن، يبدو أن جهابذة السلطة غير معنيين بناقوس الخطر. فالأرجح أنهم صناع الخطر. وربما يختصر المشهد ما كتبه عماد بزي، الذي استدعي، الجمعة، إلى التحقيق بسبب ما كتبه عن الاعتداء على الرملة البيضا: "على ما يبدو أن بضعة سطور في فيسبوك تستنكر كل هذا الفساد استدعت تحرك القضاء، بينما مصير الشاطئ المنهوب والمسلوب لم يرق له قلب رئيس او جفن مسؤول".