روبرت أدامز: حياتنا وأولادنا

جوزيف الحاج
الإثنين   2018/05/14
كتابات أدامز أقرب إلى بيان عن الشعر الفوتوغرافي
"حياتنا وأولادنا" عنوان معرض الأميركي روبرت أدامز Robert ADAMS (مؤسسة "هنري كارتييه- بريسون"- باريس، حتى تموز 2018)، يتزامن مع صدور ثلاثة كتب: الطبعة الثانية من "حياتنا وأولادنا" الصادر  قبل ثلاثين عاماً ونفدت طبعاته، "الحق في المواجهة"، و"الأمل مخاطرة يجب خوضها". تضم الطبعة الجديدة من "حياتنا وأولادنا"، قسماً آخر عُرض العام 2003 بعنوان "لا نزهات صغيرة في مواقف سيارات مراكز التسوق وسط المدينة".    

اشتهر أدامز (مواليد 1937) بعد تصوير مواضيعه عن تحولات المشهد الطبيعي في الغرب الأميركي. يضم المعرض، للمرة الأولى، كامل لقطات "حياتنا واولادنا"، أكثر مواضيعه تأثيراً لتناولها الكوارث البيئية. في السبعينات، لاحظ أدامز دخاناً متصاعداً من مصنع للطاقة الذرية في كولورادو، فقرر أن يصوّر كل ما يمكن أن تهدده أخطار الكوارث النووية المحتملة.

أخفى كاميراته متوسطة الحجم في حقيبة، تجول بين المدن وضواحيها، في مواقف السيارات والمراكز التجارية، ليصور مجتمع الإستهلاك، والناس المهددين بإحتمالات كوارث نووية. تناول العلاقات الظاهرة بين الناس الواقعين تحت تأثير هذا الخطر المحتمل من دون إمكانية ملاحظته. خلف الهدوء الظاهري المحيط بالنساء والرجال والأطفال، يمتد خط رفيع من الحظ يجمع كل هؤلاء يقابله خطر شبه مخفي أمام الكارثة.


عمل أدامز في تدريس السينما والأدب الأميركي وهو مولع ببعض صانعيه من الرومانسيين، لكنه انصرف إلى التصوير الفوتوغرافي، بعدما اشترى جون زاركوفسكي في 1969، مدير "متحف الفن الحديث" آنذاك، أعمالاً من توقيعه.

إلى جانب لويس بالتز وستيفن شور وآخرين، شارك أدامز في المعرض الجماعي "طوبوغرافيا جديدة: صور لطبيعة شوهها الإنسان" الذي نظمه وليام جينكينز في 1975. دعاه زاركوفسكي للمشاركة في معرض "مرايا ونوافذ: فوتوغرافيا أميركية منذ 1960" الذي أقيم في نيويورك. إلى مقدمة كتاب "الغرب الجديد" الصادر في 1974، كتب الكثير من الأبحاث التي تضمنت أفكاره الفنية الجريئة، منها "الجمال في الفوتوغرافيا"-1981، و"لماذا يصوّر الناس؟"-1994.

وصف في مقدمة "حياتنا وأولادنا" مكونات القنابل النووية الأميركية وصواعقها المصنّعة قرب بعض المدن الأميركية، ومن بينها "دنفر"، والمواد الأخطر المستخدمة في صناعتها ومخاطر انفجارها لدى إحتكاكها بالهواء، محصياً الحوادث في هذا المجال: "تصاميم صواعق البلوتونيوم تلك، عرضة لأعطال لا يمكن تجنبها، ستقتل العديد من الناس قرب هذه المصانع... أمام إستنتاج مماثل، نتخلى عن الأمل الذي يبدو غير واقعي. برأيي، كي نوجد في داخلنا إرادة محاسبة السياسيين، يجب علينا أولاً أن نتضامن مع أهلنا، أن نسبر كل ما يخفونه من غموض مطلق. كم واحد منهم، في فرحه أو حزنه، يُظهر نوعاً من بطولة. كل واحد منهم يدحض فكرة الحد الأدنى من الخسائر".

في مقدمة الطبعة الثانية (2018)، استعرض أدامز تاريخ علاقات أميركا بالسلاح النووي، مستشهداً بكتاب إريك شلوسر "القيادة والتحكّم"- 2013: "إنه يبرهن أن الحظ وحده قد يجنب أحياناً حرباً نووية تندلع صدفة. لم تتبدل حجتي منذ 1983: إذا لم تنجح البشرية في إقامة أنظمة عادلة، ولم تتخلّ عن إدعاء الحاجة الملحة لإمتلاك السلاح النووي، فإن ما نخشاه قد يقع في يوم من الأيام".

من كتاباته عن الفن: "الإصغاء إلى هذا العالم، أكان صالحاً أم لا، هي مسؤولية الفنانين لمساعدتنا على العيش باحترام. الجمال يحدّد الفن، هو ليس أقل من لغز، لكنه يحمل في ذاته وعداً. هكذا يقودنا الفن إلى الإلتزام، سواء في أنشطتنا الخاصة أو العامة. ما أرغب في توثيقه، من دون الإخلال بدقة التعبير، هو الشكل الكامن خلف هذه الفوضى الظاهرة".

أفكاره الجمالية والسياسية جعلت منه أحد أبرز الأميركيين الذين صوروا المشهد الطبيعي والإنساني برمزية قدره الكارثي. لم يتوقف عن البحث في مسائل الحقيقة والطبيعة والجمال والنقد والفن. إن تصوره المثالي الرومانسي الذي ورثه من الحداثة دفعه إلى نقد البيئة. "الفن الناجح يجد أشكال الحقيقة في تكوينات الصورة الفوتوغرافية: الفوتوغرافيا سلاح بوجه القبح الذي يتمدد في العالم". كتب أدامز وريث كتاب وشعراء ورسامين ومصورين دافعوا عن الجمال وطبيعته المنقذة من حتمية الشر والقبح.

كتابات أدامز أقرب إلى بيان عن الشعر الفوتوغرافي، اقترح فيها الفوتوغرافيا الصالحة، وربما شروداً فكرياً لمصور لا يحتمل رؤية طبيعة بلاده تتآكلها المدن وتتهددها الكوارث، كما لا يحتمل أن عمله يُدرَّس في أوساط جامعية وهي نفسها التي تتولى تطوير السلاح وتشويه الطبيعة.