خيام اللامي يدخل في الآلة

حسن الساحلي
الأربعاء   2018/04/25
الموسيقى العربية تشكل بحاراً غير مستكشفة
تُظهرأعمال خيام اللامي، عازف العود والإيقاع العراقي، تغيرات واضحة في السنتين الماضيتين، مع زيادة تأثير الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة ودخول أكبر للصوت الإلكترو-آكويستيك والإلكتروني. ينطبق هذا على "كواليس" الذي قدمه العام الماضي في "إرتجال 17" حيث استعمل جهاز لابتوب مع عود وإيقاع، ويظهر بأكثر أشكاله تطرفاً في "إرتجال 18" الذي قدم فيه مقطوعة تيري رايلي In C، على مقام راست، مدخلاً المقام في مسار آلي وميكانيكي استمر أكثر من ساعة. وتعتبر المقطوعة أحدى أيقونات الموسيقى المعاصرة والإختزالية التي لم تظهر سابقاً بنسخة شرقية وقليلاً ما تعزف بأصوات إلكترونية مبرمجة بواسطة لابتوب فقط، وعادة ما يتم تقديمها مع موسيقيين عديدين.

التقت "المدن" مع خيام اللامي على هامش "إرتجال 18"، ليخبرنا في هذه الشهادة قصة مقطوعة رايلي التي قدمها، وعن أهميتها في سياق اكتشافه وجوهاً جديدة للموسيقى العربية:
منذ أكثر من عام شاركت في ورشة عمل مع مجموعة Bang on a Can المعروفة منذ عقود في مجال عزف المؤلفات الكلاسيكية المعاصرة (قدمت عروضاً أولى لمؤلفين كستيف رايخوبراين إينو، وعرفت خاصة بحفلاتها الماراتونية)حيث شاركتُ 20 موسيقياً في عزف مقطوعة تيري رايلي In C في جامعة نيويورك أبوظبي. كنت قد سمعت المقطوعة مرات في السابق لكني لم أشارك في عزفها أبداً، وقد تساءلت خلال قيامي بتلك التجربة عن النتيجة التي سأحصل عليها لو قدمت المقطوعة بمقام.

عندما قمت بذلك فعلياً لاحظت أن مقام الراست هو الخيار الأفضل، وإن غيرت بعض الجمل في المقطوعة سيكون المقام أكثر تناسباً. قررت المضي بالتجربة، وبدأت العمل على سوفت وير أبليكايشن بسيطة يمكن وضعها داخل برنامج "آيبلتن لايف" للإنتاج الموسيقي. يحوي البرنامج"ماكس فور لايف"، وهو لغة برمجية للموسيقى والوسائط المتعددة، تساعد في تطوير عمليات صوتية وتأثيرات معينة. عملت مع صديق يعيش في لندن على Patch Application لوضعها داخل "آيبلتن لايف"تمكن المستخدم من دوزنة أي سينثسايزر أو مكتبة عينات Sample Library  موجودة في السوق. هناك عدة برامج Microtonal Tuning ودوزنة شرقية، لكن قلة منها متوافقة مع جميع البرامج وتمكن المستخدم من السيطرة بدقة على الدوزان نفسه أو التغيير بين دوزان وآخر لحظياً. ما قمت به كان ببساطة من أجل تسهيل العملية على نفسي لأكون أكثر حرية فنياً.

عندما جربت المقطوعة حصلت على نتيجة جيدة شعرت أنها تستحق العرض، لأنها تنظر إلى المقامات بطريقة مختلفة، غير مرتبطة بفكرة الطرب والتراث الشعبي والديني. بالطبع عند سماعها ستشعر أنك تسمع شيئاً شرقياً، لكن بجمل غير شرقية. ما الذي يبقى إذاً؟ أعتقد أنه روح المقام، فالمقامات روحها في أبعادها ودوزانها الذي نسميه بالعربية التنغيم، وليس بالجمل أو السلم. عندما ندرس الموسيقى أول ما نتعلمه أن مقام الراست هو السلم الذي يصعد وينزل بطريقة معينة، رابطين إياه بجمله. عندما تخرج الجملة من السياق وتعتمد فقط على الأنغام (النوتات أو الجمل الموسيقية القصيرة) وعلى فكرة التكرار، (نسمع النغمة تتكرر آلاف المرات فوق نغمات أخرى)، تعيش حالة جديدة للمقام لا تعتمد على التراث والذاكرة. هذه النقطة التي أثارت إهتمامي تحديداً والتي توصلها مقطوعة تيري رايلي بشكل مثالي.

طبعاً لا يمكن فصل المقطوعة عن إهتمامي بفتح مدى جديد لي في التأليف الموسيقي، وعملي حالياً على الدكتوراة في لندن أضعه في هذا الإطار، حيث أبحث فيها عن طرق جديدة للتأليف الموسيقي العربي عبرالأساليب التأليفية التي خرجت من الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة ومن مدارس الإختزال وما بعد الإختزال. هناك آخرون في هذا الملعب مثل بشرى الترك وزاد ملتقى وآخرين، وحتى كاميليا جبران التي رغم أن اشتغالها لا يوضع في خانة التأليف إلا أنها تعمل وتؤلف بشكل دقيق جداً وبالتفاصيل الصغيرة. ونتيجة الدكتوراة غالباً ستكون بجزء كبير منها إلكترونية وإلكترو آكويستيك.

أتحدث عن تأليف لآلات مثل العود، القانون، والكمنجة، لكن بالإعتماد على التطور التكنولوجي، الذي بدأ في السابق مع الـTape Music التي يعتبر تيري رايلي أحد نجومها بالإضافة لستيف رايخ، جوناثن هارفي، وشتوكهاوزن الذين صنعوا ما يمكن تسميته موسيقى إلكترونية عضوية.

ما حدث معي هو أني لم أعد قادراً على التعامل مع آلة لوحدها مثل العود. منذ سنوات صرت أشعر أن صوت الآلة أصبح محدوداً بالنسبة اليّ. ليس الأنغام والألحان بل الصوت نفسه الذي صرت أحاول معالجته. مع فرقة "الألف" كان هذا البحث موجوداً بالنسبة اليّ، لكن بشكل محدود. حاولت كثيراً ثم ابتعدت عن الآلة لفترة سنتين أو ثلاثة ثم عدت منذ ستة أشهر تقريباً. صرت مقتنعاً أنه في حال أردت تغيير صوت الآلة لا يفترض أن تكون النتيجة قريبة من الصوت الأصلي. كثير من الموسيقيين عندما يريدون شراء عود كهربائي، يبحثون عن صوت قريب من صوت العود الأصلي. السر أو المفتاح الحقيقي هو برأيي البحث عن صوت آخر لكن في إمكانيات العود التي تتضمن أسلوب عزفها وأبعادها والدوزان. ليس الصوت الأصلي المهم بل اكتشاف ما هو أبعد وممكن.

الموسيقى العربية تشكل بحاراً غير مستكشفة فيها أسرار كثيرة، أغلبنا لم يقترب منها. لا أتحدث عن الموسيقى فقط بل الآلات أيضاً. أنظر مثلاً إلى آلة القانون كم هي مدهشة. لكن لا نسمع سوى جزء صغير من الممكن عليها. تستطيع هذه الآلة التعبير عن ما هو أكثر. منذ فترة التقيت عازفاً عراقياً كنت أخبره عن اهتمامي باكتشاف أبعاد جديدة للعود، فقال لي أن لا أوجّع رأسي فالآلة هكذا محدودة بذاتها لا تتغير. إن كان نمط التفكير هكذا فالطبع لن تتغير ولن نكتشف ما يمكن أن تصل إليه. إن لم تؤمن بقدرتك على القيام بشيء بالطبع لن تقوم به.

الهدف هو التأليف من الداخل والتجديد. مع أننا كنا نسمع كلمة تجديد خلال الحقبات الموسيقية الفائتة إلا أننا لم نشهد ذلك بالفعل. ما كان يحصل دائماً هو فيوجن أي أننا نأخذ الجاز أو البوب أو الفانك أو أي نمط آخر ونضع الموسيقى العربية في سياقه. نادراً ما يحصل بحث من داخل الإطار عن غير المكتشف والممكن.