نيغول بيزجيان وشتات الفنانين السوريين.. قصص مبتورة

حسن الساحلي
السبت   2018/11/17
لا يبدو الفيلم مختلفاً عن أي وثائقي تلفزيوني – صحافي
في فيلمه الرابع Broken Dinners, Postponed Kisses، التقى المخرج السوري الأرمني نيغول بيزجيان، خمسة فنانين سوريين يعيشون في بلدان مختلفة من العالم، وقد أجرى مجموعة من المقابلات معهم، تخبر أجزاء من قصصهم وبعضاً من التحولات التي مرت عليهم خلال السنوات الماضية.

لا يبدو الفيلم مختلفاً عن أي وثائقي تلفزيوني – صحافي، يتناول قصص لاجئين في الخارج، أولاً بسبب اختزاله الأفراد ضمن ثلاثية: المكان الأصلي، التنقلات المكانية، وقصص الإندماج في المجتمعات المضيفة. وثانياً، بسبب اختياره رؤية العالم من زاوية هوياتية فقط، إما تتماهى معها الشخصية التي يتناولها أو ترفضها، بالإضافة طبعاً لبحثه الواضح خلال الفيلم عن أي قصة مثيرة حول الحرب أو موت أحد الأقارب تسردها الشخصيات، لإعطاء جرعة من المشاعر المدعمة بدفق موسيقي للتأثير بالمشاهدين.

أما العنصر الخاص في الفيلم، وهو عمل الشخصيات في مجالات فنية، فلا يضيف الكثير أو يخلق عالماً متسقاً يمكن البناء عليه، بما أن المخرج اختار عينات تنتمي إلى أنماط فنية شديدة الاختلاف عن بعضها البعض من نواحي الإنتاج، العرض، وكيفية الاندماج مع الأوساط الفنية الجديدة، التي من المفترض أن تؤمن للفنانين الاعتراف، الترقي، والتكريس في البلدان التي انتقلوا إليها.


كما أنه لم يحاول فهم الاختلاف في السياقات التي وجد الفنانون أنفسهم ضمنها بعد لجوئهم، مع تباين قدرة كل مجال فني على التفاعل مع القضايا العامة، والاختلاف في قابلية كل وسط على استيعاب عناصر بشرية جديدة بشكل أسهل من الآخر. والشيء الوحيد الذي قام به المخرج هنا هو تقديم نماذج عن منتجات فنية لكل فنان تتناول ثيمات مرتبطة بالحرب، الهوية، والمنفى. منها، على سبيل المثال، أغنية لأبي غابي (لبنان) عن سفر صديقته في البحر إلى أوروبا، فيلم تحريك لديالا بريسلي (فرنسا)عن الحرب والقنابل العنقودية، ومسرحية للممثل أيهم آغا (ألمانيا) تتناول أحواله في المجتمعات الجديدة بموازاة ما يحدث في سوريا.
يبدأ الفيلم بقصة صانع العمل الشخصية (يوظف ممثلاً أرمنياً لتأدية دوره) الذي يصور "نفسه" في شوارع برج حمود، محلاتها، وأمكنتها القديمة، متذكراً بين الحين والأخرى أسواق حلب وأمكنتها، وبعض ذكريات طفولته فيها. يعرّف المخرج عن نفسه من خلال التعريف بجماعته. نشاهد مقاطع فيديو قديمة لمخيم سنجاك الأرمني الذي يتلاشى تدريجياً اليوم في برج حمود، وكان سابقاً أحد أهم الأماكن التي سكنها الأرمن عقب لجوئهم إلى بيروت بعد المجزرة.

تعتبر الأخيرة بداية التاريخ الأرمني الحديث، حيث ولد منها الشتات الأرمني حول العالم، وتعتبر عامل ربط بين جميع الأرمن اليوم، والأساس الذي يبني عليه المخرج علاقته بالأمكنة الأرمنية خارج سوريا، ومنها برج حمود التي تظهر له بمثابة صورة عن حلب. ولذلك يمكننا القول إن معاناة لجوء بزجيان خارج سوريا، أتت أقل شدة من معاناة الشخصيات الأخرى التي قابلها، بما أنه ينتمي إلى تجربة سابقة من التشتت، ويظهر قابلاً بشكل أكبر على التأقلم بما أنه قادر دائماً على إيجاد حي أرمني في بلد ما، يخفف من الوحدة والغربة التي يشعر بها. 


بعد انتهائه من نفسه، ينتقل نيغول بزجيان من فنان إلى آخر بشكل متعاقب، ليصبح الفيلم كأنه مجموعة من الريبورتاجات المتصلة ببعضها. يقابل الممثل السوري أيهم آغا (دير الزور) الذي استقر في ألمانيا، ويعمل حالياً في مسرح مكسيم غوركي (برلين)، ثم ننتقل إلى بيروت لمقابلة الفنان الفلسطيني السوري "أبو غابي" الذي بدأت مسيرته الفعلية بعد مغادرته مخيم اليرموك في سوريا إلى بيروت وقيامه بمجموعة من الحفلات التي حولته خلال وقت قصير إلى مغني معروف نسبياً.

أما يارا حاصباني فقد بدأت مسيرتها، كما "أبو غابي" خارج سوريا (باريس)، لكن بعكسه لم يكن الجمهور واسطتها للتحول فنانة محترفة، بل ارتياد المعاهد الفنية التي لعبت دوراً مهماً في إيجادها السبيل للانطلاق في مجال الرقص المعاصر. على أن ديالا بريسلي هي الأكثر اتصالاً بوطنها، من خلال رسمها لوحات توعية مع جمعيات في المجتمع المدني السوري، ويبدو أن وسائل التواصل لعبت دوراً أساسياً في تكريسها كاسم معروف في المجال. وينتهي الفيلم مع المصور عمار عبد ربو الذي يمكننا اعتباره اسما عالمياً اليوم والأكثر شهرة في المجموعة المختارة، لكن بعكس السابقين لم تلعب الحرب الدور الرئيس في تحوله إلى فنان معروف، رغم أنها كانت عاملاً مساعداً إلى حد ما.