الشتائم السياسية.. تاريخ لبناني

محمد حجيري
الأربعاء   2018/01/31
أمين الجميل ورشيد الصلح: عراك 1975
من يراقب ويتأمل ردود أفعال بعض السياسيين اللبنانيين على سقطة السيد جبران باسيل في وصفه السيد نبيه بري بـ"البلطجي"، يحسب أن لبنان "جمهورية أفلاطون"، ولا تنخر كيانه ومجتمعه ثقافة البلطجيات ولغة الشتيمة والقتل. واستغراب الكثير من السياسيين السقطة الباسيلية، ينمّ عن ذاكرة لبنانية مثقوبة، من أناس يزعمون التطهر والعفاف. وإذ ما أجرينا جردة سريعة لسقطات لفظية وسلوكية في تاريخ السياسة اللبنانية، سنصل إلى مختصر مفيد أنهم "كلهم باسيليون"، بل ان باسيل يبدو طفلاً مقارنة بغيره، حتى السياسيين الذين يتماثل بعض المثقفين والنخبة في استحضارهم باعتبار أنهم من المؤسِّسين لـ"لبنان الحضاري"، كانت لهم سقطاتهم.

والحال أنه عند كل مفترق سياسي يستعيد نشطاء السوشال ميديا، صفحة مصورة من جريدة "النهار"، تتضمن كلاماً لكمال جنبلاط (رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الراحل) يصف صائب سلام (رئيس الحكومة الراحل) بأنه: "زقاقي، قزم، مريض، عميل، غدار... باع الحولة لليهود وابتلع أموال ثورة 1958 واستغل المقاصد وقبض ثمن الغدير 3 مرات". ويرد عليه سلام بعنف ويصفه بـ"المخرب الاقطاعي والاشتراكي الزائف والدجال والمتقلّب والمهرج".. حتى باتت هذه الصفحة مستنفدَة لكثرة استعادتها وترويجها، وبغض النظر عن هذا الفعل، أليس مضمونها مرآة للواقع السياسي بين الأمس واليوم؟



أيضاً تستعيد صفحات السوشال ميديا، صورة النائب أمين الجميل (الرئيس لاحقاً) وهو يشتبك بالأيدي، مع الرئيس رشيد الصلح في 16-05- 1975، عندما استقال نصف وزارء حكومة الصلح على خلفية أحداث "بوسطة عين الرمانة". حينها، رفض الصلح الاستقالة وأصرّ على المثول أمام المجلس النيابي حيث ألقى خطاباً حمّل فيه "الكتائب" مسؤولية مجزرة عين الرمانة. ركض الجميل خلف الصلح الذي كان يهم بمغادرة المجلس محاولاً إرجاعه بالقوة للعودة الى القاعة لسماع رد "الكتائب".

وفي ما خص سقطة باسيل، فهي من ضمن "نمو الخسة في الرأس". فالوزير البرتقالي ورجل العهد العوني (الأول)، الذي وضعه "حزب الله" على مدى سنوات في الواجهة في مواجهة خصومه، له باع في الإهانات، طاولت السنّة وجنبلاط وتمام سلام إذ وصفه بـ"الداعشي" لمجرد أنه سني واختلف معه في وجهات النظر، من دون أن ننسى كلامه بحق النازحين السوريين وبعض الصحافيين، وكل ذلك يأتي في سياق شد العصب الطائفي والانتخابي. لكن، هذه المرة، كانت السقطة أشبه بوقوع في حقل ألغام. وهي، وإن قيلت في "حديث الصالونات الخاصة"، بحسب توصيف الجنرال جميل السيد، إلا أنها موجهة ضد مرجعية سياسية تمتلك مفاتيح تحريك الشارع، وإن وجهت الاتهامات بتسريب الفيديو إلى ناشطة كتائبية، فهذا عذر أقبح من ذنب، ويأتي في إطار أبلسة أو شيطنة حزب الكتائب واتهامه بأزمة النفايات والشائعات والتوتير السياسي.

وفي سياق "حديث الصالونات الخاصة"، سبق فيديو باسيل بسنوات، فيديو وليد جنبلاط العام 2009، وهو يتحدّث إلى مشايخ الطائفة الدرزية واصفاً الموارنة بـ"الجنس العاطل". يومها كتب خالد صاغية: ماذا يخال اللبنانيون زعماء طوائفهم يتحدثون في مجالسهم الخاصّة؟ كيف يتحدّث أيّ زعيم للمسيحيين، عن الدروز أو السنّة أو الشيعة، وأيّ زعيم سنّي أو شيعيّ عن سائر الطوائف، (...)أتراه يبشّر بحوار الأديان أو بالعيش المشترك؟ وحتّى خارج هذه الجلسات، هل يكفي استخدام "الكودات" السياسيّة ليزول الطابع الطائفي عن الكلام؟

أيضاً، من المجالس الخاصة، هفوة ستريدا جعجع بحق أبناء زغرتا، والكم الهائل من تسريبات ويكيليكس، ومنها تصريح الوزير محمد جواد خليفة عن نصرالله، وتوصيف بري للجنرال عون بما هو أشد وقعاً من كلمة البلطجي، أو قول سعد الحريري عن محمد بن نايف بأنه "سفاح".

وعدا عن "حديث الصالونات الخاصة"، هناك تصاريح العنتريات على الملأ. فلأن الراحل نصير الأسعد، كتب عن سليمان فرنجية (الجدّ) في جريدة "المستقبل" العام 2006، هاجم سليمان فرنجية (الحفيد) الرئيس(سعد) الحريري وقال: "الحريري كان طوال عمره غلاماً وهو يعرف أين وكيف"، ووصف جنبلاط بـ"السافل". هل ننسى تعابير "وصرمايتي سوا" لوئام وهاب؟ و"ما بتوصل لتحت زناري" لميشال عون؟ وتوصيف الخليجيين بـ"النعاج"، او وزير الخارجية السعودي بـ"المعتوه" في خطابات السيد حسن نصرالله؟!

باختصار، السقطات والهفوات السياسية، غالباً ما تكون نابعة من الوجدان، وهي أصدق من ثقافة التسامح ومنطق "أحبوا بعضكم بعضاً". ومعظم السقطات اللفظية المقصودة، جوهرها شد العصب والتقوقع الطائفي والقبلي. فالجماعات اللبنانية لا يقوم ماردها إلا على شيطنة الآخر أو الغريب. وعلى أبواب الانتخابات، يبدو أن كل جماعة تبحث عن شيطانها، خصوصاً بعد نفاد صلاحية شعارات 14 آذار السيادية، وشعارات 8 آذار الممانعجية. ومن الآن حتى الانتخابات، الله يستر.