الترشيحات المصرية للأوسكار: فضائح متتالية

أحمد شوقي علي
السبت   2017/09/23
الشيخ جاكسون
في أحد المشاهد من فيلم "حين ميسرة"، يدخل الممثل عمرو عبد الجليل في شجار مع بعض الصِّبية حول لافتة انتخابية، لكنه ينجح في الظفر بها، قبل أن يمنحها إلى "الترزي" ليفصل له من قماشها ألبسة داخلية. ويبدو هذا المشهد –رغم تواضع الفيلم- صالحًا لتجسيد العراك الدائر في القاهرة بين السينمائيين، عقب الإعلان عن اختيار فيلم "شيخ جاكسون"، لتمثيل مصر في منافسات جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي (ناطق بغير الإنكليزية).

ويتشابه المشهد مع العراك، فيما يرمز إليه نصه الحواري، الذي يبدأ بصراخ عبد الجليل، المعتد بتفوقه عمريًا على الأطفال، قائلاً لهم: "حاسب ياض.. حاسب يلا.. اليافطة ديه من أول ما اتعلقت، وأنا قايل هاخدها بعد الانتخابات ما تخلص.. هات يابن الحرامية أنت وهو.. خد ياعم رزق فصّل لي ديه لباسين". فهناك شعور يسيطر على المخرجين كبار السن، بأحقيتهم -نظرًا للأقدمية- عن غيرهم من الشباب في الترشح للمنافسة على جائزة عالمية مثل الأوسكار، حتى وإن كان ذلك الترشح لا يعني شيئًا، ولا يضمن حظوظ أفلامهم في تخطي التصفيات الأولية للمسابقة، التي تشارك فيها أفلام من نحو 80 دولة.

فمجدي أحمد علي، مخرج فيلم "مولانا"، والذي لم يحز فيلمه بطاقة الترشح، لم يكفّ عن اتهام لجنة الاختيار التي شكلتها نقابة السينمائيين المصريين، بالمحاباة لفيلم "شيخ جاكسون" للمخرج عمرو سلامة. فبالرغم من أن اللجنة كانت تختار من بين أكثر من أربعين فيلماً، إلا أنه الوحيد الذي لم يكف منذ إعلان نتيجة الاختيار (في 11 أيلول/سبتمبر الجاري)عن الطعن في نزاهة اللجنة، والتحشيد ضدها في العديد من اللقاءات الصحافية والتلفزيونية، التي يجريها يوميًا في دأب ملفت، مهددًا في بعضها بتصعيد الموقف للأكاديمية ذاتها.

ولا يبدو أداء أحمد علي، بعيداً مما قام به المخرج الراحل محمد خان، في مناسبة مماثلة، وإن كان موقع الأخير معكوسًا. ففي العام 2014، اختير فيلم خان "فتاة المصنع"، للمشاركة في المسابقة ذاتها، إلا أنه خضع لإعادة التصويت بعد اكتشاف المحكّمين خطأ إدارياً أدى لسقوط فيلمي "فيلا 69" للمخرجة الشابة أيتن أمين، و"فرش وغطا" للمخرج الشاب أحمد عبدالله، لكن اختيارهم وقع للمرة الثانية على فيلم "فتاة المصنع". ولم يكن هذا الانتصار كافيًا لإرضاء غرور المخرج الكبير، الذي نشر تدوينة عبر حسابه الفيسبوكي، يحط فيها من شأن منافسيه، بل قال إنه "كانت هناك محاولة بائسة لإيقاف اشتراك فيلم "فتاة المصنع" فى مسابقة الأوسكار، حيث اشتكى مخرج من أن لجنة اختيار الأفلام لم تشاهد فيلمه الذي تقدم به، والواقع أن هذا حدث بفعل خطأ غير مقصود من موظف تلقى من منتج ملف واحد يشمل 3 أفلام من إنتاجه للعرض على لجنة الاختيار، ولم يراع المخرج المغمور ضغط ضيق الوقت قبل أن يُغلق باب الاشتراك، وبالفعل عُقد اجتماع لمراجعة الأفلام المتقدمة ومن ضمنهم فيلم المخرج، ورشحت غالبية الاعضاء فيلم "فتاة المصنع" للاشتراك فى الأوسكار، ما نفتقده اليوم هو الروح الرياضية واحترام الزمالة، وارجع وأقول فرق أجيال".

وبالرغم من ذلك لم يستطع فيلم خان، تخطي المنافسة الأولية للمسابقة، ولم يصل إلى قائمتها الطويلة، وهو الأمر نفسه الذي لا يضمنه مجدي أحمد علي، إن كان فيلمه قد ترشح، فأي مجد قد يعود عليهما من مجرد الإعلان محليًا عن ترشح فيلميهما؟


في الوقت نفسه، لا تبرر تفاصيل العراكَين، أداء المُخرجَين، وإنما تضعه في مقابل أداء آخر للجان الاختيار المصرية، لا يقل عبثًا عنه.

ففي الواقعة الأولى، والخاصة بفيلم "فتاة المصنع"، حدث أن اجتمع 10 من أعضاء لجنة الاختيار، المكونة أساساً من 17 سينمائياً وناقداً، للاختيار بين ثلاثة أفلام لترشيح واحد منهم للجائزة، وهي: "لا مؤاخذة" لعمرو سلامة، و"الفيل الأزرق" لمروان حامد، و"فتاة المصنع" لمحمد خان. وبعد إعلان النتيجة بترشيح الأخير، تقدم محمد حفظي منتج فيلم "لا مؤاخذة" باعتراض لدى اللجنة، أشار فيه إلى أنه شارك بفيلمين آخرين إلى جانب "لا مؤاخذة"، لكنهما لم يدخلا في قائمة الأفلام التي تم التصويت عليها. حينها بررت نقابة السينمائين الأمر باعتباره خطأ إدارياً، تسبب فيه الموظف الذي تسلم ملف التقدم من حفظي، والذي كان يضم عناوين ثلاثة أفلام، فاكتفى بإضافة الفيلم الأول وأغفل الباقي، وقررت إعادة التصويت، غير أن ضيق الوقت الذي أشار إليه خان في تدوينته، يكشف إهمالاً لا يقل فداحة عما ارتكبه ذلك الموظف الغافل. إذ أوضح حفظي في رده على تدوينة صاحب "سوبر ماركت"، أن "النقابة لم تكن على علم بمواعيد ترشح الفيلم المصري، واتصلت بالسيد النقيب وأرسلت اليه العنوان الإلكترونى للأكاديمية لمراسلتهم"، لذلك فإن الموعد الذي أتاحته النقابة أمام المنتجين للتقدم بأفلامهم كان يومًا واحدًا فقط لا غير!

وتنص لائحة الأوسكار أن تكون الجهة المنوطة بترشيح الأفلام للمشاركة في مسابقتها، غير حكومية. ويوضح الناقد طارق الشناوي، في مقال نشرته "المصري اليوم" تحت عنوان "حلم الأوسكار"، أن المركز الكاثوليكي للسينما كان المنوط بهذه المهمة، قبل أن يقرر وزير الثقافة الأسبق، فاروق حسني، في العام 2004، تشكيل لجنة برئاسة الكاتب محمد سلماوي للقيام بها، لكن تلك اللجنة كثيرا ما كانت تنسى موعد التقدم للأوسكار، فتضيع على مصر فرصة المشاركة فيها، لذلك أسندت المهمة في السنوات الخمس الأخيرة إلى نقابة السينمائيين!

وتطالب الأوسكار، الدول المشاركة، بإرسال ترشيحاتها، بين 1 أكتوبر و30 سبتمبر من العام التالي. ويبدو أن اللجنة التي كونتها نقابة السينمائيين هذا العام، من 25 شخصية، قد تنبهت أخيرًا إلى أهمية عنصر الوقت بالنسبة للمرشحين، فقررت الاجتماع أول الشهر الجاري لاختيار الفيلم المرشح. وفي السابع من سبتمبر، اجتمعت اللجنة بحضور 20 من أعضائها، لتتخذ قرارًا بتأجيل التصويت لنهاية الشهر، وذلك "لإفساح مجال أكبر لأعضاء اللجنة لمشاهدة الأفلام التي عُرضت في عيد الأضحى، بجانب الأفلام الأخرى التي ستعرض حتى نهاية سبتمبر"، بحسب بيان صادر عنها في اليوم نفسه. ذلك أن لائحة الأوسكار تنص على ضرورة أن يُعرض الفيلم تجاريًا لمدة سبعة أيام متتالية في دور العرض، قبل يوم 30 سبتمبر، وعليه فقد أصدرت اللجنة بياناً ثانياً بعد ثلاثة أيام من اجتماعها الأول، طالبت من خلاله شركات الإنتاج السينمائي التي حجزت عرضاً لإنتاجها السينمائي في دور العرض قبل انتهاء شهر سبتمبر 2017، بسرعة مخاطبة النقابة بالفيلم حتى يُدرج في قائمة الأفلام المصرية التي ستقوم اللجنة الفنية في اختيار واحد منها للمشاركة فى مسابقة الأوسكار. وهكذا، إُدرج فيلم "شيخ جاكسون"، الذي قُدم موعد عرضه الجماهيري ليكون في يوم 26 سبتمبر بدلاً من 1 أكتوبر، وذلك لاستيفاء شرط الترشح.

وفي 11 سبتمبر الجاري، أي بعد يوم واحد من دعوة النقابة السينمائيين للتقدم بأفلامهم، وبعد 4 أيام فقط من اجتماعهم الأول الذي سبق وأعلنوا خلاله عن تأجيل التصويت لنهاية الشهر، عقدت اللجنة جلستها التحكيمية النهائية، والتي خصص خلالها عرض خاص لفيلم "الشيخ جاكسون"، تلاه التصويت على الأفلام في مرحلتين، ففاز "الشيخ جاكسون" بـ17 صوتاً، مقابل 5 أصوات لفيلم "مولانا"!

شاركت مصر خلال الستين عامًا الماضية، هي عُمر الجائزة، 33 مرة، ولم تصل أفلامها للقائمة الطويلة للمسابقة، غير مرة واحدة فقط، وذلك في العام 2003، عبر فيلم "سهر الليالي" الذي فشل في الوصول إلى القائمة النهائية التي تنافس فعليًا على الجائزة، والتي غالبًا ما تضم خمسة أفلام فقط. ولعل هذا التوق للوصول إلى تلك المرحلة من المنافسة، يفسر العنوان الرومانسي الذي صاغه طارق الشناوي –أحد أعضاء لجنة الاختيار الأخيرة- لمقاله المنشور قبل يوم واحد من اجتماعه برفقائه لإعلان الفيلم المختار، كما يفسر الأسباب التي دعت النقابة إلى تشكيل جيش مكون من 25 من أرباب مهنة السينما للاضطلاع بهذه المهمة الوطنية.

واتساقًا مع ذلك العبث كله، فإننا لن نستطع هذا العام –أيضًا- اجتياز المرحلة الأولى من التصفيات، ليس لأن فيلم "فتاة المصنع" كان عادي المستوى، أو لأن "مولانا" فيلم متواضع القيمة، أو لأن المخرج عمرو سلامة ينتحل أفلامه من السينما الغربية.. بل سنفشل لأننا بهذا العراك كله نستجلب معاكسة القدر، أو أننا بالتعبير المصري الدارج: بنقاطع!