سلسلة: حب شعبي

روجيه عوطة
الأربعاء   2017/07/05
عند الحديث مباشرةً عما ستعالجه هذه السلسلة، وعنوانها "حب شعبي" (حلقة كل أسبوعين في "المدن")، فمن الممكن الإشارة الى انه موضوع الحب في اغنيات عدد من مطربي ومؤدي الفن الرائج شعبياً في لبنان. فهؤلاء هم من القائمين على صناعة تصورات معينة عن الحب، وعلى ضخها صوتياً وصورياً في آذاننا وعيوننا، أي آذان وعيون جمهورهم. على أن صنعتهم هذه مرت في مراحل مختلفة، وطبعتها أسماء كثيرة، ضاعفت من قيمتها عبر بلورتها، أو أخفضت منها عبر الافراط في ابتذالها، وذلك، خصوصاً بعد الدمقرطة الغنائية والفيديوكليبة التي ترافقت مع الانفجار الميديوي في الألفية الثالثة. لكن، وفي الحالتين، حالة البلورة، وحالة الابتذال، من المتاح الوقوع فيهما على ما تنتجه تلك الصنعة من أشكال خطابية ترتبط بالحب، كواقعة رغبوية، أو ارغابية على وجه الدقة، محاولةً الامساك بمدارها الموقفي والإحساسي.


من خلال مغناهم، الذي لا ينفصل عن مرآهم، يعمد الفنانون الى تصويت الحب وتصويره، والى تصويت وتصوير وجهاته الوجدانية تحديداً، ساعين الى بناء معانٍ له. وهم، في غالبيتهم، يصدّرون أغنياتهم العاطفية على نحو بعينه، بحيث أن الاستماع اليها يفضي، وبسرعة، وهذه غايته طبعاً، الى الاستمتاع بها، وهذا، حتى لو كانت تنطوي على حزن أو تعاسة. وهنا، ربما، علينا نتذكر ما تنصح به دلائل الفراق السائدة، اذ تطلب من العابرين في جنازة الانفصال عن أغيارهم ألا يستمعوا الى احدى تلك الأغاني، التي تتكلم عن اوضاع الشوق أو الحسرة مثلاً، لكي لا يعلقوا فيها، وتصير مصدر استمتاعهم، ولا يعود بمقدورهم الانصراف منها. فلا تبتعد تلك الاغنيات عن استنتاج وقع الحب على ممارسيه، قبل وضعه في أشكال مسموعة ومرئية، لا سبيل لمتلقيها سوى الى تركها تعبّر عما فيهم حيال بعضهم البعض، وذلك، ليكون دائماً، ولا ينتهي البتة.

من جهة أخرى، تستند السلسلة الى الصلة بين الحب والمغنى. فإذا كان الأول، وبحسب تعريفه الآنف، واقعة ارغابية تخلق وسطاً بين شخصين، محركةً كل واحد منهما من دنياه صوبه، وحيث يلتقي بغيره، فالمغنى، وعلى اساس وصف بسيط له، هو تصويت لتلك الواقعة وآثارها، مثلما أنه حمل للجاري بين طرفيها، من دفوق الشهوة والكلام والأفكار والصور، على إيقاع يسيلها. ذلك، أن الموسيقى، بما هي حمالة التصويت، ومبدعة المغنى معه، تحيل الى المسقى، أي قناة الماء.  بالتالي، مغنى الحب هو بمثابة جر لدفوقه الوجدانية تلك، وتماماً كالماء، في قنوات تبدأ من فم طرف، وهو المغني، وتنتهي في أذن غيره، وهو المغنى له، الذي، وفي مجمل الأحيان، لا نعرف رده، سوى عند الاستماع الى "ديو" أدائي بينهما.

لا تعتمد السلسلة على معايير موضوعية، اذا صح استخدام هذه العبارة، في اختيار مطربيها ومؤديها، بل ان اختيارها لهم محكوم بأمر التذوق الشخصي لأعمالهم، ومقتضى الانتباه الى ما فيها من تركيبات ملفتة. ويبقى أن منطلق السلسلة كان، في بدايته، المقروء في كتابات المستمعين الى هؤلاء الفنانين ومشاهدي فيديوكليباتهم في "يوتيوب"، اذ إنهم يملأون خانات التعليق بالكثير من العبارات والجمل التي تحثهم الاغنيات على تسجيلها، كما لو أنهم، بذلك، وعلى اثرها، يندفعون الى التطهر الفوري مما عاشوه عاطفياً. فلا يستمعون الى تلك الاغنيات فقط، بل تستمتع اليهم ايضاً، وهذا، ما يتعلق بوطأتها عليهم، وقوة مخاطبتها لهم، الى درجة اسرافهم في التعبير عن حبهم لصناعها، فمن المألوف أن نجد بينهم من يعلق على أغنية فنانة بالقول: "انها تغنيها من أجلي، فأنا من تناجيه".


(*) الحلقة المقبلة عن الحب مثلما تتصوره إليسا.