"روحي" لجيهان شعيب: فيلم انتهى إلى دعاية بنك

روجيه عوطة
الثلاثاء   2017/07/11
صورة تتأرجح بين الدعائية والانستغرامية
لا ندري ماذا يفعل السينمائيون اللبنانيون، أصحاب الوجهة السائدة باستفهاماتها ومعالجاتها الطاغية، أو بالأحرى الرسمية، كي يخرجوا أفلاماً رديئة، لكن، على الأغلب، أن الرداءة هذه، يساهم القائمون على شركات الإنتاج في مضاعفتها من خلال فرض كم من التعديلات على السيناريوهات، لكي تلائم ما يسمى، وبكل مخيلة نضبة ومفترية، "الذوق العام". 

هذه حالة فيلم "روحي" لجهيان شعيب، الذي استند في ترويجه إلى أن شخصيته الرئيسية "ندى"، تؤديها جولشیفته فراهاني. لكن الإتكاء على نجومية هذه الممثلة، لم يجعله ناجحاً، بل إنه بدا، من أوله إلى خاتمته، عبارة عن مشهد ممل، يقوم بالمرتقب، ولا يخلو، عندها، من لقطات مرئية وكلامية، كاد المتفرج "العادي"، على ما يصفه ويصنفه اللسان السينمائي الغليظ، قادراً على تدبيجها، وتصويرها، وتعديها أيضاً.

ندى فتاة تعيش في فرنسا، عادت إلى إحدى قرى عاليه، إلى منزل عائلة والدها. من اللحظة الأولى، يدرك المتفرج "العادي" أن قصة الفيلم محددة مسبقاً، ذلك، أنها، وحين تدخل إلى متجر صغير لبيع اللحوم، وتلتقي بأحد الشباب، ويسألها إن كانت تريد عنوان فندق، ترد عليه بنبرة دفاعية، لا مسوغ لها: "عندي بيت". يتوقع المتفرج "العادي"، في تلك اللحظة، أن القصة هي رسالة عن الإنتماء إلى الأرض، سيجري تدويرها مرات عديدة أمامه.

إلا أن هذا التدوير لا يستقر على تظهير موافق لمحموله، إذ سرعان ما ينقلب إلى تدوين له، تدوين يشبه النسخ على أي شاكلة من مرجع مبتذل، يتحدث عن العودة إلى الوطن واكتشاف سره المدفون خلال الحرب الأهلية. السر هو جثة الجد، والمنقِّبة هي حفيدته وأخيها، مساعدها، مراهق من الضيعة، العقدة هي الأب الذي يريد بيع المنزل وسلطة المجتمع، الحل هو الوحدة الفسيفسائية بالنزول من الجبل إلى الجنوب، وإقحام فلسطين المحتلة عرضاً. أما الخلاصة، فدعائية، قريبة من دعايات البنوك: "حب لبنان" المرسوم بعلمه على دفتر طفولي. فعلياً، كان لا بد من النشيد الوطني في نهاية الفيلم!


على أن كل رحلة "البحث عن الهوية"، التي أراد "روحي" إنجازها، بدت، وبالإضافة إلى كونها محددة المسار مسبقاً، غير مجهزة البتة. فأداء الممثلين غير مقنع، لا سيما أداء فراهاني إياها، الذي قام على نوع من الجلافة الكئيبة والإسراف المتوتر في إبانة تعلقها بذاكرتها، وفي إبانة تصديها لمحيطها. كما أن اداء ماكسيمليان سويرين، بدور أخيها، ظهر كأنه يمثل شخصيةً دخلت الفيلم بلا أن تتطبع به، مثلما اتسم أداء جوليا قصار في دور العمة، بارتكازه على المغالاة الثقيلة. كل هذا، ترك اثره في الحوار بين الشخصيات، التي لم تتفوه سوى برسالتها، وبما يفيد بها مباشرةً، عبر الوعظ، أو الشكاية، أو المعاكسة البسيطة أيضاً.

وبالطبع، من الضروري لفيلم من قبيل "روحي" أن يتضح منطقه الأساس، منطقه التسويقي على وجه الدقة، في مشهد بعينه، فنَدى وأخاها ينامان على السرير، ويتبادلان الشتائم بالمحكية، وعلى منوال هذا المشهد، الذي لا منفعة منه، يدور الفيلم بمتنه، الى يبلغ منتهاه الإعلاني.

لـ"المتفرج العادي" أن ينتبه، وبعد مشاهدته للدفعة الأخيرة من الأفلام اللبنانية، الى أنها شيئاً فشئاً تختزل جملتها المشهدية بتدوير وتدوين رسالتها على أساس مرجع يتشكل من سابقاتها، من دون دراية بالتمثيل وحواره، بل بتعليقهما على "وجه نجومي" جميل، ومن دون اهتمام بصناعة صورة لا تتأرجح بين الدعائية والانستغرامية، ولا تسقط في فخ ادعائها لكتمان المعنى. فبعد هذا الاختزال، لا يبقى من تلك الأفلام سوى بعض المشاهد الطبيعية من مناطق خلابة بيئياً، وبالتالي، تصبح هذه الأفلام دليل "المتفرج العادي" لاكتشاف بقع البلاد الخضراء بغاية "البحث" عن متنفس من رداءة السينما المسيطرة.