"من السماء" لوسام شرف: الحشو السينمائي الرسمي

روجيه عوطة
الأربعاء   2017/06/07
يعالج "شيئاً ما"، في الأساس، لا يدركه
لا يترك فيلم وسام شرف "من السماء" أثراً في مشاهده، فهذا الشريط يبدأ وينتهي من دون أن يستوي على بسيطة ما، أكانت جواً أو وجهة، تجعله يحقق أي بغية، من المفترض أنه يريد بلوغها. فإذا كان المخرج قد رغب في إضحاك جمهوره، فهو لم ينجح في ذلك. وإذا كان قد رغب في تقديم جملة مشهدية، تقوم بما يسمى، وباستسهال بعيد من الدقة، "العبث الفكاهي"، فهو لم يصب في ذلك. أما، إذا كان قد رغب، وهنا، الكلام إحتمالي طبعاً، في إنتاج باروديا نقدية للسينما اللبنانية الدارجة حدّ الضجر منها، فهو لم يعرف لمقصده سبيلاً، بل وقع، مرةً، في إطار كليشيهاتي مضاعف، أي التقاط المبتذل والإطناب في ابتذاله، ومرةً، في إطار إدعائي هزيل، لا يشير بمجازه، وبالتأكيد، لا يرمز به.

وهكذا، اتسم فيلم شرف بكونه يتأرجح بين تجمده من جراء فشله في بناء أي معنى له، ومحاكاته الضعيفة لكونه يعالج "شيئاً ما"، في الأساس، لا يدركه. من ناحية، تأتي مقاطعه غير مترابطة، وفي الوقت نفسه، غير مفكوكة عن بعضها البعض، وهذا ما لا يشيد نمطاً إخراجياً بعينه. ومن ناحية أخرى، ولما تذهب إلى النطق بما تحمله، تنتقل من سقطة التمثيل إلى سقطة الحوار، وبينهما، سقطة المألوف للغاية، إلى درجة توقعه قبل ظهوره، من تلاميح وتعليقات على صورة السياسة والإجتماع اللبنانية. وفي حصيلة كل هذا، عرض الفيلم قصته الركيكة، في صعيد وقائعها أو إستعاراتها، ولم ينجزها البتة، مثلما أنه، وحين قرر تلقيحها بضروب الدعابة أو التحامق حتى، جعلها ثقيلة، وفي أحيانٍ كثيرة، سمجة.

الأخ، سمير، المليشياوي السابق (رودريغ سليمان)، يعود إلى أخيه، عمر، الحارس الشخصي الراهن (رائد ياسين)، فجأةً، وأب معتل، يكرر عبارة واحدة بتشكيلات عدة، ومغنية طامحة إلى السلطة ونجوميتها (يمنى مروان)، وجار بصوت تلفزيوني مرتفع، وصديق سكير ومهاجر (سعيد سرحان)..."عالم"، وإذا صح استخدام هذه الكلمة، ينهض، وبلا أي أسلبة، بهذه الشخصيات، وبصلاتها، وبمواقفها، التي، وحتى عندما كانت تستقر على أفعال، تبدو محض لفظية. إذ إن تأدية هذا "العالم"، وعلى مقالبها المختلفة، إما انطوت على إبانة الطباع كتطبّع لكي تنتج نوعاً من السخرية التي لا تغني ولا تسمن، أو على ميل شبه درامي، يدور الحديث فيه كأنه مقتبس من مدونة فيلمية، لطالما انتهجتها السينما المحلية، ولا تزال تجترها بمقاربات معهودة، من  قبيل "فقدان الذاكرة"، وشبحية الحرب، والعنف اليومي، وغيرها.
 

فكل ما رمى "من السماء" إلى قوله تفيض تلك السينما به، أو بالأحرى هو يكوِّن حشوها الرسمي. وعليه، ضاع الفيلم بين أخذ ذلك الحشو على عاتقه، متكلماً به على طريقته، و"تفكيهه"، أي جعله فكاهياً، ولو ببساطة. وفي إثر ضياعه، لم يقدم على شيء من الخيارين، بل ظل حبيس غاية مشتتة، بحيث أن المُخرج قد تصورها، وتصورها فقط، فلم ينتقل إلى إبرازها، بل اكتفى بالتدليل البدائي والضعيف عليها، ليخلص إلى أننا، ويا له من استنتاج، لا نزال نعيش صدمة الحرب بعد انتهائها...

لقد جرى التسويق لفيلم "من السماء" كفيلم "مستقل"، وهو قد يكون على هذه الحال من ناحية صناعته بإمكانات مالية محدودة، أي بسبب تمويله. لكنه، ومن النواحي الباقية، وهي الأهم، هو ليس فيلماً مستقلاً على الإطلاق، لا سيما أنه يتكئ على الحشو الرسمي للسينما اللبنانية، مثلما أنه لا يختلف عن الدارج فيها بأي منظور أو طرح، فهو يهبط في سياقها هبوطاً تاماً، ويدور حول محورها بلا أن يثبت على "أرضٍ" خاصة به، بل إنه يظهر في "سمائها" كغيمة يابسة، سرعان ما تتبدد.

لكن، بربّكم، معزوفة "الفيلم المستقل" هذه، يجب إعادة النظر فيها، أو الإقلاع عن استعمالها كيفما اتفق!