عيد ضد الموسيقى

روجيه عوطة
الخميس   2017/06/22
عيد الموسيقى في الجميزة - بيروت (سلمان قشمر)
في كل مرة، تشهد فيها بيروت "عيد الموسيقى"، نسمع، وعلى ألسنة الكثيرين من المحتفلين به، شكوى تنطوي على أمنية، مفادها استفهامهم عن السبب الذي يمنع المدينة من الاحتفاء الشهري بتلك المناسبة الثقافية: "يجب أن يكون عيد الموسيقى شهرياً، وليس سنوياً فقط". على أن هذه الشكوى-الأُمنية غالباً ما تكون مسبوقة بغض الطرف عن برنامج ذلك العيد، بحيث أن الوقوف عليه يبين أنه يتشكل من مجموعة من النشاطات الموسيقية، المشاركة فيها من باب التفرج والاستماع شبه يومية. 

بمعنى آخر، يجمع برنامج العيد السنوي ما هو متاح دائماً في بيروت من حفلات وعروض، بالتالي، لا يأتي بما يميزه، كيوم احتفائي، عن باقي الأيام العادية. يجمع البرنامج ذلك المتاح الموسيقي من دون أن يظهر سبب فعله هذا، أو علته، يكتفي بضم الحفلات والعروض الى بعضها البعض، بحيث أن المشترك الوحيد بينها هو كونها تجري خلال فترة زمنية واحتفالية واحدة لا أكثر ولا أقل.

قد يصح القول أن دور عيد الموسيقى هو تنشيط الحركة الاقتصادية، التي تأخذ منحىً ثقافياً، في بيروت، لا سيما أن وقته صيفي، ومن المفترض أن يكون وقتاً للسياح أو أشباههم من المقيمين. لكن ذلك العيد، ببرنامجه التجميعي، يكشف انقطاعاً بين دوره، أي تنشيط الحركة الاقتصادية، وبين تأديته له، اذ يريد تحقيق الدور من دون الاهتمام بالأداء، من دون الاهتمام بمحتواه وجعله جذاباً بطريقة لا تقتصر على "لمّ شمل" الحفلات والعروض، وطبعاً الفنانين. وهذا، في كل الأحوال، يتعلق بموضوع آخر، وهو العلاقة بين النشاط الاقتصادي والآخر الثقافي، حيث أن الاول، ولأنه محكوم بضعف الخيال، يرتبط بالثاني عبر تحشيده، بلا أي تفاعل معه حول أنماطه وأنواعه، أو منتجاته على وجه الدقة.

اذاً، عيد الموسيقى، ونتيجة بغيته التنشيطية، هو مناسبة لتجميع الانتاج الموسيقي، وطرحه في يوم واحد. الا أن هذا الانتاج، الذي يجري جمعه، غالباً ما يمكن متابعته في بيروت ولياليها. وعلى هذا النحو، الشكوى-الأُمنية، التي ترغب في جعل العيد شهرياً بدلاً من أن يكون سنوياً، تظهر أن ذلك الانتاج لا يصير مرئياً للغاية، ويترك أثراً في جمهوره، إلا عندما يكون مجمعاً، فإن كان على العكس من هذا، أي على وضعه البديهي، يبدو مبعثراً ومذرراً، ما يفضي به الى فقدانه لوطأته.

هكذا، من الممكن أن نسأل: من هو هذا الجمهور الذي يريد أن العيد كل شهر، والذي يجد في الانتاج الموسيقي إنتاجاً مشتتاً وبلا أثر حين لا يكون شمله ملموماً؟ إنه جمهور "الجملة"، وليس جمهور "المفرق"، الجمهور الذي لا يلاحظ الانتاج الموسيقي الا عندما يجري تجميعه في "جملة" زمنية ومكانية واحدة، الجمهور الذي لا يعتقد بكل حفلة وعرض على حدة، بل إنه يرغب في حشد كل العروض والحفلات في قالب واحد لكي يشعر بكونها تخاطبه، ولكي يشعر بحظوتها.

من هنا، تنم شكوى الجمهور، وأُمنيته، عن رغبة شديدة في العيد، بوصفه تقديماً للموسيقى "بالجملة"، لكن رغبته هذه لا تعتريه سوى لأنه لا يلاحظ أن ما يشاهده ويستمع اليه في ذلك العيد هو منتج ومتاح مسبقاً. يصير جمهور العيد لأنه، طوال عام، ليس جمهور الانتاج الموسيقي، الذي يعده مشتتاً وبلا أثر لأنه غير ملموم الشمل، ولأنه لا يشكل قالباً واحداً فقط.

يبقى أن شكوى الجمهور وأُمنيته هي مضادة لعيده الموسيقي. فالعيد يحصل على معناه حين يوفر شيئاً ما بعد حرمان طويل منه. وبالتالي، المطالبة به كمناسبة شهرية، أو أكثر، تؤدي الى إضعاف معناه، وتعطيله. مع الإشارة الى ان الحرمان المفترض، في حالة عيد الموسيقى، لا يخلقه سوى النظر الى الانتاج الموسيقي غير ملموم الشمل على أنه غير موجود. ولما يسد عيد الموسيقى ذلك الحرمان، لا يقدم على هذا اإا عبر جمع العروض والحفلات والفنانين كعائلة واحدة، تظهر في يومٍ، وتختفي لاحقاً. أما ما ينتجه غير أفرادها، بعيداً منها ومن عيدها، فيظل بلا جمهور.

عيد الموسيقى، في هذا السياق، يقوم باعتبار واحد: لا موسيقى قبله وبعده، سوى كموضوع حرمان، وعندما تتاح، فبسببه ومن خلاله. وهذا، ببساطة، ليس صحيحاً البتة.