خبيئة إسماعيل يس.. الذي قرأ روح الاشتراكية وقصص القرآن

وجدي الكومي
الأحد   2017/04/02
كُتُب اسماعيل ياسين
ظلت كتب إسماعيل يس خبيئة في منزله، حتى قررت فجأة سيدة مجهولة من أسرته مفاجأة الوسط الثقافي المصري، بالتبرع بها لإحدى الجامعات، وتبقت بضعة كتب أخرى لديها، فقررت منحها لأحد تجار الكتب، الذي باعها بدوره لصاحب لمكتبة "شراع" في وسط البلد، واسمه عبدالتواب سلامة - شاعر فصحى لم يصدر أي ديوان، كتب عن الكتاب في منشور له في صفحته في "الفيسبوك"، وهو ما ساهم بتعريف الناس كنز إسماعيل يس غير المتوقع.


كل الخيوط كانت تؤكد أن بحوزتنا خبيئة، تماثل إلى حد ما، خبيئة المقتنيات والكتب التي ظهرت تباعاً في وسط البلد منذ فترة قريبة، ومنها مقتنيات مي زيادة وما أثير حولها من جدل كبير في أكتوبر/تشرين الثاني2016.

هذه المرة لم يكن أمام "المدن" سوى التحقق من قصة صاحب الخبيئة و"المنشور"، بالذهاب إلى المكتبة، لنكتشف أنها حقيقية، وأن صاحبها الحالي - عبد التواب- اقتناها من تاجر الكتب، الذي تعرف بدوره على السيدة المجهولة التي على صلة قرابة بالفنان إسماعيل يس المتوفى في العام 1972. يقول عبد التواب لـ"المدن" إنه اشترى 15 كتاباً من التاجر، بمبلغ 2000 جنيه فقط (111 دولار) وأنه في صدد شراء مجموعة أخرى، عرضتها قريبة إسماعيل يس المجهولة على التاجر، وهي تحتفظ لنفسها بالأوراق الخاصة للفنان الراحل، ولا تنوي أن تفرط فيها، سواء بالبيع، أو بالإهداء لأي مؤسسة ثقافية، أو جامعة مصرية.

ولا ينوي صاحب "مكتبة شراع" التفريط في المجموعة التي اشتراها، والتي ضمت عناوين في القصص التاريخية، وقصص القرآن، وأعمالاً للكاتب الفرنسي غوستاف لوبون، ومنها كتابه "روح الاشتراكية" نقله إلى العربية محمد عادل زعيتر "خريج جامعة باريس"...

كما اشتملت الخبيئة على كتب، ومنها كتاب "تاريخ الخلفاء"، مترجماً عن الفرنسية بقلم نخلة بك صالح شغوات، وكتاب آخر بعنوان "أسرار البلاط الألماني" الذي وضعه وليكم ليكيه، الكاتب الإنكليزي المشهور، وعرّبه طانيوس عبده، وعنيت بنشره إدارة الهلال بمصر.

كما ضمت الخبيئة كتاب "حضارة الإسلام في دار السلام"، تأليف جميل نخلة المدور، طبع في المطبعية الأميرية في بولاق العام 1937، وكتاب "الصديق أبو بكر" لمحمد حسين هيكل، و"أسرار الحياة الدولية وحظ مصر والعرب منها" لعبدالله حسين.

وتَسِم المجموعة التي تفحصناها كتاباً كتاباً، ملحوظتان. الأولى، أنها كلها تحمل ختماً باسم "إسماعيل ياسين". والملحوظة الثانية، أنها بيضاء من غير سوء، كأنها لم تمس، أو لم تقرأ، ما عدا كتاب "شخصيات مصرية وغربية" لمحمد حسين هيكل، إذ سطّر أحدهم خطوطاً أسفل عبارات تتناول موضوع الخير والشر، ومنها فقرة تقول: لكل إنسان غرائز أو طبيعة إنسانية راسخة، كل غرائزنا قيمة نافعة، طريقة استخدامنا لهذه الغرائز هي التي تثمر ما نسميه خيراً وما نسميه شراً، وإذن فالخير هو الاستخدام السويّ لغرائزنا، والشر هو الاستخدام المنحرف لهذه الغرائز".

وإن كان هذا الكتاب هو الوحيد الذي ربما قرأه الفنان الكوميديان الراحل، إلا أن ثمة من حذف اسمه عن هذا الكتاب، وكتب اسماً آخر في آخر صفحاته، ما يزرع الشك في قلب متفحص الكتاب، إن كان إسماعيل يس قد قرأ الكتاب فعلاً، أم شخص آخر.

وبرغم أهمية الكشف، إلا أنه بيّن إلى أي مدى لا تعبأ المؤسسات الثقافية الرسمية في مصر بمقتنيات الفنانين الكبار، فلم تتصل أي جهة رسمية بصاحب المكتبة الواقعة في وسط البلد لمحاولة الحصول على هذه الكتب، وضمها إلى رف من رفوف الكتب ذات الأهمية الأثرية نظراً إلى طبيعة مقتنيها. يحكي عبد التواب سلامة أن مؤسسة الأزهر تخلصت من مكتبة كاملة تخص أحد مشاهير شيوخها، لمجرد أنها صارت مكتبة قديمة، مرت عليها أربعة عقود، لذا يجب التخلص منها. تباع بالكيلو لمشتري الورق "الدشت". يضيف عبد التواب، متحفظاً على ذكر اسم الأزهري صاحب المكتبة: "تخيل أن تجد مكتبة أثرية كاملة بين باعة الورق الذين سيقومون بإتلاف الكتب لإعادة تدويرها في ما يعرف بعملية "التدشيت"، لمجرد أن مشيخة الأزهر لديها قانون عقيم، يجيز التخلص من المكتبات القديمة، بكل ما تحويه من كتب ذات طابع أثري قيّم، وكتب نادرة في علوم إنسانية وفلسفية مختلفة"!

حاولنا استطلاع هوية السيدة المجهولة، التي تتخلص من كتب إسماعيل يس، لتجار الكتب النادرة، وهواة اقتناء مكتبات الشخصيات الفنية والثقافية، لكن حتى لحظة كتابة هذه السطور لم يفصح التاجر الذي باع الكتب لعبد التواب عن اسم قريبة إسماعيل يس، التي تتخلص من كتبه، وتحتفظ بأوراقه... كما حاولت "المدن" التواصل مع حفيدة الفنان الكوميديان الراحل، سارة يس، لكن تعذر الوصول إليها لأن نقابة السينمائيين المصريين فقدت رقمها، وانقطعت علاقتها بها. أما عبد التواب سلامة، فأكد لـ"المدن" أنه لا ينوي أبداً أن يبيع كتاباً واحداً من كتب إسماعيل يس، ويقول: "سأكمل مجموعته التي تحمل ختم اسمه، ولن أبيعها أبداً".