كينيدي و“الخلافة”الاسلامية:جدل سياسي..نقاش تاريخي

حسين عبد الحسين
الثلاثاء   2017/03/21
يستندون في تبرير دمويتهم الى احاديث ضعيفة
في ما تبدو محاولة للافادة المالية المشروعة من موضوع يشغل الغرب والعالم، نشر المؤرخ في “جامعة لندن” هيو كينيدي كتابا حمل عنوان “الخلافة”، واستعرض فيه بشكل سريع ومبسط أبرز التواريخ التي أعلن فيها مسلمون خلافتهم، من الراشدين الى الأمويين، فالعباسيين، مرورا بالبويهيين والسلاجقة، فالفاطميين، والمرابطين، والموحدين، وختاما مع المماليك والعثمانيين. 
وكينيدي هو صاحب سلسلة من الكتب التي تتناول تأريخ الخلافة والفتوحات الاسلامية، بدءا من كتاب “الخلافاء العباسيون الاوائل”(1981)، ثم “النبي وعصر الخلفاء”(1986)، ثم “اسبانيا والبرتغال الاسلامية”(1996)، فـ “جيوش الخلفاء”(2001)، فكتاب “عندما حكمت بغداد العالم الاسلامي”(2005)، ثم كتاب “الفتوحات العربية العظمى”(2007)، وصولا الى كتاب “الخلافة" الصادر مؤخرا، والذي يصفه كينيدي على انه كتاب تاريخ وليس كتابا في السياسة.

الا ان كينيدي لا يجد بدا من ان يعرج على الاحداث الراهنة، بين الحين والآخر، بشكل يشي بأن كتابه مخصص لمناقشة مبدأ الخلافة على خلفية قيام تنظيم “الدولة الاسلامية” في العراق والشام باعلان قيامها في صيف 2014.

وعلى الرغم من شهرة كينيدي الواسعة، الا ان بعض الاخطاء تطرح اسئلة حول تمكنه في اللغة العربية، فكلمة جاهلية ترد مرتين في النص مكتوبة جابلية بطريقة تدفع القارئ الى التشكيك في امكانية وقوع خطأ مطبعي. كذلك، يكتب كينيدي بالاحرف اللاتينية “دولة الاسلامية”، بدلا من “الدولة الاسلامية”، في اشارة اخرى الى ان المؤرخ المعروف قد لا يكون فصيحا بالعربية كما يلزم.

يرد كتاب “الخلافة” في 11 فصلا، يفتتحها كينيدي بمحاولة الغوص في معنى كلمة خلافة، ويتطرق الى النقاش الاسلامي القديم حول ان كانت تعني “خليفة الله”، كما ورد في القرآن في وصف آدم وداود، ام “خليفة الرسول” وتاليا “خليفة المسلمين”، كما تواتر في السنّة والاحاديث. على ان كينيدي لا يبحث في الاصل اللغوي للكلمة، وهو ربما لو فعل ذلك، لأمكنه مقارنة كلمة خلّف، بمعنى ترك بعده ولداً يرثه، بكلمة كلّف فلان فلانا بادارة شؤون كذا (كما في تكليف رئيس دولة لرئيس حكومة). ويمكن ايضا المقارنة بكلمة كلّل، اي وضع فلان إكليلاً على رأس فلان لتطويبه ملكاً.

ويربط العالم اللغوي ربيع المكي الجذر كلّل بالكلمة السامية العبرية كتل (يلفظها العبرانيون كوتيل مثل في اشارتهم الى حائط المبكى في القدس). والكلمة هي مرادف جدار في الفينيقية والعربية، وتعني كل ما يفيد كتلة. وكان الاراميون اطلقوا تسمية "بيت قطرايا” على الكتل او الجزر التي يسكنها العرب في الخليج، وهي التسمية التي ماتزال تحملها شبه الجزيرة التي تشكل دولة قطر اليوم.

وربما لو ربط كينيدي بين كلمتي “خليفة” و”إكليل” لتوصل الى سبب ممكن لاطلاق صحائف “تسجيل الاحداث” (chronicle) المارونية في القرن السابع الميلادي لقب ملك على الخليفة الأموي الاول معاوية، وهي صحائف يشير اليها كينيدي في الكتاب. وكذلك اطلق المؤرخ البيزنطي ثيوفانيس، في القرنين الثامن والتاسع، لقب “ملك العرب” على رسول المسلمين محمد وعلى خلفائه.

وربما لأن الكتاب موجه لجمهور غير متخصص، لا يخوض كينيدي في تاريخية الاحداث والنقاش الاكاديمي المندلع حولها، بل يكتفي بتقديم وجهة النظر الاكثر قبولا في استعراضه الزمني لتتابع الخلافة، فيما يحاول الاضاءة على آلية اختيار الخلفاء، ووجود شورى او عدمه، ووجوب كون الخليفة من قريش عموما، او من عائلة الرسول خصوصا. ثم يقدم مطالعات ثلاثة كتاب مسلمين في القرن الحادي عشر حول الخلافة، وهم الماوردي والجويني والغزالي.

والكتاب سهل القراءة لغير المتخصصين، ويقدم تلخيصا سريعا حول الموضوع للمتخصصين. لكن يؤخذ على كينيدي تصنيف المسلمين عبر التاريخ وفقا للتصنيف السائد حاليا، اي سنة وشيعة، فيجعل من الخلفاء الراشدين والامويين والعباسيين والعثمانيين سنة، ويضع البويهيين والزيديين والفاطميين في صف الشيعة. لكن، في فهم كينيدي قصور للولاية في المفهوم الشيعي، حتى الاثني عشرية منهم، وهو مفهوم تعرّض لتطورات وانقسامات استعرضها أكبر المؤرخين العرب، وفي طليعتهم العراقي الراحل جواد علي، في اطروحته للدكتوراه في برلين التي حملت عنوان “المهدي المنتظر”.

وحسب جواد علي، اضطر الشيعة للتكيف مع مشكلة تدبير أمورهم في زمن الغيبة الكبرى للامام الحجة حتى ظهوره، ففتحوا باب الاجتهاد، ووافقوا على إناطة بعض مهام الامام بعلمائهم، ما عدا اعلان الجهاد. ومع حلول القرن العشرين تطورت مدرسة ايرانية اعتبرت انه يمكن اختيار واحد من علماء الشيعة المجتهدين وتنصيبه نائبا للامام، مع ما يعني ذلك إقفال باب تنوع الاجتهاد الشيعي وحصره بشخص الولي الفقيه، الذي يمكنه اعلان الجهاد في غياب الامام.

كذلك يعاني كينيدي وكتابه من قصور في فهم التطور الفكري التاريخي داخل المذهب السني، وهو يتطرق لماماً الى بعض كتاب النهضة العرب في القرن التاسع عشر، من دون ان يتوسع في أبرز ما كان يشغلهم لناحية ردة الفعل التي ولدها اجتياح نابليون مصر نهاية القرن الثامن عشر، واعتقاد غالبية الحداثيين من السنة ان لحاق المسلمين بالحضارة الغربية يفرض اصلاحاً، من دون ان يتوصلوا لاجماع حول نوع الاصلاح، الذي اعتبره بعضهم عودة المسلمين الى دينهم بصيغته الماضية، فيما اعتبر بعضهم ان الدين يحتاج الى تطوير ليتناسب مع الزمن.

الا ان من ايجابيات كينيدي انه يتعامل مع اعلان زعيم تنظيم داعش ابو بكر البغدادي خلافته من باب فكري، ويقدم حججاً مقنعة ضد هذا النوع من الاعلان، ويعتبر ان مسؤولي الدعاية في التنظيم غالبا ما يستندون في تبرير دمويتهم الى احاديث ضعيفة في اسنادها وغير معروفة او متواترة. كذلك يطعن كينيدي في حصرية قيادة المسلمين التي يدعيها البغدادي، ويعتبر انه عبر تاريخهم، يندر ان أجمع المسلمون على خليفة واحد، بل لطالما كان بينهم إثنان او اكثر، ولطالما تباحث المسلمون في مؤسسة الخلافة ووظائفها ومهامها، خصوصا في غياب نصر قرآني واضح حول ماهيتها.