الأوسكارات المملة: مَن سيفوز؟ ومَن يستحق الفوز؟

محمد صبحي
الثلاثاء   2017/02/21
"لالا لاند" عريس الاوسكار.. من دون مبرر!
أيام قليلة تفصلنا عن حفل توزيع جوائز الدورة الـ89 من الأوسكار التي تمنحها الأكاديمية الأميركية لفنون وعلوم السينما، والمقرر إقامته في 26 شباط/فبراير الجارى. الجميع يعلم أن الفيلم الغنائي الاستعراضي "لالا لاند" يتصدّر الترشيحات وسيكون عريس تلك الليلة، بترشحه لـ14 جائزة من جوائز الأوسكار الـ24، وأغلب الظن أنه سيفوز بمعظم هذه الترشيحات ليتفوق على باقي الأفلام المتنافسة، خصوصاً في الأوسكارات الرئيسة (أفضل فيلم، ممثلة، إخراج، سيناريو، موسيقى، تصوير).


تدور أحداث "لالا لاند" في إطار رومانسي حالم مسرحه مدينة خيالية قريبة الشبه بمدينة لوس أنجليس، حول نادلة شابة (إيما ستون) تسعى لتحقيق حلمها بأن تصبح ممثلة كبيرة، وبالمصادفة تقابل عازف بيانو وسيماً (ريان غوسلينغ) يحاول بدوره أن يحقق حلمه ويفتتح نادي الجاز الخاص به. يقع الاثنان في الحب، لكن علاقتهما لا تخلو من المشاكل والعقبات التي لا يكفيها حب الجاز أو الإخلاص لفن التمثيل. فالأشياء تحدث والحياة تحدث، وفي الأثناء هناك الكثير من القفزات السردية والفواصل الموسيقية والغنائية التي يطعّم بها المخرج داميان شازيل فيلمه.

أسماء الفائزين بالأوسكار ستعلن في ساعة مبكرة جداً من صباح الإثنين 27 شباط/فبراير (بتوقيت العالم العربي)، خلال حفلة سيحضرها الآلاف من أهل الفن والسينما وسيتابعها من وراء الشاشات أكثر من 1,5 مليار مشاهد في أكثر من 200 دولة حول العالم. ربما تكون مراسم توزيع الجوائز هذه السنة مملة بعض الشيء نظراً لتوقعها، طالما أن هوليوود تريد أن تثبت للعالم أنها تحب "لالا لاند" في محاولة يائسة لنسيان كابوس اسمه دونالد ترامب، لكن السنوات الماضية عوّدتنا أن بعض المفاجآت تكون حاضرة في الأوسكار.

في هذه المقالة تحاول "المدن" الاقتراب من احتمالات الفائزين، والإشارة إلى الأفلام المستحقة لتقدير ربما لا تناله من الأكاديمية التي يبدو مزاجها شغوفاً ومتعلقاً بخلطة هوليوودية تقليدية لا تقول شيئاً في الأغلب، لكنها تبدو وكأنها تقول الكثير!

 
أفضل فيلم

سيفوز: لالا لاند
ربما يفوز: مونلايت
يجب أن يفوز: مانشستر باي ذي سي


يبدو الحديث عن التوقعات بشأن هذه الفئة، نوعاً من المزاح الثقيل. فالجميع تقريباً يتوقع فوز "لالا لاند" بالجائزة، إما احتفاءً بما يمثله الفيلم من حالة فنية شبابية للهروب من حالة العفن التي يفرضها الواقع، وإما هروباً من صدمة انتخاب دونالد ترامب رئيساً لأميركا. منذ كانون الأول/ديمسبر الماضي ومقالات المديح تنهال على الفيلم وصانعيه والقائمين عليه، من دون أن يتوقف أحد لتبرير ذلك المديح بكلام منطقي وتحليلي، يتجاوز الاحتفاء الهروبي بفيلم هوليوودي بامتياز، حالم بالرومانسية والفن والرقص والأحلام والموسيقي، في أرض الأحلام، أو مدينة لوس أنجليس. ليس غريباً أن تتداخل السياسة والسينما، فنجد آراء من الجانبين تنتقد تصرفات أو قرارات أشخاص معينين، لكن الغريب حقاً هو الاستسلام الكامل لحالة الخوف الترامبي المسيطرة على هوليوود، ونقّادها ومحبيها، من قبل مانحي الجوائز الذين بدوا وكأنهم استنكفوا عن الانغماس في السياسة ووجدوا البديل في تناسي الواقع والتأسّي الحالم على وقع نغمات الجاز المشوَّه بالرومانسية وأحلام الماضي وإعادة تدوير الحنين.


في معرض مديحهم للفيلم، أشار أكثر النقاد إلى "لالا لاند" باعتباره تحية سينمائية لكلاسيكيات الأفلام الموسيقية والغنائية الهوليوودية والعالمية في الأربعينيات والخمسينيات، لكنهم يتناسون أنها تحية سينمائية واعية بذاتها ومتعمَّدة، تعتمد الحنين مرتكزاً لخطابها كلية وتهمل في طريقها أي محاولة لتشييد عمارة سينمائية يمكن تحليلها أو النفاذ في أبعادها المختلفة إلى مؤشرات عبقرية فذّة. الحقيقة المؤسفة أنه لا سيناريو مكتملاً، ولا قصة يمكن الوقوف عليها، ولا إدارة إخراجية تستحق كل هذا المديح الذي لم يتوقف منذ عرض الفيلم في الولايات المتحدة (عُرض الفيلم في مهرجان فينيسيا السينمائي قبل ذلك بشهرين ولم يلتفت إليه سوى النقاد الأميركيين). فقط إعادة تدوير للحنين يجري استغلاله تجارياً بصورة مشابهة للطريقة التي تتعامل بها شخصية كيث (جون ليجيند) في الفيلم مع موسيقى الجاز.

في جانب آخر، نجد في فيلم "مانشستر باي ذا سي" (مانشستر قرب البحر) لكينيث لونرغان، قصة بسيطة حول شخص مُهمِل يعمل بالسباكة في ولاية بوسطن، يجد نفسه فجأة مسؤولاً عن تربية ابن شقيقه الثري، بعد وفاة الأخير في حادث قارب في مدينة مانشستر الساحلية. ومثل شازيل، يعتمد لونرغان على تقنية فلاشباك. لكن لونرغان يقوم بذلك بفعالية كبيرة تجعلها ركناً جمالياً أساسياً في البناء السردي للفيلم، الذي يقوم على التفاصيل والأحداث الصغيرة والعابرة. دراما متأنية ومكثفة ودقيقة عن عوالم صغيرة وهامشية، يتداخل فيها الإنساني بالاقتصادي والجغرافي بالاجتماعي.

في عام آخر، ربما كان "مانشستر باي ذي سي" ليجد التقدير الملائم من قبل الأكاديمية، لكن هذا العام هو عام "لالا لاند" فقط، للأسف.

 
أفضل مخرج

سيفوز: داميان شازيل (لا لا لاند)
ربما يفوز: باري جينكينز  (مونلايت)
يجب أن يفوز: كينيث لونرغان (مانشستر باي ذي سي)

شخصياً، أتمنى أن يكون لدى المخرج داميان شازيل خطة بديلة عند صعوده المنصة لاستلام جائزة أفضل مخرج، وبدلاً من شكر الأكاديمية على اختياره للفوز بالجائزة أريد أن أراه يتوجه بالشكر لكل من تشارلز مينجوس وميلز ديفيز وجون كولتران وتشيت باركر وثيلونيوس مونك وإلفين جونز ويوك إلينغتون وبيني كارتر وفاتس والر وكونت باسي ومكوي تينر وسوني رولينز وأورنيت كولمان وكولمان هوكينز... وكل أساطير الجاز الآخرين (الذكور حصراً) الذين يصلح ذكرهم خلال الثواني الـ45 المخصصة له. وإذا قاطعت موسيقى الأوسكار كلمته، نأمل من مخرج "لالا لاند" أن يستكمل كلمته غير عابئ بالمقاطعة، مستقوياً بهتافات الجمهور المتحمس، حتى وإن صار حديثه أشبه بـ"الصرصرة".

ونتمنى أن تصطاد الكاميرا رد فعل يصلح لأن تكون صورة Gif شهيرة، مثل هذه من المرشح الوحيد في هذه الفئة الذي عليه أن يفخر لمجرد ترشحه للجائزة. ونتمنى وسط هذه المعمعة أن تمسك الكاميرا بالمخرجين باري جينكينز وكينيث لونرغان وهما يصفقان بالطريقة ذاتها التي صفق بها من قبل ديفيد لينش وروبرت ألتمان، حين خسر كلاهما الجائزة لصالح رون هاوراد في 2002. وبعد ذلك في نهاية المطاف، نأمل أن يتجاوز شازيل أداءه المنمّق ليخرج علينا من مكانه على المنصة صائحاً: "أنا ملك الجاز".

في الحقيقة، أتمنى أن أكون في سبات عميق حين تحين تلك اللحظات تحديداً من الحفلة.


أفضل ممثلة

ستفوز: إيما ستون (لالا لاند)
ربما تفوز: إيزابيل أوبير (هي)
يجب أن تفوز: إيزابيل أوبير (هي)

هذه الفئة تحديداً تمثل علامة استفهام كبيرة بالنسبة إلي، بداية من إزاحة آيمي آدامز من المنافسة على الجائزة رغم تقديمها دورين مهمين في "آريفال" لدوني فيلانوف، و"نوكتورنال آنيمالز" لتوم فورد، والمجيء بميريل ستريب بدلاً منها. ورغم أن الأخيرة ممثلة كبيرة، إلا أن أداءها في "فلورنس فوستر جينكينز" لا يسمح لها بأخذ مكان آدامز في المنافسة. بالطبع، لن تفوز ستريب بالأوسكار هذه المرة، لكنها حفظت لاسمها مكاناً خالداً في سجلات الأكاديمية بعدما أصبحت الممثلة الأكثر ترشحاً لجوائز الأوسكار بعشرين ترشيح.

ستون ممثلة محبوبة وجميلة وذكية في اختيار أدوارها. وهي في نظر كثيرين، ممن لم يحبوا "لالا لاند"، النقطة الأبرز في الفيلم، بعيداً من طوفان المديح السيّال بحق الإخراج والموسيقى والإنتاج. هي الموّلد الحقيقي لطاقة الفيلم. ستفوز ستون بالأوسكار الأسبوع المقبل بسبب طوفان آخر من عناوين الصحف والمجلات التي روّجت من قبل لحصول ممثلة شابة على جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، ناهيك عن أن شخصيتها في "لالا لاند" توفّر مرآة ذاتية يمكننا النظر إليها ورؤية ستون نفسها كممثلة موهوبة ووحيدة لا تجد الفرصة لإثبات تحققها، ما يجعل تلك النقطة الأخيرة بمثابة حبة الكرز على قمة كعكة التتويج المنتظر. وفي الأخير، جوائز الأوسكار ليس لها معنى إن لم تكن احتفالاً مشهوداً بانطوائية الممثل الهوليودي ونرجسيته.

وبينما كنت أود التأكيد على الخطر الذي تشكًله إيزابيل أوبير على فرص حصول ستون على الأوسكار، من دون أن تترشّح حتى لجوائز "SAG"، تظل الممثلة الفرنسية المخضرمة اختياراً ثانياً لأعضاء الأكاديمية، وبمسافة كبيرة عن الممثلة الشابة الأميركية. وكل من يقول خلاف ذلك، فهو يفعل كما تفعل المواقع الإلكترونية التي تحاول بشتى الطرق جذب المستخدمين لفتح روابط مقالاتهم لزيادة "الترافيك". ورغم ذلك، فمن دواعي السرور أن أوبير فازت بـ"غولدن غلوب"، لأنها لو لم تفز بها، لكنا الآن نتحدث عن احتمال فقدان ستون للأوسكار لصالح ناتالي بورتمان ودورها في "جاكي" لبابلو لارين.

أفضل ممثل

سيفوز: كيسي أفليك (مانشستر باي ذي سي)
ربما يفوز: دينزل واشنطن (فينيسيز)
يجب أن يفوز: كيسي أفليك (مانشستر باي ذي سي)

لعلها من أعراض العيش في عصر دونالد ترامب، أن يكون علينا تعويد أنفسنا على التحقق من سلامتنا العقلية بشكل دوري، مقتنعين بأن كل تطور جديد، والطريقة التي نتفاعل معه بها، تمثّل اللحظة التي تدمغ مصيرنا في كتب التاريخ. كيف إذاً يمكننا تفسير سبب التردد الذي يزداد صداه يومياً حول فرص كيسي أفليك في الفوز بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل، فقط لأن دينزل واشنطن تفوّق على أفليك، وفاز قبل أسبوعين بجائزة أفضل ممثل، من نقابة ممثلى الشاشة "SAG"؟

من ناحية ثانية، يبدو سجل كيسي أفليك شبه خالٍ من المديح والاحتفاء النقدي أو الجوائز الكبرى، لكن ذلك لا يعني أن القطار الذي سيصل به إلى أوسكاره الأول قد خرج عن القضبان. فالممثل الشاب فاز لتوه بجائزة الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون "بافتا". وجدير بالذكر أن عضوية نقابة ممثلي الشاشة "SAG"، تملك قدراً من التداخل مع الأكاديمية، وكذلك الأمر مع "بافتا".

وتماماً مثلما يفعل المعلّقون السياسيون المحسوبون على اليسار الأميركي، حين يتعمدون الاستسلام لألاعيب ساسة مخادعين، فقط لأنهم يريدون فعل ذلك تحديداً، كذلك نحن مضطرون قسراً للتكهن بشأن الكيفية التي سيتمكن بها واشنطن من إزاحة أفليك في اللحظات الأخيرة.

لكن يبقى الجدل الأصدق والأكثر واقعية بالطبع، هو المتعلق بادعاءات التحرش الجنسي التي تلاحق أفليك منذ سنوات، والتي تمت تسويتها في 2010، لكنها حتماً لن تبقى بعيدة من مجال الثرثرة في 2017، وقد صار الممثل حديث الجميع بأدائه المتميز في "مانشستر باي ذي سي". تلك المزاعم، إلى جانب إفراط المديح على الأكاديمية في أعقاب التعديلات المستجدة على عضويتها بعد الجدل المثار في العام الماضي بشأن جوائز "الأوسكار البيضاء جداً"، يمكن ظاهرياً أن تضع المصوّتين، وكثير منهم رُحّب بهم في الأكاديمية لتصحيح أخطاء الماضي، في موقف دفاعي حول الكيفية التي سيُنظر بها إلى أصواتهم.

وبوضع المخاوف الفنية والاجتماعية جنباً إلى جنب، نحصل على سيناريو سوداوي ستكون فيه الشخصية التي يؤديها أفليك واقعة في دورة دائمة من اليأس طوال مدة الفيلم، وستصبح حياة الممثل نفسه بمثابة كابوس لا مجال للاستيقاظ منه. إنها النهاية التي لا يريدها أحد.

أفضل فيلم أنيميشن

سيفوز: زوتوبيا
ربما سيفوز: كوبو اند ذي تو سترينغز
يجب أن يفوز: ماي لايف آز كورجيت

قبل عامين، حاولت أن أعثر على إجابة تتعلق بشأن فيلم "ذي ليغو موفي" (لم يترشح للأوسكار حينها) الحائز جائزة "بافتا" بدلاً من "بيغ هيرو 6" (فاز بالأوسكار حينها)، وعما إذا كان فوزه بالجائزة البريطانية يقول شيئاً عن ذائقة "بافتا"، التي وللمصادفة المثيرة للاهتمام لم تُرشّح فيلم "هاو تو تراين يور دراغون 2" للحصول على جائزة أفضل فيلم أنيميشن في ذلك العام (ترشح لجوائز الأوسكار). وقتذاك، وضعت رهاني على الفيلم الأخير للحصول على الأوسكار، وخسرت، لتجاهلي حقيقة نفورالأكاديمية الأميركية من الأفلام المكمّلة والسلاسل الفيلمية ذات الأجزاء.

في هذه الفئة تحديداً، تملك "بافتا" قيمة تنبؤية عالية في تحديد الفيلم الفائز لهذا العام. وحتى الآن، لم يحدث في تاريخ الجائزة أن حصل أي فيلم أنيميشن على الأوسكار من دون الحصول على ترشيح سابق لجائزة "بافتا"، وهذا أمر لا يبشر بالخير لكل من فيلميّ "ذي ريد ترتل" و"ماي لايف آز كورجيت".

لذلك، ماذا يعني فوز فيلم "كوبو آند ذي تو سترينغز" بجائزة "بافتا" على حساب فيلم "زوتوبيا" قبل أسبوع؟ ربما لا يعني شيئاً أكثر من استفادة "كوبو" من انقسام الأصوات، التي وقفت ضد ثلاثة أفلام من إنتاج ديزني الأميركية. كما أنه منذ منتصف العام الماضي، أخبرتنا العصفورة أن الأوسكار ستكون من نصيب "زوتوبيا"، حين أظهر مستخدمو موقع Rotten Tomatoes لتقييم الأفلام قوتهم الضاربة في تحديد قيمة الفيلم من خلال التقييم النهائي الذي يتكوّن من متوسط تقييم النقاد ومتوسط تقييم المشاهدين، حيث أصرّ المشاهدون على إعلاء تقييم الفيلم في مقابل تقييمات غالبية النقاد التي لم تكن جيدة حين عُرض الفيلم في الصالات الأميركية.

هذا النقد يمكنه إخبارك أن جماليات "زوتوبيا" من النوع المألوف والمتملّق، وأن المجاز الذي يقترحه للتنوع الثقافي غير متماسك غالباً، لكن إذا كنت أنت نفسك قد ساهمت في زيادة رصيد الفيلم من شباك التذاكر (حوالى مليار دولار عالمياً)، فهل يمكنك الاستماع إلى مثل هذا النقد؟ في النهاية، هناك تلك الرسالة الكارتونية في الفيلم التي تخبرنا بأن العنصرية شيء سيء، وهذا عنصر مهم من أجل الفوز في أي من الفئات التي لم يترشح فيها "لالا لاند".
 


أفضل فيلم أجنبي

سيفوز: البائع المتجول (إيران)
ربما يفوز: لاند أوف ماين (الدنمارك)
يجب أن يفوز: توني إيردمان (ألمانيا)

لنتخيل هذا: أميركا في 24نيسان/أبريل2017، وقد أصبح دونالد ترامب المغرور والنرجسي رئيساً رسمياً قبل أربعة أيام فقط، وما زال البلد قائماً. مغرور آخر، ولكنه كيبيكي هذه المرة، كزافييه دولان تم تجاهله مرة أخرى في ترشيحات الأوسكار. الفيلم الألماني "توني إيردمان" ضمن القائمة القصيرة لأوسكار أفضل فيلم أجنبي.

أولئك الذين هللوا واختاروا أفلاماً مثل "تسوتسي" و"ذي سيكريت إن ذير آيز"، وإلى حد كبير كل الأفلام الفائزة في هذه الفئة في عقد التسعينيات، كان متوقعاً أن يثير غضبهم اختيار فيلم مثل "توني إيردمان"، الذي يبدو بعيداً نسبياً من الذائقة الهوليوودية (رغم أخبار عن التحضير لإعادة أميركية للفيلم من بطولة جاك نيكلسون)، لدرجة وصف أحد النقاد أعضاء الأكاديمية للفيلم بأنه "ثلاث ساعات من تعذيب المشاهدين". كانت هذه أياماً أسهل وأبسط، قبل ترامب وقبل التباهي باستخدام أساليب التعذيب ومنع أكثر من 250 مليون شخص من دخول الولايات المتحدة، ببساطة لأنهم ولدوا في مكان آخر. بعد أقل من أسبوعين، كانت الأخبار تبشر باقتراب نهاية حلم باراك أوباما في قانون للرعاية الصحية يستفيد منه أكثر من 20 مليون مواطن أميركي.

لكن في الوقت الحالي، هل من الضروري أن يشاهد الأميركيون أفلاماً مثل "لاند أوف ماين" أو "تانّا"؟ الأول فيلم سيء للغاية ومتواضع جداً من الناحية الفنية، أما الثاني فبعيد كل البعد من الذائقة الأميركية، ولا مبرر لوجود الفيلمين في القائمة القصيرة سوى الميل الهوليوودي القديم للأفلام التي تعتمد أحداثها على قصص حقيقية، سواء تاريخية أو إنسانية. لذلك يبدو "البائع المتجول" لأصغر فرهادي، بحساسيته للأمور الطارئة وأجوائه المكهربة والسيطرة المتمهلة على الإيقاع، مرشحاً غير قابل للهزيمة في هذا السباق، إلا إذا رأى المصوّتون، في الفيلم السويدي "رجل يدعى أوف"، وعداً بالخلاص من العبودية في فيلم "أكبر من حدود الشاشة"، وبعبارة أخرى أنه في أحد الأيام قد يجد شخص ما طريقة لتعطيل الرئيس الأميركي المنتخب من المضي قدماً في جنونه العنصري المتغطرس. والفيلم سويدي يحكي قصة رجل عجوز مكتئب يحاول الانتحار بعد وفاة زوجته، لكنه يتعلم تقدير الحياة بتأثير من اقترابه من شخصية مسلمة داكنة البشرة.

اليوم، مع خوف كثيرين، من مواليد الدول السبع الذين حظر ترامب دخولهم إلى الولايات المتحدة، من مغادرة أميركا وعدم القدرة على دخولها مجدداً، ومع إعلان المخرج أصغر فرهادي رفضه حضور حفل توزيع جوائز الأوسكار اعتراضاً على قرار ترامب؛ ليس صعباً التنبؤ بحصول الفيلم الإيراني على الأوسكار، لسبب مبدئي وحيد: توبيخ سياسات الخوف العنصرية للرئيس الأميركي المنتخب. ولو أنني كنت أتمنى بشكل شخصي أن أرى فيلم "هي" لبول فيرهوفن، ضمن قائمة المرشحين، لكنها الأوسكار كما نعلم جميعاً!

في عام آخر، كانت الجائزة لتُمنح لفيلم "لاند أوف ماين"، وهو حكاية أخلاقية مُبسَّطة حول مجموعة من الجنود الألمان الشبان يقعون أسرى حرب في أيدي القوات الدنماركية على الساحل الدنماركي عقب الحرب العالمية الثانية، ويُجبرون على العمل والحفر في منطقة ألغام حتى إنهم يقومون بحفر مليونيّ لغم أرضي بأيديهم، وذلك رغم حقيقة أن المشهد الافتتاحي للفيلم يخرق العادات الهوليوودية المتأصلة بشأن التعامل مع النازيين. لكن حفلة الأوسكار نادراً ما فوّتت الفرصة لتأكيد موقفها، ومنح الأوسكار لفرهادي، الممنوع والمعتذر عن حضور حفل توزيع الجوائز، من شأنه أن يكون وسيلة هوليوود لإضافة صوتها إلى الاحتجاجات المتنامية ضد الإدارة الأميركية، وتأكيداً ذاتياً ومتكرراً على حرية هوليوود التي تتسع للجميع. باختصار، فرهادي سيحصل على الأوسكار للمرة الثانية، لكن هوليوود ستقول كلمتها أيضاً في هذا الفوز.