أين المهزلة في تواقيع الكتب؟!

محمد العزير
الأحد   2017/12/03
معرض الكتاب العربي في البيال ( ريشار سمور)
لفتني في "المدن" مقال للروائي والزميل جورج يرق بعنوان "مهزلة تواقيع الكتب" (الخميس 30/11/2017)، يشكو فيه من ظاهرة تكاثر "حلقات تواقيع الكتب" وفق تعبيره. اللافت في المقال أن الكاتب يستهل عجالته بالتأكيد ان تلك الحلقات وحدها ستبث بعض الدفء في أمسيات معرض الكتاب القائم في بيروت هذه الأيام، قبل أن يحذر من يهمه الأمر من ان تنهال عليه الدعوات المشفوعة بمحاولاتها ان تشعر من لا يلبيها بالذنب، وينبه إلى ان التلبية ستكون على حساب ماله ووقته، والمزيد من الدعوات التي يتذمر من لغة المجاملة المحفوفة بها،
ليخلص الى ان تلك الظاهرة دفعت بعض محترفي الكتابة والعاملين في الكتاب إلى مقاطعة المعرض مكررًا التنبيه من المحاذير المالية للمشاركة والمحاذير المعنوية لعدم المشاركة.

لا يقتصر الأمر على الفكرة الرئيسة للمقال وانما يغطي التفاصيل التوكيدية التي أرادها الكاتب. هناك اولًا خلط غير مبرر بين زائر المعرض العادي وبين كاتب متخصص في مجال الكتب، يكتب في موقع اعلامي رائد، وبالتالي يؤثر في الموضوع. فإذا لم يتلق الصحافي المتخصص سيل الدعوات الى حفلة توقيع الكتاب، من هو الأجدر بدعوات كهذه؟ وما هو العيب بالنسبة إلى روائي ان يكون للكتاب سعر، هل يريد كتبًا مجانية؟ وما الضرر في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لعمل أدبي أو شعري؟ 

الواضح من تفاصيل العلاقة بين دور النشر والكتّاب التي يوردها الكاتب للإضاءة على حفلات توقيع الكتب، أن لديه كروائي تجربة سيئة مع دار نشر أو أكثر، وهذا ما يتأكد من مراجعة مقاله السابق (22/11/2017) حول الموضوع نفسه. كما ان وصفه لمشهدية التوقيع التي يقول فيها حرفيًا عن المؤلف صاحب حفلة التوقيع قبل ان يسجل مأخذًا على من يتضمن برنامج توقيعه الكوكتيل وملحقاته من مشروب وحلوى واطايب متفرقة: "... وفي الموعد، يركن (المؤلف) وراء طاولة، تجاورها طاولة ثانية تعلوها نسخ مهيأة للبيع. ومع كل توقيع واهداء، صورة تذكارية". ما العيب في ذلك؟ هل على المؤلف مثلًا ان يقف على باب معرض الكتاب مناديًا على بضاعته، أم أن عليه ان يقف امام الطاولة أم أن يدل من يشارك في حفلة التوقيع على مكتبة يشتري منها الكتاب؟

يجزم الكاتب ان مناسبات كهذه فارغة من المعنى الثقافي، وهنا ايضًا خلط غير مفهوم بين أمرين ومفارقة؛ الأمر الأول هو ان الهدف الأول والأخير لمعرض الكتاب او أي معرض آخر من عروض الأزياء الى معارض الطيران هو التسويق للمنتج وليس البحث فيه، والآخر ان في معرض الكتاب الكثير من الندوات والنشاطات المليئة بالمعنى الثقافي والتي لم يشر اليها الكاتب. أما المفارقة فهي تأكيد الكاتب مجددًا ان لحفلات التوقيع فائدة واحدة وهي "اجتذاب زوار ما كانوا ليأتوا لولاها". فما السيئ في ذلك؟

كان لا بدّ لمقال من هذا النوع ان يكرر الهمّ المالي في ختامه ليذكرنا يأن "ليس جميع محبّي الكتاب يمتلكون سيارات، أو يقدرون على المجيء في تاكسي". وهذه الجملة الأخيرة من المقال اعادتني الى الجملة الأولى من مقاله السابق الذي يقرّع فيه دور النشر بالقول "النق سياج النعمة". مشكلة المقال لا تقتصر على ما ورد فيه، بل تتعداه الى ما غيبه الكاتب، سهوًا أو عمدًا، وهو ان ثلث العرب أميون، وان انتاج الكتاب في الدول العربية هو من أدني المستويات في العالم كمًا، وان المطلوب تشجيع الإصدارات والتواصل واستخدام وسائل الإتصال الحديثة في عالم يشهد تحولًا شاملًا، ولا وقت فيه لنرجسيات قديمة ونخبويات وابراج عاجية...