جديد شارع بدارو الصاعد.. غاليري للفنانين الجدد

يوسف بزي
الجمعة   2017/12/29
ما عاد التكريس شرطاً للعرض في غاليري يرتاده جمهور الفن
بات شارع بدارو، في بيروت، وجهة جديدة لحياة مدينية نشطة، على نحو ما أصاب أحياء الجميزة ومار مخايل في العقد الأخير. ويبدو من توزع الفضاءات "المدينية" ما بين رأس بيروت والأشرفية وجوارهما، أن "وسط المدينة" (أو "الداون تاون" أو "سوليدير"..) لم ينجح حتى الآن كاقتراح لأن يكون وسطاً أو قلباً للعاصمة، رغم بنيته التحتية المتقنة ورغم شروطه العمرانية وتخطيطاته واستثماراته الكبيرة كي يكون محور النشاط التجاري والثقافي.

أصبح بدارو، الذي يحده مسرح دوار الشمس من ناحية وفندق سمولفيل والمتحف الوطني من ناحية أخرى، واحداً من أكثر أحياء بيروت جاذبية، فمن الكرنفالات الموسمية إلى حيوية السهر الليلي فيه وانتشار مقاهي الرصيف والمطاعم وتمركز فروع مصرفية عدة ومكاتب المحاماة (لقربه من قصر العدل) ومقار الجمعيات الأهلية والمدنية، إضافة إلى التنوع السكاني، الذي يضفي عليه حيوية اجتماعية ويجعل فضاءه رحباً وشبابياً.

وكما حال رأس بيروت والجميزة ومار مخايل، حيث تتمركز معظم غاليريات المعارض الفنية، يبدو أن بدارو مقبل على أن يصير أيضاً نقطة جذب للنشاط الفني، خصوصاً وأن في محيطه تقع كلية الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية (الفرع الثاني)، كما أن الجامعة اليسوعية لا تبعد سوى مئات الأمتار، ويرتاد الشارع معظم الفنانين الشباب..


في منتصف كانون الأول – ديسمبر، تم افتتاح غاليري جديدة باسم "كوب" (Cub) في بدارو (والكلمة الإنكليزية تعني حرفياً "الشبل")، بمبادرة من السيدتين قمر زهر ونتالي عكاوي، اللتين أسستا قبل ذلك "بيروت أرت رذيدنسي" في الجميزة كمقر لاستضافة فنانين محليين وأجانب في ورشات فنية.

"كوب"، الذي تديره ديما أبو فخر مع كريستوفر رزق الله، أُسس بدعم وتمويل من قبل بنك FFA (بيروت – دبي)، ونفذ هندسته جيف مسان (خريج الجامعة اللبنانية)، بعد فوزه بمسابقة تصميم الغاليري شارك فيها طلاب الهندسة من جامعات عدة في لبنان. تقول أبو فخر: "اخترنا بدارو لأنه شارع مفضل لدى الشباب والطلاب وقريب من الجامعات، والأهم أنه أصبح جزءاً من بيئة ثقافية ناشئة". وستكرس الغاليري جهدها لتقديم المواهب الفنية الجديدة. وهي لهذا السبب، أنشأت شبكة تواصل مع الجامعات خصوصاً، بحثاً عن المميزين من خريجي الفنون التشكيلية، لتكون الغاليري فرصة لانطلاقهم في سوق الفن.

تماشياً مع هذا الطابع الشبابي والطلابي، كان افتتاح "كوب" بمعرض جماعي لـ16 من الفنانين الذين ينتمون إلى الرعيلين الأخيرين (مواليد منتصف الثمانينات ومواليد منتصف التسعينات)، ويستمر المعرض حتى منتصف شباط – فبراير المقبل.

عند الدخول إلى الغاليري تطالعنا أعمال نادين قنواتي (مواليد 1984، خريجة الجامعة اللبنانية)، بلوحات قاتمة وتجريدية يطغى عليها السواد والملمس الخشن. هي دوائر وحشية، بحسب تسمية الفنانة، تؤلف فضاء استفزازياً للعين، كأن ثمة احتجاجاً، وصراخاً مكتوماً بصرامة التكوين وتجريديته التامة.

بدورها تقدم ميسم هندي (مواليد 1986، خريجة الجامعة اللبنانية) لوحة بعنوان "انبعاث المادية"، هي عبارة عن رسم تشريحي لقطعة لحم معلقة. تصوير حار وفيزيولوجي، لا يخلو من إيحاء تجريدي رغم "الواقعية المشهدية". قدرة على تمويه ما هو عنيف من خلال التلوين الدافئ والحميم.

لوحة ميريام حاتم (مواليد 1991، خريجة الجامعة اللبنانية) ربما هي الأكثر "جاذبية" للنظر: إمرأة ضخمة الجسم وعارية، وعصبة سوداء تلف عينيها. لوحة مشغولة بتفاصيل الجسم المترهل والسمين، بخلفية لونية هادئة، فلا تنشغل العين إلا بهذا الحضور المبهم أو المسرحي للجسم الأنثوي الحيّ والأمومي. لوحة تكتسب قوة تعبيرية من إيحاء بسيط وغامض: عصبة العينين الموضوعة من دون عنف.

جاك فارتابديان (مواليد 1987، خريج الجامعة اللبنانية) ينحو في عمله إلى تصوير الوقاحة الاسمنتية للبنايات، بحثاً عن "جمالية" شكلية ولونية صاخبة، وتعييناً لقوة الشكل الهندسي الوظيفي للعمارات، وما توحي به من تصاغر لموقع الفرد في الفضاء العام. وهذه موضوعة أثيرة ودارجة عند عدد من الفنانين التشكيليين البيروتيين.

ريان هاشم (مواليد 1996، خريجة الجامعة اللبنانية الأميركية L.A.U) مع عمل "الخيار". لوحة بألوان باردة تجسد على نحو تكبيري حبوب الأدوية الاسطوانية الشكل المألوفة. كتلة الحبوب هذه الباردة والزاهية والنظيفة لا تخلو من إيحاء بالتهديد والقلق. تصوير دقيق ومحايد بلا أي انفعال، ولذا هو مبعث للتوتر المكتوم.


سهام الزين (مواليد 1992، خريجة ألبا والجامعة اللبنانية)، تساهم بأربع لوحات تجريدية، محتشدة بتضارب الحركات والأشكال والفوران اللوني. تجريد نابض بالحيوية المستلهمة من الطبيعة.

كريمة الجيلاتي (مواليد 1995) وتحت عنوان "في العزلة يصبح الكون مرآتك" تقدم سلسلة من أعمالها الفوتوغرافية بالأسود والأبيض. صور تنحو لالتقاط المهمل والمعزول والمنبوذ، الأغراض والأمكنة المنسية، الكائنات المنزوية، المشاهد الباهتة، الحركات الخافتة. طغيان واضح للكآبة والعتمة، لكن باحتفال لما هو هش وعابر وشاعري.

لوحات عديدة لسيلين سيتا رحمة (مواليد 1990، خريجة ألبا)، هي رسوم بألوان مائية لأجواء شبه أدبية وحكائية.

سارا سوب (مواليد 1990، خريجة الجامعة اللبنانية)، تنحو في لوحاتها الثلاث (مواد مختلفة على ورق) إلى التجريد، احتفاء بقوة الألوان وعمقها وعلاقاتها وتجاورها فيما بينها، وبالأشكال المنبثقة من الحدود المرسومة لكل لون واختلافات السطح والملس باختلاف المواد المستعملة.
يعمد طارق حداد (مواليد 1991، خريج جامعة نوتردام اللويزة)، في أعماله الفتوغرافية، إلى تقنية تصوير موضوعاته عبر ورق الكالك، منتقياً موضعاً محدداً حيث الورق يكون ممزقاً ليظهر منه أصل موضوع الصورة أو غرضها. تقنية تحاول مخاتلة العين، وتحاول الحجب في لحظة الكشف. كأن ثمة دعوة للتساؤل حول مغزى التصوير، أو إفساح المجال للمخيلة في لحظة ممارسة النظر والمشاهدة.

إلسن لحود (مواليد 1996، خريج نوتردام اللويزة) يعرض صورتين فوتوغرافيتين: سيارة مرسيدس من طراز السبعينات عابرة على طريق، بالأسود والأبيض. وصورة أخرى ملونة لإمرأة غائصة في حقل. كما لو أن لحود يقدم أكثر من اتجاه تصويري يشغله ويختبره.
يبدو دانيال كريكوريان (مواليد 1996، خريج الجامعة الأميركية) بأعماله الحبرية على الورق مستأنساً بتخطيطاته العارية. الرقة المعتادة والرهافة في المعالجة وإخلاص لتلك الرومانسية في النظر إلى الجسد الأنثوي.

كريستيان سليمان (مواليد 1994، خريج الجامعة اللبنانية وجامعة الكسليك)، يعرض رسوماً على زجاج لثلاثة مشاهد مدينية: الأشرفية، طرابلس، السيوفي. ببراعة بالغة ودقة مليمترية وحساسية مفرطة يرسم كريستيان مشاهده العمرانية هذه، وكأنه يعيد بناءها، لا فقط كصورة خارجية بل من أحشائها وخباياها. مشاهد شفافة رغم احتشادها. وما يبدو تخطيطاً هندسياً محايداً هو أيضاً إعادة نظر في تقنية الرسم وأدواته، بحثاً عن حلول جمالية جديدة. ولربما كان كريستيان سليمان أحد أبرز مفاجآت هذا المعرض.

بالهاجس العمراني والتقني نفسه، يحاول شربل الخوري (مواليد 1993، خريج نوتردام اللويزة)، في عمله الفوتوغرافي أن يقارب موضوع العمران الجديد في بيروت: مبنى حديث مضاء ليلاً. الخدعة تكمن في الجزء الأسفل من الصورة التي أصابها (عمداً) خلل في "البيكسل" ما يشوه الصورة ويشوشها. هاجس تقني قائم على اختبار الفوتوغرافيات الرقمية واحتمالاتها.

بول مرعي (مواليد 1981، خريج الجامعة اللبنانية) لديه لوحة واحدة تجريدية بمواد مختلفة. خطوط حادة وأشكال متراكبة. الفنان هنا يضبط فوضى التكوين مرة بعد مرة، وطبقة إثر طبقة، فارضاً التوازن.

ميشال ضومط (مواليد 1989، خريج الجامعة اللبنانية)، هو أيضاً يستخدم مواد مختلفة على ورق، ويمارس تجريداً قاتماً وسوداوياً، بمساحات رمادية وبيضاء، ودوماً بحركة عشوائية وتلقائية، تمنح اللوحات ديناميكية تتوازن مع التعبير القاتم.

وإذ تدلنا أعمال المعرض على اتجاهات الفنانين الشباب في بيروت، يبدو أن غاية افتتاح غاليري "كوب" متحققة من الخطوة الأولى.. عسى أن لا تتعثر.