سيباستياو سالغادو: كلنا غجر

جوزيف الحاج
الثلاثاء   2017/12/19
بعد رحيل الفرنسي لوسيان كليرغ (1934- 2014)، أول مصوّر يدخل"أكاديمية الفنون الجميلة" الفرنسية، يخلفه اليوم، مصورٌ جديد هو البرازيلي سيباستياو سالغادو (1944)، ليحتل المقعد الرابع لمصورين، مع برونو باربي، جان غومي، يان أرتوس- برتران.

في حفل تنصيبه، منذ أيام، عبّر سالغادو في كلمته عن سعادته بدخول هذا الصرح الثقافي، وعن فخره بأصله البرازيلي، وتطرّق إلى "تلك الصفحة التي سنكتبها معاً نحن المصورين لإحياء الفوتوغرافيا والفن، وإشباع صوابية إلتزاماتنا فنحقق نجاحاتنا".



لم ينس سلفه كليرغ "الذي مهّد الطريق. هو المصور الأول الذي دخل إلى هذا الصرح في 2007، حاملاً معه كل الفوتوغرافيا لتحتل مقاعداً إلى جانب الفنانين والمعماريين...". استعاد أيضاً كلمة كليرغ الأولى في الأكاديمية، التي قيّم فيها الضوء، وذكّر بأصل كلمة "فوتو- غرافيا"، أو "الكتابة بالضوء". "هي الفن الأقدم في العالم، لأن الإنفجار الكبير (بيغ بانغ) أثناء خلق الكون كان كناية عن ومضة الضوء الأولى للخالق، قال كليرغ الذي أصبح تقليداً موروثاً لكل وافد جديد إلى الأكاديمية...".

كان كليرغ قد أسرّ إلى سالغادو برغبته في أن يكون هو خلفاً له، فأجابه: "إن صخرة مثلك لا يمكن أن تزول من الوجود". تابع سالغادو: "لم أترشّح للمنصب لو لم أتلق منه يوماً رسالة تعبّر عن رغبته هذه. من المستحيل أن ننوب عن أمثاله، عن ثقافة غنية، عن صداقات مع بيكاسو، مانيتاس دي بلاتا، سان جون بيرس، إليوار، بوليز، بارت، كوكتو. لا نقوم مقام مصوّر وشاعر وموسيقي وسينمائي مثل كليرغ الذي خلّف وراءه أكثر من 80 كتاباً، ومهرجاناً عالمياً شارك في تأسيسه (لقاءات آرل). إننا نرث فقط ما تركه في الفوتوغرافيا والفن".

يستعيد البرازيلي صور كليرغ ابن العشر سنوات، التي تُظهر خراب مدينته آرل أثناء الحرب الثانية. "ألهم الموت ذاك الولد الحزين الذي لعب وسط الأطلال والحيوانت النافقة، رفد عوالمه الذاتية، وأثّر عميقاً في نفس صديقه بيكاسو، كما ذكر الأديب الفرنسي ميشال تورنييه".

من خلال كليرغ، يعود سالغادو إلى ذاته: "النور لغة المصور. كليرغ مثلي يعشق الأسود والأبيض، تنويعاتهما أغنى من كل الألوان. في البرازيل أدركتُ أن أشعة الضوء المخترقة للسحب تشير إلى المكان الذي سننتهي فيه. كل ما شاهدته في تلك الأيام أثناء عملي مع والدي في تربية الماشية شكّل جزءاً من تكويني. حملته معي إلى المنفى هرباً من الديكتاتور. الضوء في الصور مصدره الذات، يخزنه كل مصوّر في أعماقه".

أسهب في وصف الضوء لدى كليرغ الذي فضّل الطبيعي منه، ونفر من التقنيات التزينية "الصورة حكاية المصور، أمكنته، عوالمه الحميمة. ذهبتُ نحوه، كان هناك. شمس آرل تتوهج في صوره، حتى ولو إلتقطت في مكان آخر من العالم. صفاء، جمال وشاعرية توارثتها عنه أجيال المصورين".

"يعيش المصور في قلب العالم. عملت في الصحافة بينما كان كليرغ يعتبر نفسه فناناً، كان أقرب إلى الرسامين والموسيقيين والسينمائيين والأدباء المحيطين به. رغم ذلك، تمتلئ صور غجرك أصالة وحقيقة وجمالاً، كل صورك هي شهادات عن الحياة، وبالتالي تحقيقات صحافية.  أنتَ صحافي وأكثر، رغماً عنك. تتجاوز كل التصنيفات التي صنعت منّا صحافيين ملتزمين بالصورة الإجتماعية والوثائقية"...



واستعرض سالغادو بعضاً من سيرته المهنية: "منذ سنوات وأنا أصوّر الرعب والجروح الإنسانية. كانت مهمتي أن أشهد بالصور، آملاً دفع الآخرين للعمل من أجل مصير فقراء العالم. صورت وكتبت عن الهجرات وعمال المناجم، ومجازر رواندا. لسنوات طويلة صوّرتُ والموت والطفولة. في الرأس والعينين الكثير من الخوف. اكتسحني عنف صوري، لدرجة لم تبقي فيّ رغبة في معاودة التصوير. لفّتني ظلمة حالكة، لكنني، وبفضل زوجتي، تمكنتُ من إسترجاع كاميرتي ومعاودة أسفاري الطويلة لتصوير الحياة هذه المرّة، والناس في وئامهم مع الطبيعة". وختم سالغادو: "مهنتنا مميزة، تتيح لنا فرص المشاهدة والإطلاع، الترحال والعودة. نحن رحّالة. نحن مثلك، كلنا غجر".