عن فشل الفرق اللبنانية

حسن الساحلي
الإثنين   2017/12/11
إن عدم وجود هوية فريدة للفرق الموسيقية، يقلل من حظوظها بالمشاركة
قال بيتر هفالكوف، منظم مهرجان روسكيلد الدنماركي، ضمن المناقشة التي التي أجراها "بيروت أند بيوند" يوم السبت 9 كانون الأول 2017 (دار النمر)، أن عدم وجود هوية فريدة للفرق الموسيقية، يقلل من حظوظها بالمشاركة في مهرجانات وجولات عالمية. فما فائدة الإتيان بفرقة إيندي روك من مكان بعيد، إن كان بالإمكان الوصول إلى عشرات الفرق المشابهة في أي مكان في العالم؟

كلام هفالكوف كان موجهاً لأحد أعضاء فرقة "بوستكاردز"، التي تعتبر من أفضل الفرق العاملة اليوم على الساحة اللبنانية، لكن غير القادرة على الخروج من لبنان تحديداً لنفس السبب الذي يشير إليه هفالكوف، خاصة أن هناك مثال آخر يؤدي تحديداً نفس "النوع الموسيقي" لكنه يغني باللغة العربية، وهو فرقة مشروع ليلى التي تقدم نموذجاً واضحاً عن مفهوم الهوية التي يفترض بالفرقة أن تطورها للخروج من لبنان.

لا يمكن فصل هذه المشكلة عن المتداول في لبنان والعالم العربي عن "الأكثر جودة" فنياً أو ما يسمى "بديلاً فنياً"، يرى في الغربي مهما يكن، أعلى جودة من السائد، ومكتسب للشرعية تلقائياً، وهو مفهوم يضع الفرق اللبنانية "البديلة" في خانة الخارجة عن الموضوع أو ببساطة "اللا خانة"، وهي المعضلة التي تقع فيها "بوستكاردز" على أي حال.

الحل لهذه المعضلة هو واحد من ثلاثة خيارات: العمل على أنماط بديلة فعلاً عن السائد غربياً، تكون أقرب إلى "موسيقى الفن المعاصر" أو الموسيقى المتحفية والتجريبية التي يعمل عليها فعلياً موسيقيون لبنانيون (موسيقيو مهرجان "إرتجال" على سبيل المثال)، أو التفكير جدياً بالإنتقال مكانياً إلى سياق أكثر تناسباً مع ما يُقدم وقد أثبت هذا الحل نجاحه مع عدد من الفرق التي انتقلت للعيش في الغرب (يمكن دبي أيضاً)، وآخرها "هو كيلد بروسلي" التي انتقلت إلى ألمانيا.

أو اختيار العمل على أنماط متناسبة مع مهرجانات "موسيقى العالم" والموسيقات الإثنية، والمهرجانات المدعومة من مؤسسات غير حكومية وجمعيات تروج للسلام والدفاع عن حقوق اللاجئين، وهذا خيار مستبعد لبنانياً، خاصة أن فرق "موسيقى العالم" مطالبة يوماً بعد يوم بتقديم مادة معاصرة تدفع بتراث بلادها إلى أمكنة جديدة (هذا ما تشدد عليه منظمة مهرجان Oslo World)، وهو ما لم يحصل في لبنان حتى اليوم.

طبعاً الخيارات الثلاثة بعيدة عن الواقع، والحل هو في تقديم بعض التنازلات، بما أننا متفقون أن الفرق اللبنانية في تقديمها لمادة مماثلة للسائد عالمياً، لن تضيف شيئاً أو "تخترع الذرة" كما يقال في الدارج، ولن تقدم مادة فريدة من نوعها تثير دهشة العالم (مع الإعتراف أن تقديم ما يدهش على مستوى العالم بأجمعه أصبح مهمة شبه مستحيلة اليوم). التنازل الأول هو مواجهة السؤال التالي: لماذا نتكلم بالعربية مع بعضنا البعض، لكن عندما نريد الغناء نقوم بذلك بالإنكليزية؟ ألم نتخط تلك العقبة منذ 100 عام عندما توقف الكثير من المغنين اللبنانيين عن الغناء باللهجة المصرية؟

منذ أن بدأت الكتابة عن الموسيقى في بيروت، لم أسمع انتقادات لفرقة موسيقية بقدر ما سمعت انتقادات موجهة لفرقة مشروع ليلى، التي تعتبر من الفرق القليلة التي استطاعت تخطي أزمة اللغة وفقدان الهوية الغنائية. طبعاً هي انتقادات تدل على عمق الأزمة التي يعيشها هذا المجال، في توجيهه سهام النقد إلى نموذج ناجح، خاصة أنها تأتي من عاملين على أنماط غربية وشرقية، أثبتوا فشلهم على جميع المستويات. القسم الأول من هؤلاء يقلل من القيمة الفنية للموسيقى والغناء، وهو كما ذكرنا قسم لم يأت بأي جديد وأقل ما يقال عنه أنه يحاول تقليد بعض الفرق العالمية بطريقة مبتذلة، وبأنه فاقد للهوية، وهذه يمكن أن تكون شتيمة لغير اللبنانيين.

أما القسم الثاني فينتقد طريقة نطق حامد سنو ولهجته، وهو قسم يركز كل نقده على تخلف اللبنانيين عن اللغة العربية، عوضاً عن التساؤل حول تخلف اللغة العربية المتداولة في الغناء، عن اللبنانيين أنفسهم، طبعاً إن لم نتكلم عن تخلف اللغة الموسيقية التي لم تتطور قيد أنملة منذ نصف قرن.