"رجاءً، ممنوع التصوير" في غرفة نصري الصايغ

روجيه عوطة
الأربعاء   2017/11/29
هناك، غرفة الصايغ بفرطها الصوري، وهناك مهملاتها المتجمدة وراء الزجاج
قد يكون سبيل الدخول إلى معرض نصري الصايغ (المركز الثقافي الفرنسي- حتى 2 ديسمبر) هو إحالته البصرية إلى المسلك الذي يعتمده المراهق عند تكوينه لمساحته في المنزل. إذ إنه يمضي إلى جمع الصور، وتعليقها على جدران غرفته، لتشكل بالظاهر فيها، أو عليها، من مشاهد وأشخاص، عالمه، حيث يتصل بنفسه، ويؤلف ذاته. 

وبما أن الصايغ في بداية مشواره التصويري، الذي لا يزال يتعرف على طرقه، ساعياً إلى الحضور فيه، ها هو يقدم على ذلك المسلك بالتحديد، مزيناً إحدى زوايا الصالة بصور متنوعة، كان قد التقطها، أو تفرج عليها. فيضع الصور فوق بعضها البعض، يلصقها ببعضها البعض، يجعلها تتجاور، ويجعلها تتشابك، حتى إنها، وفي مجمل إخراجها على الجدارين، تبدو من إنتاج خدمة من خدمات الهاتف الذكي، الـ"آيفون" على وجه الدقة، الذي يقدم "لوحة" لمحتوى ألبومه العام، وهي تحتوي كل الصور في صورة واحدة.

بالتالي، وعلى نحو المسلك المراهق إياه، يصنع الصايغ غرفته في المنزل، وطبعاً، المنزل، هنا، هو كل الفضاءات الفعلية والإفتراضية، التي يمكث فيها، ويتنقل بينها. ومن سمات مجموعها، أنه مليء بالصور، كثيف بها، أو لنقل أنه صوري بامتياز. ففي المنزل الصوري، يحاول الصايغ أن يجد حيزه، ومن هذا المنزل، يأخذ صوره، أي يختارها على أساس عيني، متعلق بعينه، ومن ثم يطلق موقفه، وهو عنوان المعرض: "الرجاء ممنوع التصوير". لماذا؟ لأن هذه غرفته، وأي أحد يدنو منها، من المرجح أن يلتقط لها صورة، لا سيما أنه فرد من أفراد المنزل الصوري، يعني أنه، بدايةً، يحمل كاميرا، و"موصول" بتطبيق أو موقع، كـ"إنستغرام" أو "فايسبوك" أو "سناب شات"، وغيرهم، وفي النتيجة، يتعدى حدوده إليها، ويلخبطها، وبعبارة أخرى، يقتحمها، ويعطل علة تصميمها، أي أن تكون دنيا الصايغ، ودنياه وحده. وهكذا، دنياه هي الدنيا التي تنظر إلى كل شخص في إزائها على أنه مؤهل للإطاحة بها، وهكذا، أيضاً، نصير، نحن ثلة زوارها، بما هي معرض، رهطاً من المتطفلين المحتملين عليها، ولكي، لا نتحول إلى متطفلين فعليين، ما علينا أن نصورها بتاتاً.

على أن غرفة الصايغ، أو دنياه، وصحيح أن موقعها محدد بجدارين، أو بزاوية جدارية، إلا أنها تتمدد بصورها. لذلك، تظهر أنها لم تخط حدودها بعد. فلكي تفعل ذلك، وتنجح فيه، لا مناص لقاطنها، أو صانعها، من الإنتقال من مرحلة تجميع الإنتاج إلى مرحلة إختزاله، ومن مرحلة إختزاله إلى مرحلة أخرى، وعادةً، هي مرحلة قاسية، واستفهامها هو: "هل فعلاً أريد أن أغدو مصوراً؟ كيف؟ لماذا؟ بأي مسار؟ أين؟". فالصايغ هو مؤلف صور، ومجمع لها، وهو يقول ذلك، يقول: "أنا لست مصورا"، حسناً، لكن، ماذا عن اللاحق؟

في كل الأحوال، ولأن غرفة الصايغ متمددة، ولم تنجر حدودها، ولأن المشهد الكلي الذي تقدمه هو مشهد "آيفوني"، فالطريقة الوحيدة لتصويرها هو "السكرين شوت"، بحيث تحول كل الصور إلى صورة واحدة. ولتجنب هذه الطريقة، وقبلها، تجنب فرط الصور المعلقة، يستند الواقف في الغرفة إلى طريقة أخرى، وهي التأطير العيني لكل صورة على حدة. يقترب من كل صورة، ويحدق فيها، قبل أن ينتقل إلى غيرها. هذا، ما يساعده فيه الصايغ، الذي يقدم له تلك الصور بالمفرق، وكل صورة داخل مغلف ألبومي، أي أنه يفصلها عن مجملها، عن دنياه، ويعطيه إياها: رجاء ممنوع التصوير، فإمكانكم الحصول على كل هذه الصور، ليس في صورة واحدة، كما أفعل حين أشكلها "آيفونياً"، بل بشكل آخر!

على جدار ثالث في الصالة، يعلق الصايغ لوحتين، الأولى، تحوي هوامش مقصوصة من شرائط الأفلام الفوتوغرافية والفيديوية، والثانية، هوامش مقصوصة من الأوراق التي جرت طباعة الصور عليها. يحول الصايغ مهملات التصوير، وبإستخدام بسيط لها، إلى لوحتين،  لكن، هذا الفعل، ومع أنه يبغي، وبتقليد فني، إعطاء معنى للمتروك، للمنفي، غير أنه لا يوفر له سوى كادر، حيث يظهر محتجزاً، ولا يمكنه الإنصراف منه.

من جهة، هناك، غرفة الصايغ بفرطها الصوري، ومن جهة أخرى، هناك مهملاتها المتجمدة وراء الزجاج، وبينهما، هناك الصور بالمفرق في المغلفات الألبومية. العلاقة بين الجهات الثلاثة محكمة: طالما أن صور الغرفة تتكاثر، فمهملاتها تتزايد، لكن، لا خوف منها، طالما أنها موضوعة في كادر، وطالما أن الزوار قد يتطفلون على الغرفة، في حين أن تصويرها ممنوع، من الممكن إعطائهم الصور على حدة. كل شيء منظم، وكل شي مضبوط، غير أن هذا لا يلغي المسألة الأساس للمعرض، وهي أن التصوير ليس ممنوعاً، بل محققاً من قبل، أي أن الصايغ قدم غرفته كصورة واحدة، وممنوع إلتقاطها بـ"سكرين شوت"، التي، في الأصل، ليست متاحةً سوى له. إنه فعلاً غرفته، التي لم يكن من الضروري الإستعجال في فتح أبوابها للزوار، ما دامت لا تزال مغلقة.