زياد بن رمضان.. يرسم غرب الحياة المنسي

جوزيف الحاج
الإثنين   2017/10/30
في صور بن رمضان مكان منسي، لا تراه العيون وربما تتغاضى عن النظر إليه.
يشارك التونسي زياد بن رمضان (1981)، في عمله الفوتوغرافي "غرب الحياة"، مجموعة من الفنانين في عرض تقدمه غاليري "مارك هاشم"- باريس، عنوانه "لماذا على العرب أن يتكلموا؟" يبدأ في الأول من تشرين الثاني 2017.

لم يصوّر بن رمضان لحظات إستثنائية، بل إعتيادية تبدو غير مألوفة مقارنة مع حياتنا. بدأ بن رمضان مصور إعلانات قبل أن ينتقل إلى التوثيق والصحافة. تعددت معارضه العالمية: لقاءات آرل الدولية - 2013؛ الهند؛ الولايات المتحدة؛ دبي... نال جوائز عديدة منها جائزة "مهرجان الصورة الأفريقي" (2014). صوّر أعمالاً سينمائية عن الربيع التونسي، وشارك في مشروع لـ"وورلد برس فوتو" عن رصد التحولات. 

استكشف مناطق تونسية مهملة، صور ِتيه وانتظار وعزلة الشباب العاطل عن العمل. بالأسود والأبيض، حقق آخر ثلاثة ريبورتاجات له. "أحاول التقليل من أهمية التقنيات والمعدات لأركّز على مواضيعي، وأن أكون أكثر بساطة ومباشرة. لا أعطي لصوري عناوين بل تعليقات ونصوص." يقول.

درس الإقتصاد. التصوير شغف لم يتعلمه في معهد. انتسب إلى نوادي التصوير حيث تعرّف على بعض المحترفين. افتتح استوديو خاص به قبل أن ينصرف إلى تصوير مواضيعه الشخصية. تعاون مع مؤسسات عالمية معروفة، مثل "ماغنوم" و"آفاق" ليحقق "غرب الحياة". يقول عن مشروع "وورلد برس فوتو" في تونس ومصر والمغرب وبلدان عربية أخرى لتصوير مراحل ما بعد الثورات: "المشروع تجربة فريدة من نوعها لكون الفوتوغرافيا ممارسة فردية، تليها مقارنة العمل بأعمال أخرى. النقاشات والعروض تدفع إلى التساؤلات". 
في صور بن رمضان التي تعرّف إليها العالم بعد نشر تحقيقه "غرب الحياة" في الصحافة الأميركية، مكان منسي، لا تراه العيون وربما تتغاضى عن النظر إليه. 
 

يهتم بن رمضان بالجانب الإنساني وهذا ما برهنته مواضيعه الأخرى: "تطاوين" وخصوصاً "أطفال القمر" الذي رصد فيه تداعيات مرض وراثي وأسبابه وإرتفاع نسبة المصابين به. 
في منطقة تونسية غريبة يعرفها بن رمضان جيداً تجول فيها، مستكشفاً التلال، تلال أم العرايس، والندوب الناتجة عن مناجم المنطقة، الظاهرة على السكان وعلى الأرض. عكست صوره جراحاً تركها بؤس العيش على الوجوه المعبّرة. صور شهدت على قساوة المكان التي لمسها بن رمضان من خلال مزاج الناس وتحسسه لمعاناتهم.

تتميز صوره بأضوائها المتوهجة التي تؤدي دوراً أساسياً في أعماله. تدرجات الرمادي، وخطوط منظور تزيد الصور ثباتاً وعمقاً، تأسر المشاهد في إمتدادها على بياض الصورة.
"غرب الحياة" عن منطقة نائية غنية بثرواتها الطبيعية التي تُستخرج منذ أزمنة غابرة، غير أن سكان قراها الأصليين أو الوافدين إليها من دول الجوار للعمل في مناجمها يعيشون على هامش الحاضر، يعانون الفقر والتلوث. إنقساماتهم العرقية، وحياتهم فوق أرضها التي تزداد تصحراً، أدت إلى تنافر شديد بينهم وبين الطبيعة. "هذه هي شهادتي عن قساوة هذا المكان الذي أتمنى له الإستقرار وأكن إليه مودة عميقة" يقول بن رمضان.
إلى موهبته المؤكدة، براعة في طريقة نشر صوره عبر وسائل التواصل الإجتماعي بعيداً عن أقنية وكالات الصورة.
تشهد تونس نهضة فوتوغرافية، مع أنشطة للصورة أبرزها مهرجان "غار الملح" الذي جمع مصورين محليين وأجانب، لكنه لم يستمر بسبب غياب الدعم. يعتبر المغرب العربي وشمال أفريقيا أرضاً خاماً للفوتوغرافيا. زياد بن رمضان من الأسماء المعاصرة الشابة التي تعيد النظر في الممارسات المرئية التوثيقية. إن محاولة تقليدية لرسم خريطة للممارسة الفوتوغرافية هناك قد يؤدي إلى ما لا نتوقعه. سيكون لدينا فقط رسم بياني مبهم: طرق متشابكة، مناظر طبيعية هجينة، وبعض التجارب المتفرقة التي تستحق المتابعة. أن أي تصنيف أو مقاربة ثقافية تقليدية لهذه المنطقة تؤدي حتماً إلى قوالب نمطية من الموروثات الفكرية الإستعمارية أو الإستشراقية الحداثية التي لا تزال تغذي العديد من التجارب الفنية. "الفوتوغرافيا غير قابلة للتصنيف" قال رولان بارت.