بلند الحيدري... غواية "المظلومية الكردية" وأوهامها

محمد حجيري
السبت   2017/10/28
انتشر شعره في الأوساط العربية واليسارية والتجديدية
في مقال كتبه الصحافي علي عطا، في جريدة "الحياة" عنوانه "كردية بلند الحيدري حرَمته من ريادة الشعر العربي الحديث؟"، وهو عن كتاب "ضلع المثلث... بلند الحيدري والريادة المفقودة"؛ للناقدة الكويتية تهاني فجر، جوهره عن "أحقية" الحيدري بالريادة باعتباره أصدر أول دواوينه "خفقة الطين" عام 1946؛ ومن ثم تتساءل الناقدة: "كيف تجاهل النقاد ريادة الحيدري للشعر الحر ونسبوها إلى نازك الملائكة التي نشرت قصيدتها "كوليرا" في بيروت سنة 1947".

من دون شك، هذه القضية فيها من المعمعة والالتباس ما يكفي، وأُتلف كمٌ من الحبر حول الريادي الأول، والريادي السباق، وتخطت القضية الأشخاص إلى المدن والبلدان، بيروت أم بغداد؟ لبنان أم مصر؟ وتذكرنا بالجدل حول من كتب أول رواية عربية، هل هو(هي) محمد حسين هيكل، أم زينب فواز أم فرنسيس المراش أم خليل الخوري؟ وتذكرنا أيضاً بالجدل حول من أطلق قصيدة النثر العربية (أدونيس، أنسي الحاج...). كتب الكثير من الكتب والمقالات حول هذه المواضيع، وقيل الكثير من الاستنتاجات، وكل كاتب يحاول أن يدحض ما كتبه أسلافه أو يساجلهم على الأقل، ربما يكون الكاتب العراقي نجم عبد الكريم "سبق أن أجاب عن تساؤلات تهاني فجر، إذ اعتبر ان حركة التجديد التي قادها الرباعي الشهير(نازك)، (بدر)، (البياتي).. وبلند الحيدري... وتلك المعارك التي مازالت محتدمة حتى يومنا هذا كأنها تورث بعضها بعضاً، لدرجة أن السجال فيها لم يزل عاصفاً، ولم يهدأ بعد في الوصول إلى إجابات حول ذلك السؤال الممل: لمن كان السبق في تيار أولئك الأربعة؟! الذي تصادف أنهم جميعاً ولدوا عام 1926 – هناك من يتحمس لدرجة الدفاع المستميت بإعطاء الأولوية لبدر شاكر السياب!!
وترد نازك الملائكة في أكثر من بحث ومقال بأنها هي الأولى بالريادة من غيرها إذ أن ديوانها قد صدر قبلهم جميعاً..
وكذلك سار البياتي على المنوال نفسه في ذلك السجال.
 أما الشاعر بلند الحيدري فلم يعر أمر الأولوية التفاتاً، ولم يشارك في المعارك الجانبية، وآثر أن يكتب شعراً.. وديواناً تلو الديوان ليثري حياتنا بالشعر".
على أن القضية الأخرى التي تثيرها تهاني فجر، فيها الكثير من المبالغة، من خلال القول ان مجموعة من النقاد "سقطوا في خطأ فادح، إذ اعتبروا بلند من الجيل الذي تلى جيل الرواد ومنهم علي جعفر العلاق ومحمود فاخوري، وعزا البعض تجهيل دور بلند الريادي بسبب كرديته التي وقفت حاجزاً بمنع الاعتراف بأسبقيته". ثمة شيء من الاستسهال في هذا التوصيف أو الاستنتاج، وان كان يتضمن "غواية ثقافية" ومحاولة للعب على وتر المظلومية الأقلوية، من خلال الحديث عن كردية بلند. لا نعرف ان كانت الناقدة انتبهت أو تأملت في أن قلّة من القراء العرب يعرفون أن بلند(اسمه يعني "الشامخ" باللغة الكردية) من أصل كردي، والمتابع لمسيرته لا يلاحظ ان كرديته كانت مشكلة، وهو كتب بالكردية وأشتهر أكثر بالعربية، وإذا كان لديه مشكلة مع بعض النقاد فلا يجوز اقحامها في القضايا العرقية والإثنية.

من دون شك مارست بعض الأنظمة القومية العربية(البعثية السورية والعراقية تحديدا)، سطوتها على الثقافة الكردية واللغة الكردية، ولكن بلند الحيدري قُمع كشاعر قبل أن يكون كردياً، ذهب الى المنفى وانتقل بين أكثر من عاصمة عربية وغربية، انتشر شعره في الأوساط العربية واليسارية والتجديدية، ولا أحد يستطيع نكران ذلك. تروي دلال المفتي، زوجة بلند الحيدري عن حضوره ومحبيه "في كل الأقطار العربية، وحين كانت تقام المهرجانات الثقافية والشعرية، كان يدعى إليها، فسافر الى مصر والمغرب والسعودية والأردن واليمن وتونس ولبنان". وتتذكر يوم  وصولهما الى بيروت "كان الجو ماطرا رغم أننا كنا في فصل الصيف، نزلنا في فندق "البريستول" الكبير، بعدها عمل بلند مصححا في إحدى الصحف اللبنانية لمدة شهرين لم يدفع له خلالها، الى أن عمل في ثانوية "برمانا" مدرساً للعربية ثم مديرا لها في ما بعد. لقد احتضنه الأدباء حال وصوله مثل عمر أبو ريشة وأحمد أبو سعد وعلي شلق وفؤاد الخشن وأدونيس".

من يعتبر أن كردية الحيدري مشكلة أمام تبني ريادته، ربما لا يتابع أن مجموعة لا بأس بها من الكتاب والشعراء الأكراد، حضورهم يفوق حضور الكتاب العرب في الثقاقة العربية. كثيرون يعرفون ان الشاعر المصري أحمد شوقي، الملقب بـ"امير الشعراء" من أصول كردية، الأمر نفسه مع الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي، والشاعر والباحث معروف الرصافي (والده كردي)، والكاتب أحمد تيمور، والباحث محمد كرد علي، وفي الزمن الراهن ما زال الشاعر سليم بركات "الكردي"، يتحدى الكتاب والشعراء العرب بلغته العربية الخلاقة، ولا احد يمكنه نكران حضوره الثقافي.