"وقت قليل" لربيع مروة: وجبة جاهزة من قائمة بائتة

روجيه عوطة
الثلاثاء   2017/10/17
"ملعقة" مروة، ولكي تظن أن وَجبتها المسرحية مختلفة عن سابقاتها، تزيد عليها صَلصَة ومُنكِّهات
"بالملعقة".. قالت إحدى المتفرجات عن دوران مسرحية "وقت قليل" لربيع مروة ، التي تُعرض ضمن فعاليات "بينالي الشارقة" في "فصله الثاني". و"بالملعقة"، لا تعني فقط التلقين البطيء، الذي، على أساسه، شرعت لينا مجدلاني تسرد قصة ديب الأسمر المتخيلة، بل تعني أيضاً أن مقدارالإبداع الفني فيها ضئيل. أو بعبارة غذائية قد نقول "لايت"، ما دام "البينالي 13" يتطرق في بيروت إلى شؤون الطبخ. كما أن هذه "المعلقة" لم تقدِّم محتواها للجمهور إلا بعدما جلبته من قائمة موضوعات الفنان المتقادمة والمكررة، حتى بدت فترة صلاحية هذا المحتوى شبه منتهية، لولا إعادة تدويره الشكلي والبصري.

غرفت "الملعقة" من تلك القائمة، وسحبت منها مادة الشهيد، ميتاً وحيّاً، ومادة جثته، ومادة الإحتفال البلدي به، ومادة قضاياه ونقضها، ومادة مكانه ومكانته، ومادة تبدلاته وتقلباته السياسية والطائفية وغيرها. ولم تكتفِ "الملعقة" بالغرف والسحب، بل مزجت هذه المواد بعضها ببعض في قالب تأريخي وحكائي، كاد في بعض الأحيان أن يتحول خلطه إلى خطل بائن. وبعد ذلك، قدمته الملعقة كسردية كبرى، وأضافت إليه سردية صغرى تتألف من صُور مجدلاني، التي كانت، بدورها جامعة بين السرديتين: تقص الأولى، وتذيب الثانية. إذ إن سردية ديب الأسمر، وعلى إثر نطق مجدلاني بها، كانت تمحو سرديتها. ولما أنجزت ذلك بالكامل، تغيرت إليه واختفت. فسردية الشهادة حرقت سردية الممثلة، الراوية، وقبلهما الفنانة، طغت عليها، وبهذا، كانت مقالب ديب الأسمر تزيل صور مجدلاني.



الحصيلة، هنا، أي طمس السردية الكبرى للصغرى، هي مادة من مواد القائمة أيضاً. لكن "ملعقة" مروة إياها، ولكي تظن أن وجبتها المسرحية مختلفة عن وجباتها الماضية، تزيد عليها نوعاً من الصلصة ومُنكِّهات.

تتكون الصلصة من تابل العبث، الذي يغزو قصة ديب الأسمر من بدايتها، إلى نهايتها المتطابقة معها. إذ إن سرديته الكبرى، ومع أنها تسحق راويتها، لا تفضي في مطافها الأخير إلا إلى الهباء. فُقد بطلها، شيّعه وطنه شهيداً، رجع إلى الحياة، أضحى أسيراً محرراً، كان صاحب تمثال، ثم غدا خاسراً له وباحثاً عنه وصانعاً له. وكان مسروراً بمنزلته، ثم غاضباً بفعل انهيارها. ومن بعد ذلك، صار مجنوناً، ومعتقلاً، وزوجاً، وممانعاً وعضواً في "حزب الله"، قبل أن يعود إلى وضعه الأساس، أي المفقود.. إنها السردية، التي، ورغم حوادثها وآثارها في صُور روايتها، لم تؤد سوى إلى السدى.

وفوق الصلصة، أو معها، تلقي "الملعقة" مُنكِّهَها. وهو أيضاً من المُنكّهات الحاضرة في قائمة مروة على الدوام، أي السخرية. غير أن المُنكّه هذه المرة، لم يطاول السردية الكبرى بمعزل عن مخرجها. بل إنه، وبـ"ملعقته"، جعله يطاوله أيضاً. بجملة أخرى، لم يسخر مروة من سردية الإستشهاد على نحو عبثي، يبيّن تعثرها وتشتتها، فضلاً عن مبالغتها ووهمها. بل سخر من الفن الذي يعود إلى هذه السردية، معيناً "مسافة نقدية" منها أيضاً. وبذلك، سخر مروة من عمله، ومن وجهته، كما لو أنه يعلن أن قائمته، التي واظب على الطبخ الفني بالإستناد إليها، بدأن تتآكل، تلتهم ذاتها، كلاماً وموضوعةً، بعدما اجترتها مطولاً.

سكبت "الملعقة" أكلَتَها، فتناولها الجمهور في وقت قصير. وشعر بأنها الوجبة إياها، التي لم يتوقف مروة عن تقديمها له. إنها طبخة الفنان نفسها، حتى لو أنه في هذه المسرحية، جعلها، وبفعل الخفق والمزج، وجبة جاهزة، وسريعة، و"حِسائية" كثيراً. وهو إذا التزم تحضيرها بالإرتكاز إلى قائمتها، مكتفياً بـ"إعادة تدويرها" شكلياً وبصرياً، ستغدو بمثابة Junk food. ولعل الإفراط في الصلصة والمُنكِّه، أول بوادر ذلك.


(*) تعرض اليوم الثلاثاء، في مسرح دوار الشمس - الطيونة، الساعة التاسعة والنصف مساءً.