نجاة.. بأية حال عُدتِ يا نجاة!

أحمد شوقي علي
الثلاثاء   2017/01/03
تكرار الاستماع إلى أغنيتها الجديدة قد يصيب المستمع بالنعاس
بالأمس عادت "نجاة".
ومثل زمن الجملة السابقة، بدت عودتها ظرفًا ماضاويًا. فلم تكشف أغنيتها الجديدة "كل الكلام"، التي بُثت أمس، شيئًا غير أن "قيثارة السماء" لم تبرح الماضي قط.

الأغنية التي بثتها شركة "مزيكا" المصرية حصريًا، عبر قناتها في "يوتيوب"، لم تقفز إلى الساحة فجأة، بل سبقتها معلومات عن اقتراب عودة نجاة التي أعلنت اعتزالها الغناء العام 2002، فيما أصدر منفذوها بيانًا إعلاميًا قبل طرحها بفترة وجيزة، أوضحوا خلاله الجهد الذي بذلوه لإخراج الأغنية، التي استغرق تسجيلها عامًا، تنقلوا خلاله بين استديوهات مصر وفرنسا واليونان، بالإضافة إلى الفيديو التشويقي الذي بثته "مزيكا" وظهر فيه صوت نجاة تغني المفردات الثلاث الأولى من كلمات الأغنية، لكن هذا التشويق كله بدا مناقضًا بشكل كبير للحال المتواضعة التي بدا عليها منتجهم النهائي بعد عرضه.

وتكمن مشكلة الأغنية الرئيسة، في أن صناع الأغنية أنفسهم، نسوا ما قدمته نجاة قبل اعتزالها، واستقر في وجدانهم أنهم مندوبون لمهمة جليلة، وهي استعادة قيمة "الزمن الجميل"، الذي تمثل نجاة أحد رموزه، وهو الزمن الذي وصفه يحيى الموجي، الموزع الموسيقي للأغنية، بـ"زمن الرومانسية والحب والموسيقى الراقية والكلمات العذبة"، غير أن تركيزهم لم ينصب على كيفية إحياء هذا "الزمن" الأفلاطوني، وإنما انشغل بتأكيد الصيغة الماضوية لذلك الزمن في المطلق.
فاللحن شرقي الطابع الذي ألفه الملحن السعودي "طلال" بدا مستقرًا، لا يناسب حالة الحيرة التي تصفها كلمات الشاعر المصري الراحل عبد الرحمن الأبنودي:

"كل الكلام قلناه/وادينا زي ما احنا/
لو يوم جميل عشناه/كانت هانت جروحنا/
حبيبي أنت غاوي/دايماً تقول كلام/لو الكلام بيداوي/ليه حاسة بآلام؟/
كل الكلام قلناه/
إن كان على العتاب/عاتبتك لما دبت/ لا جرح قلبي طاب/حبيبي ولا أنت توبت/
وأنا رقة كلامك بتخليني أعود/وأكدِّب جرح قلبي وأصدق وعود/
منين بتجيب كلامك؟/كلام جميل بيعجب/خلاني أقول لجرحي/ يا جرحي ليه بتكدب/
كدبك غريق وياما/خدني لأحلام سعيدة/وأخاف أمشي في طريقي/ وأرجع منه وحيدة/
حبيبي أنت غاوي/ دايما تقول كلام/ لو الكلام بيداوي/ ليه حاسة بآلام؟"


كذلك أبدى الموزع الموسيقي للأغنية إصرارًا شديدًا للإيحاء بالزمن الماضي، بدءاً بالافتتاحية الموسيقية وحتى ظهور صوت نجاة إلى أن تنتهي الأغنية، فاللحن الذي جاء على مقام العجم، بدأه الموزع بـ"أكور" على الأورغ، والأكور هو ذلك الصوت في المقدمة الذي يشبه الكمنجة ولكن يعزف بواسطة الأورغ، ثم انتقل الموزع لعزف ثيمة اللحن الرئيسة على آلة البزق، ثم أعقبها بارتجال على الكمنجة ثم ارتجال على آلة القانون، ليظهر بعد ذلك صوت نجاة فيعيد الثيمة اللحنية نفسها التي لعبتها آلة البزق. وتستخدم تلك التقنية لتؤثر عاطفيًا في وجدان المستمع فتجعله يتعلق باللحن، أو تشعره بشيء من الحنين إليه، لكن ذلك ليس الإيحاء الوحيد الذي تقوم به تلك الآلية الموسيقية في تراتبيتها، بل تعطي كذلك إحساسا دائما بأن الصوت آت من الوراء إلى الأمام؛ من الماضي إلى المستقبل.

وإن كانت الكلمات تحمل في أسلوبها الاستفهامي طابعًا حيويًا، إلا أن تكرار الاستماع إلى الأغنية أكثر من مرة، قد يصيب المستمع ببعض النعاس، ليس لأن اللحن رتيب فحسب، لكن لاعتياد أذنه عليه، إذ سبق أن قدمت نجاة ألحانًا كثيرة مشابهة في الفترة التي تعاونت خلالها مع الملحن هاني شنودة في ثمانينات القرن الماضي.

وربما كان يمكن للأغنية أن تنجو، لكن الفيديو كليب بدا فقيراً جداً، وهو من إخراج هاني لاشين الذي أخرج أعمالًا للسينما أبرزها "الأراجوز" و"أيوب" لعمر الشريف، بدا وكأنه خارج سياق الزمن سواء الماضي منه أو الحاضر، وظهرت أدواته الإخراجية شديدة الفقر والضعف، حيث اكتفى بتركيب صورة ملونة من فيلم قديم لنجاة على مشاهد مستهلكة لشاطئ البحر أو الورود والأشجار. وكأنه هاو قرر لتوه استخدام برامج المونتاج للمبتدئين، وكانت أمام المخرج، فرصة لصنع مادة بصرية تحمل من الحنين إلى شخصية النجاة، الغائبة منذ فترة طويلة، ما يغني عن الاستماع إلى صوتها أساسًا، لكنه ضيعها بغرابة شديدة صانعًا شيئًا آخر غير الفن.

الغريب في الأمر أن نجاة لم تعتزل في سبعينات القرن الماضي، بل اعتزلت في العام 2002، ولم تكتف خلال مشوارها الفني بتقديم شكل واحد للأغنية، بل تنقلت بين ملحنين وكتّاب شباب وراسخين، وكان آخر أغانيها المسجلة "اطمن"، التي تميزت بلحنها العصري وكلماتها الوثابة، فما الجديد الذي حملته "كل الكلام" لتقرر العودة بها إلى جمهورها؟