معرض القاهرة الـ48.. الكتب للفرجة فقط!

أسامة فاروق
الجمعة   2017/01/20
رفع سعر أرض المعارض 20% ينعكس في أسعار الأجنحة والكتب، إضافة إلى الغلاء الذي تعانيه دور النشر والمطابع
فشل مؤتمر الإعلان عن تفاصيل الدورة الجديدة لمعرض القاهرة، الأربعاء الماضي.. فكيف سيكون حال الدورة نفسها؟!

تظاهر العاملون في دار الكتب بسبب تأخر رواتبهم، توترت الأجواء، وارتبك الجميع، ولجأت هيئة الكتاب-الجهة المنظمة للمعرض- في النهاية إلى "حشر" الصحافيين في مكتب رئيس الهيئة نفسه! هل انتبهوا للعلامات؟ بالتأكيد لا.. لأن الكلام لم يتغير، لأن رئيس الهيئة كأي دورة عادية تحدث –للصحافيين المحشورين في مكتبة- عن تاريخ المعرض ورسالته ودوره والدول المشاركة وعدد العارضين..إلخ  

كأي دورة عادية قال هيثم الحاج إن عدد المشاركين 670 ناشرا، من 35 دولة تشارك في الدورة التي تعقد في الفترة من 26 يناير الجاري حتى 10 فبراير المقبل، وتحل المغرب كضيف شرف على المعرض، أما الجديد فهو "بوستر، أتوبيس، و20 كمبيوتر متاحة للجمهور، ومعرض خاص بالطفل"! وكأن التظاهرة التي أفسدت مؤتمره كانت في كوكب آخر.

هل الدورة الـ48 فعلاً دورة عادية؟ بالتأكيد لا. دورة هذا العام تأتي بعد قرارات سياسية وإجراءات اقتصادية أدخلت مصر في نفق مظلم؛ تراجعت قيمة العملية المصرية إلى ادنى مستوياتها، وأصبح الجنيه لا يساوي شيئاً، ارتفعت أسعار الورق والأحبار وكل مستلزمات الطباعة، وبالتالي الكتب، وأصبح شراء الكتب ترفاً لا تقدر عليه الشريحة التي اعتادت الشراء في المعرض وغالبيتها من الشباب، وهي الشريحة التي إن أتت للمعرض هذا العام فسيكون للفرجة فقط، وقضاء يوم في مكان مفتوح، فالجمهور لا يملك الآن أن يدفع 200 أو 250 جنيهاً لكتاب واحد، كان سعره العام الماضي 60 و70 جنيهاً، فضلاً عن ارتفاع بلغ 150% في سعر الكتاب المترجم، فقد قفز متوسط سعره بعد التعويم من 200 إلى 460 جنيهاً.. أسعار الشحن ارتفعت أيضا فكم سيكون ثمن الكتاب مع الناشرين العرب المشاركين في المعرض، ومن يستطيع الشراء؟!

صناعة النشر، كغيرها من الصناعات في مصر، أضحت في مهب الريح، وفشل المؤتمر الصحافي ربما يكون الإشارة الأخيرة عما يمكن أن يحدث للمعرض الذي كان طوق النجاة الوحيد للناشرين المتضررين منذ أحداث ثورة يناير 2011، لكن الواضح أنه تم تجاهل تلك الإشارة أيضا، كما أغفلت عشرات المناشدات، التي بدأت قبل شهور من الآن، والتقارير التي أكدت أن دورة هذا العام ستكون كارثية، واكتفى المسؤولون بالتفاخر بالتصريح الأمني الذي لم يحصل عليه مصنعو الأثاث، وألغيت بسببه دورة معرض الأثاث الشهير!

صحيح أن الأمن صرّح بانعقاد هذه الدورة، لكن هل سيمنع مضايقة الداخلين عند البوابات؟ هل سيقضى على ساعات انتظارهم الطويلة؟ هل سيوفر بوابات إضافية ووسائل آدمية للداخلين إلى "تظاهرة ثقافية"؟ أم سيعتمد على قلة الإقبال المتوقعة وقلة الحيلة المتأصلة؟

قبل شهور، ناشد رئيس الناشرين العرب، رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء شريف إسماعيل، سرعة التدخل لإنقاذ الدورة المقبلة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وقال إن الأوضاع الحالية تؤكد أن المعرض في خطر. وقال محمد رشاد، إن هيئة المعارض تغالي في أسعار أرض المعارض، وهي أرض خالية جرداء لا تقدم أي خدمات، وعلى الرغم من ذلك طالبت الهيئة المصرية العامة للكتاب هذا العام بسبعة ملايين جنيه مقابل إقامة المعرض! ورفعت الإيجار بنسبة 20%. وهي، بالمناسبة، النسبة نفسها التي قررت تونس خفضها، حين انتبهت إلى ما يجري للصناعة وما يمكن أن يحدث للمعرض. فقررت الهيئة المنظمة لمعرض تونس الدولي للكتاب في دورته الـ33 في مارس/آذار المقبل، خفض إيجارات الأجنحة لدور النشر العربية المشاركة في المعرض والمنخرطة في اتحادات النشر في بلدانها بنسبة 20 في المئة. وقالت الهيئة التونسية إن هذا الإجراء يهدف إلى تيسير حضور دور النشر العربية في هذا المعرض، بقوة وفاعلية وانتظام، ودعماً للتدابير التي اتخذت لمصلحة ناشري البلدان العربية، التي تمر بظروف استثنائية، ومنها ليبيا وسوريا واليمن والعراق وفلسطين، والمتمثلة في تمكينها من الخفض بنسبة 50 في المئة من إيجارات الأجنحة.

أما في مصر، فرفع قيمة تأجير أرض المعارض، يعنى في المقابل ارتفاع أسعار تأجير المتر على الناشرين. كان الناشر المصري في العام الماضي يستطيع استئجار مساحة 9 أمتار في صالة العرض (الفئة أ) بسعر 4150 جنيهًا، لكن المبلغ ارتفع ليصل هذا العام إلى 4565 جنيهًا (بخلاف الخدمات الأخرى من نظافة وإضاءة). وفي صالات البيع (الفئة ب) كان يمكن للناشر المصري أن يدفع 6400 جنيه نظير استئجار مساحة 18 متراً، فارتفع المبلغ هذا العام ليصبح 7040 جنيهًا. أما العرض المكشوف، فقد ارتفع فيه سعر المتر من 325 جنيهًا بالنسبة للكتاب العربي، العام الماضي، ليصل إلى 360 جنيهًا لمعرض 2017. أما سعر المتر للكتاب الأجنبي، فقد ارتفع من 415 جنيهًا العام الماضي، ليصل إلى 460 جنيهًا للعام 2017. أما الناشر العربي، فقد أصبح مطالباً بتسديد 178 دولاراً للمتر، ولن يحصل على خصم الـ10% إلا من يدفع بالدولار! فضلاً عما سيتحمله لنقل الكتب وشحنها، وهو ما سيؤدي إلى إحجام نسبة كبيرة من الناشرين العرب عن المشاركة في المعرض.. وهو ما حدث فعلاً.

فقد قررت مجموعة كبيرة من الناشرين العرب الاعتذار عن دورة هذا العام، واكتفت البقية بعرض كتبها مناصفة مع دور مصرية "متورطة" بطبيعة الحال في المعرض، "الفارابي" مثلاً اختارت المشاركة بالوكالة، لأنها لن تأتي للمعرض بكتاب ثمنه في بيروت 10 دولارات، لتبيعه في القاهرة بـ200 جنيه، بعدما كان بـ80 أو 60 جنيهًا في الدورة السابقة.

عادل المصري، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، قال في وقت سابق إن 60 داراً للنشر توقفت عن دفع الاشتراك السنوي للاتحاد (700 جنيه سنوياً فقط)، ما يشير إلى توقفهم عن العمل نتيجة ارتفاع أسعار الورق والخامات، لافتاً إلى أن "متوسط ما تصدره أي دار نشر سنوياً يبلغ في المعتاد نحو 60 إلى 80 كتاباً، لكن بعد أزمة ارتفاع أسعار الورق، أصبحت كل دار لا تنشر سوى 25 إلى 30 كتاباً سنوياً، والكثير منها توقف". وناشد الدولة للتدخل لإنقاذ الصناعة.

مناشدة رئيس الناشرين تلتها عشرات المناشدات من كتّاب وصحافيين ومثقفين في كل الصحف المصرية تقريبا، بعضهم قدم حلولاً أيضاً. فقد قدّم الكاتب نبيل عبد الفتاح اقتراحات عديدة، منها: تبرع أو تنازل هيئة المعارض عن الرسوم المقررة هذا العام لتأجير المعرض لهيئة الكتاب، أو أن تساهم وزارات التربية والتعليم، والتعليم العالي، والسياحة والتعاون الدولي في دعم الهيئة العامة للكتاب لإقامة المعرض على خير وجه، كأحد مظاهر مكانة مصر الثقافية في عالمها العربي، ومشاركة بعض رجال الأعمال في دعم أنشطة المعرض.

وفى "أخبار الأدب" اقترحت الكاتبة منصورة عز الدين، حلولاً لأزمة النشر بالكامل من خلال هيكلة النشر الحكومي، إنشاء المزيد من المكتبات العامة، وتطوير مكتبات المدارس ودفعها لاقتناء عناوين مصرية حديثة، الاهتمام بالنشر الإلكتروني بحيث يوفر كتباً إلكترونية بأسعار معقولة، إذ ليس من المعقول مطالبة القرّاء بمقاطعة الكتب الإلكترونية المقرصنة، فيما تتضاعف أسعار الكتب ويوشك النشر الورقي على الانهيار، مندون تقديم بدائل عملية قادرة علي المنافسة.

لكن هذه الاقتراحات، وغيرها، لم تجد من يستمع. ارتفعت أسعار الكتب والإيجارات، ولم يبق لنا إلا الفرجة والحسرة.