مونتي هلمان لـ"المدن": هوليوود اليوم تفتقر إلى الشخصية!

هوفيك حبشيان
الجمعة   2016/06/17
لا أشعر أنني معني بأزمة الوحي في هوليوود
هناك جيل كامل لم يتعرّف للأسف على مونتي هلمان، رغم أنّ هذا المخرج الأميركي الكبير يبلغ الـ83 من العمر اليوم، ولا يزال ناشطاً في شبكات التواصل الاجتماعي، إذ لا يتوانى عن مخاطبة محبيه ومناقشة أفكاره عن السينما والسياسة في العلن. غاب 20 عاماً، قبل أن يعود العام 2010 إلى مهرجان البندقية حيث نال جائزة "أسد ذهبي" لمجمل أعماله من يد كوانتن تارانتينو، المخرج الذي ساهم هلمان في إطلاقه من خلال "خزان كلاب" (1992). في الدردشة الآتية، يتحدّث هلمان صاحب "تو لاين بلاكتوب"، عن رؤيته للسينما الأميركية اليوم وعن شغفه بالشاشة التي يقول أنّه يقيم فيها منذ سنوات، أي منذ كان في الخامسة.


* قلتَ مراراً في أكثر من مقابلة ان صناعة فيلم أشبه بخوض معركة على أكثر من جبهة...
- (ضحك). نعم، لكن وجودي في المقدمة جعلني لا أتعاطى مع المشكلات والصعاب. ابنتي هي التي كانت تتابع الشؤون الانتاجية يوماً بعد يوم في آخر فيلم صوّرته "طريق إلى لامكان"، بهدف محاولة عدم اقلاقي كي لا يفسد الهمّ الاداري الجانب الابداعي.


* هل الشاشة تلهمك اليوم أكثر من الحياة؟
- في بالي، بات من الصعب الفصل بين الحياة والسينما. حياتي مقيمة في السينما إقامة دائمة منذ سنوات. تأثرتُ بهذا الفنّ مذ كنت في الخامسة من عمري. في حياتي مساحة للحلم كبيرة جداً. والسينما استطاعت أن تخترق تلك المساحة، فبات من الصعب أن أتذكّر ما هي الأحلام التي جاءتني من الحياة، والأخرى التي منحتني اياها السينما. 


* لماذا اعتبرت أن فيلمك الأخير، "طريق الى لامكان" الذي عدتَ به إلى الاخراج بعد فترة غياب طويلة جداً، هو فيلمك الأول؟
- نعم، انه "فيلمي الأول"، وكلّ ما أنجزته قبله، يبدو لي اليوم كما لو كان تمريناً. أعتقد انني أدخل في مفترق طريق وآخذ اتجاهاً جديداً، وهذا جد مهم بالنسبة لي. وفي خطوتي الجديدة يبدو لي أنني سأتعاطى مع اللاوعي الخاص بي واللاوعي الخاص بالناس الذين أعمل معهم، ولا أعني الممثلين فحسب، انما كل الذين يعاونونني لأنجاز الأفلام، من مدير التصوير إلى مؤلف الموسيقى. اليوم، أعتبر أني دخلتُ المرحلة التي كان دخولها يغريني منذ سنوات. كنت دائماً أقف على حافة اللاوعي. في "طريق إلى لامكان"، تجرأتُ على الانتقال إلى اللاوعي كاملاً. كثر سألوني ماذا كنت أفعل في العقدين الماضيين. في الواقع، لم أكف عن العمل: كان لي مشروع تولى انتاجه كوبولا وأخذ ثلاث سنوات من حياتي، وكان لي مشروع آخر لكوانتن تارانتينو استغرق هو الآخر سنتين. في غضون ذلك، عملت على بلورة نصوص، والآن أجد المرحلة مؤاتية لأفلمتها. 


* كيف تصف العمل بتقنيات لم تعتد العمل بها من قبل، كالـHD مثلاً؟
- أتيحت لي فرصة العمل بكاميرا هي الأولى في جيلها (...). هذه الكاميرا فيها نظام "سانسر" قوته مرتين ونصف مرة من الـ"سانسر" العادي الذي يُستخدم في تصوير الأفلام بقياس 35 مللم. هذه المساحة المضاعفة مرتين ونصف مرة، تعطيك كمّاً أكبر من المعلومات والألوان وتتيح لك تشكيل صورة أكثر غنى. كبر الصورة يبدل علاقتك بالمكان والمساحة. ومن المستحيل عدم تشكيل صورة جميلة بهذه التقنية. 


* السينما المستقلة الأميركية بدأت تبوخ، هل توافقني؟
- بداية، ما يُدعى شركات انتاج مستقلة ليست مستقلة، بل عبارة عن شركات "مايجرز" صغيرة. الطريقة الوحيدة لصناعة سينما مستقلة هي الذهاب وطلب المال من أصحاب مال لا علاقة لهم بالسينما. وهذا ما أفعله. لا يكلّف شيئاً أن تكتب كلمة روما أو لندن على ورقة، أما الذهاب إلى هناك لتصويرهما، فهذا شيء آخر (ابتسامة لئيمة). 


* في لقاء سابق لك، قلتَ أن هوليوود لم تعد في حاجة إلى ممثلين، فباتت هناك تقنية الثلاثية البُعد والتحريك والمؤثرات البصرية، إلى درجة ان الاستغناء عن اللحم الحيّ بات ممكناً...
- هذه التقنية لا تبهرني ولا تقنعني. لا تستطيع ترك شيء خارج ضبط الفوكوس عندما تعمل في اطار ثلاثية البُعد. فتفقد تالياً احدى المعدات التي تجعل التصوير فناً. 


* سمعتُ انك لا تزال نادماً على عدم انجازك "فات سيتي" - 1971 - الذي تولى اخراجه لاحقاً جون هيوستن...
- نعم، أحببتُ هذا الفيلم. والسبب الوحيد الذي حال دون اخراجي له هو أن محاميي ومدير أعمالي كانا رافضين لفكرة أن اتخلى عن مشروع كنت اتقاضى عنه ضعف ما كنت سأتقاضى لانجاز هذا الفيلم. تفكير في منتهى الحماقة، لأن الأفلام التي كنت أنجزها كانت تتبخر حالما أنجزها. أعتقد أنني كنت عرضة للابتزاز في تلك المرحلة من حياتي.


* تارانتينو، هذا صديقك... كنت الرجل الذي خلف فيلمه الأول "خزان كلاب"، نصاً وانتاجاً...
نعم، أتذكّر جيداً. كان ذلك العام 1992. أرسلتُ اليه السكريبت وكان في بالي تولي اخراجه.


* في لقائك الأول واياه، هل كنت تتخيل انه سيصل إلى حيث وصل؟
- يُعتبر نجاحه من الأشياء التي لا يمكن التفكير فيها على هذا النحو، لكني أجزم أنه شخصية قوية يصعب اعتراضها. عندما عملتُ معه كمنتج، وضعتُ نفسي في مكانه باعتباري كنت واجهتُ سابقاً كلّ أنواع المشكلات التي يواجهها مخرج صاعد، والأهم أنني زحت من طريقه.


* ماذا عن الأزمة الابداعية التي أصابت هوليوود منذ فترة؟
- لا أجد نفسي في تلك المسألة. لا أشعر أني معني بأزمة الوحي في هوليوود. أعتقد ان الأمر سيزداد سوءاً. الأفلام الهوليوودية اليوم أقل شخصية مما كانت عليه في مرحلة سابقة حيث كان الاحتكام إلى منطق الاستديو ولا سيما إلى صاحبها. مهما يكن رأيك بذوق لويس ب.ماير، فعلى الأقل كان يعلم ما يريد وكان مرجعية بالنسبة للمخرجين. اليوم، شركة مثل "سوني" لا تستطيع أن تكون مرجعية للمخرج.


* أريد رأي السينيفيلي وليس رأي المخرج...
- آه، أستطيع ان أقول أنه من الصعب لي أن أرغب في مشاهدة فيلم ما بعد أن أكون قد شاهدتُ دعايته. لذا، أمضي معظم وقتي في إعادة مشاهدة أفلامي المفضلة. في أوروبا، ما زال هناك مجال لصناعة سينما أفضل من حيث النوعية، علماً انه لدينا فلتات من وقت إلى آخر، مثل "ستكون هناك دماء" لبول توماس أندرسون، الذي أنجز فيلمه، على النحو الذي أراده، داخل نظام الاستديو. لا أعرف كيف فعل ذلك.


* بعد أكثر من نصف قرن على انطلاقتك، ما الذي يعطيك الرغبة في المتابعة؟
- في الواقع، لم أنته بعد! اليوم، أشعر بأني أكثر راحة وطمأنينة ازاء الأشياء التي أريد انجازها مما كنت سابقاً. بمعنى أني أعلم ماذا أريد أن أفعل. حتى لو كانت الظروف غير ملائمة تماماً. فعلينا خلق ظروفنا الخاصة. دائماً أكرر الشيء نفسه ودائماً أتوقع جراء التكرار هذا الحصول على نتيجة مختلفة. هذا هو تعريفي للجنون.