فارس يواكيم: الشعراء المسيحيون مدحوا الاسلام في الزمن الصعب

محمد حجيري
الجمعة   2016/12/09
نعيش زمن التقوقع والتطرف. لكن الإصرار على الحوار والتلاقي واجب
أصدار الكتاب اللبناني المقيم في المانيا، فارس يواكيم كتاب "الاسلام في شعر المسيحيين"(اصدار خاص ـ توزيع مكتبة الفرات)، فيه يوميات وتفاصيل عن بعض القصائد العربية، بعضها معروف وبعضها الآخر مغمور، في جانب منها تؤرخ لمحطات في الثقافة العربية، خصوصا انها كانت تظهر في خضم الأزمات...مع فارس يواكيم هذا الحوار...
- ما الذي يجعل شاعراً مسيحياً يكتب قصيدة عن الإسلام؟ هل الأمر يتعلق في أن الشاعر العربي يكتب عن كل شيء، ومنها الإسلام ومحمـد؟ 
* الشاعر العربي المسيحي يكتب عن كل شيء. نعم. بما في ذلك موضوع الإسلام والنبي العربي. صحيح أنه يكتب من خارج بيئة انتمائه الديني، لكن انتماءه إلى الثقافة العربية، والإسلام ركن أساسي فيها، قد وفـّر له إمكانية الكتابة في هذا الموضوع. إضافة إلى معايشته اليومية للتقاليد الإسلامية والطقوس التي يمارسها المسلمون في مجتمعه. هو يعرف جيدا ماذا يعني رمضان والفطر والأضحى والهلال وسواها من الموضوعات الإسلامية. هل كانت المجاملة دافعا؟ هل كانت هذه القصائد نوعاً من التقية تمارسها الأقلية لكسب ودّ الأغلبية أو لاتقاء سطوتها؟ لا أدري. ما شققت صدر أحد. لكني لا أميل إلى هذا الاعتقاد. أظنها رغبة في عدم التقوقع في غيتو ثقافي، وإثبات الوجود كعنصر أساسي في المجتمع، مساوٍ للآخر. وفي كل الأحوال شيدت هذه القصائد جسورا.

- إذاً، هل يمكن الحديث عن دور الأيديولوجيا والقومية العربية في تحفيز الكثير من الشعراء على مدح نبي الإسلام؟ 
* نعم وهو دور بارز. لا يمكن فصل الإسلام عن عقيدة القومية العربية. بل وحتى عن اللغة العربية وهي لغة القرآن. من دون أن نغفل دور المسيحيين وشعرائهم في عصر النهضة مع بدايات انتشار فكرة القومية العربية، بل ومساهمتهم في تأسيسها. هذه الفكرة كانت في جانب منها، حماية لمن يعارض الهيمنة العثمانية. أما مدح نبي الإسلام فهو من باب الاعتزاز بالقائد الظافر، ويؤكد هذا الاستخلاص ما نقرأه في قصائد هؤلاء المسيحيين من نداء مباشر منهم إلى الرسول. ومثل هذه القصائد كتبت في أزمنة صعبة والشاعر محبط من الوضع السياسي الراهن الضعيف، وناظمها ينشد الخلاص من طريق النموذج الذي مثـّل عزّ العرب. كقول اللبناني يوسف أبي رزق: "نبيّ العرب! عفوك من شعوب، أضاعت في جهالتها حجاها/ رسول الحق أشرِف من سماء الخلود على بلادي في أساها (...) أغثنا يا نبيّ الله، واسأل إلهك أن يعيد لها هناها". أو في قول صلاح لبكي : "أرسل سلامك في الأنام محمـد.. عظمت مآثمهم وعزّ المرشدُ/ عادوا كأنك لم تكن نورَ الهدى للعالمين، ولم يحن لك موعد/ وغدوا وروح الجاهلية روحهم في كل أرض يزدهي ويعربد". 

- هل استُعملتْ قصائد الشعراء المسيحيين حول الإسلام في غير محلها؟ 
* لا أتصور أن ذلك حدث. إذ لا مصلحة لأي طرف في ذلك.

- في بداية مقدمة كتابك تروي انك قرأت في مجلة الهلال مقالاً بعنوان «شاعر عربي مسيحي يكتب عن محمد» (والعنوان نشر على غلاف المجلة أيضاً) مع مقدمة تشير إلى أن الشاعر هو السوري وصفي قرنفلي، وهو قد نشر قصيدته عن الرسول سنة 1934. وفي تعليق مجلة الهلال: (وهذه القصيدة هي ثمرة من ثمرات الوحدة الوطنية التي تمتد بجذور عميقة في الوجدان العربي بين المسلمين والمسيحيين. هذه الوحدة التي يحاول أعداء العرب الآن أن يمزقوها كما يحدث في لبنان اليوم، حتى يثور الصراع بين الأخوة على أساس طائفي). ألا تجد في هذا الكلام كليشيه فيه الكثير من الساذجة والأوهام، هل بالشعر يمكن بناء الوحدة الوطنية؟
* لا بالشعر ولا بالنثر، ولا بالأدب كله. دور الثقافة ضعيف في تحقيق المنجزات السياسية. في حين يمكن أن يلعب الإعلام دورا. بل ولعب أدوارا في مجتمعات مختلفة في أزمنة مختلفة، عبر "البروباغندا" وشحن النفوس. وربما كان تعليق مجلة "الهلال" (وكاتبه رجاء النقاش) جزءا من حملة تعبئة إعلامية، تستثمر القصيدة المذكورة، وتأخذها مثالا للدعوة إلى الوحدة الوطنية. وقد نشر هذا التعليق سنة 1976 والحرب اللبنانية في بدايتها. صحيح أن أعداء العرب تربصوا بالعرب ونصبوا لهم الشراك، لكن الشعور المتعصب متجذر في نفوس الكثير من العرب، للأسف، والتصور بأن معالجته ممكنة من طريق الأدب تصور رومانتيكي غير واقعي.  

- ماذا لو وجدت قصيدة لشاعر مسيحي عربي في هجاء الإسلام، ماذا تفعل بها؟ 
- لو كنت وجدت مثلها كنت نشرتها في كتابي، من باب أمانة التوثيق، ومن باب الموضوعية. لكنني لم أعثر على قصيدة هجائية، ولا أظن أن شاعرا مسيحيا كتب في هجاء الإسلام. ثمة كتابات نثرية، نعم. وهي تتنوع بين النقد والمجادلة والهجاء. وهي ذات غاية سياسية أو اجتماعية. لكن بين الشعراء لم أجد.

- كيف وجدت القصائد التي أوردتها في كتابك لناحية القيمة الأدبية؟ 
* تنوعت درجات الإبداع في هذه القصائد. بعضها أدّى دوره بلغة سليمة، وبمحبة لا شك فيها، لكنه ظل أقرب إلى النظم. وبعضه تألق مبدعا، خصوصا حين تناول الموضوع شعراء لهم إبداعهم المعروف والمعترف به في مجالات أخرى، غير الموضوع الديني.

- ما رأيك بالرأي القائل انك أصدرت كتابا ينتمي الى زمن الحوار والتلاقي، في زمن يشهد حالة من التقوقع والتطرف والانغلاق؟ 
*صحيح، نحن نعيش زمن التقوقع والتطرف. لكن الإصرار على الحوار والتلاقي واجب، حتى لو كانت الجدوى ضئيلة. إذ من أسباب التقوقع والتطرف عدم فهم الآخر، وعدم قبول الاختلاف.