"مجنون"... مجلة "الشباب العفيف" في زمن الحرية!

أسامة فاروق
الخميس   2015/09/03
ميز المجلة النقد الاجتماعي العنيف للواقع المصري وكانت تقدمه بأسلوب هزلي غير مألوف.
مع بداية الألفية الجديدة وبالتحديد في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2000 صدرت في القاهرة سلسلة كتب جديدة للشباب بعنوان "مجانين". أحدثت السلسلة صدمة ايجابية وقتها لأنها قدمت وجبة جديدة عكس ما كان سائدا، لم تكن نسخة باهتة من المجلات الغربية، بل نسخة مصرية تماما، ميزها النقد الاجتماعي العنيف للواقع المصري وكانت تقدمه بأسلوب هزلي غير مألوف.


وفي وقت قياسي حققت السلسلة الوليدة انتشارا كبيرا بين مجموعات الشباب، خاصة وأنها كانت تحمل اسم نبيل فاروق أحد أبرز الأسماء في عالم الكتابة للشباب وقتها.

"إنها أعمال مجنونه ... مجنونه ... مجنونه، ربما تستقر مره في أعماقك، ومره أخرى في وجدانك، وثالثه في درج مكتبك، ورابعة -وهو المؤكد- في سله مهملاتك، ربما تنتزع منك يوم ضحكه، أو دمعه، لذلك فأفضل نصيحة لك قبل أن تقرأ، هي ألا تقرأ هذه السلسلة أبدا، أو أغلق عينيك وسد انفك واقرأها، فمن يدري ربما تأتي الحكمة من أفواه المجانين". مقدمه لافته ودالة أيضا على المحتوى المختلف، حملها العدد الأول الذي صدر بعنوان "عودة الابن الضال" ثم تبعه العدد الثاني "زمن عصام وشركاه"، وقتها لم يكن في الأسواق سوى المجلات التقليدية المعربة، ولم تكن الكتابة للشاب تتجاوز "الرجل المستحيل"، و"ملف المستقبل" أو "الشياطين الـ13" و"كوكتيل 2000" بخلاف المجلات الشهيرة "ميكي" و"سمير" و"فلاش"، لذا يمكن القول إن تلك السلسلة كسرت هذا الحاجز وقدمت جيلا جديداً من الكتاب الشباب، منهم محمد علاء الدين، وأحمد العايدي، ومحمد فتحي، وآخرين... ترسخت أسماءهم في عالم الكتابة والصحافة لاحقا.

لأسباب ماليه متعلقة بالدار التي أسسها نبيل فاروق توقفت "مجانين" بعد عامين من صدورها مخلفة 10 أعداد فقط. الدار نفسها كانت تصدر سلسلة أخرى بعنوان "آيس كريم" عبارة عن سلسلة منوعات ومعلومات تنشر في الصيف.

المفارقة كما يقول محمد فتحي أحد أبرز كتاب السلسلة، إن مجموعة الكتاب التي كانت تشارك في السلسلتين تشكلت في الأصل من أجل سلسلة لم تصدر أصلا، كان يخطط أن يكون اسمها "العقل" وكانت تعني بتبسيط العلوم وقصص الخيال العلمي، لكن حتى إغلاق الدار لم يصدر عددها الأول رغم إعداده.

بعد توقف "مجانين"، كانت هناك محاولة لإعادة إصدارها باسم مختلف في دار نشر أخرى أنشأها محمد سامي أحد مؤسسيها.. لكن لم يكتب النجاح أو الاستمرار للسلسلة البديلة وكانت تصدر تحت اسم "مولوتوف".

يؤكد فتحي أن السلسلة لم تتعرض لمضايقات أمنية، رغم نقدها العنيف وسياستها التي كانت تعتمد على السخرية في المقام الأول، "لكن رفعت ضدها بعض القضايا باعتبارها ضد الذوق العام! وأعتقد أن القضايا حفظت، وكان يترافع عنا فيها المحامي سمير الباجوري".

بعدها ومع تطور التكنولوجيا وانتشار الانترنت تراجعت فجأة كل السلاسل المقدمة للشباب، حتى كادت أن تختفي تماما، وتحول كتابها لكتابة الروايات.

مؤخرا تلقيت العدد الأول من سلسلة "كوميكس" جديدة تصدرها دار "نهضة مصر" بعنوان "مجنون"، بمجرد أن طالعت الغلاف تذكرت فورا السلسلة القديمة، ليس فقط لتشابه الاسم ولكن أيضا بسبب لوحة الغلاف التي تحمل خطوط فواز المميزة، ورغم إصرار المسؤولين في نهضة مصر على نفي العلاقة بينهما، لم أستطيع أن أمنع نفسي من المقارنة.

صدرت المجلة الجديدة منذ سنة بشكل الكتروني فقط يمكن تحميله وقراءته على أجهزة المحمول و"التابلت" التي تعمل بنظام "الأندرويد" ويتم شراؤها بالفيزا، ترأس تحريريا نهى عباس، وتعاون في كتابتها ورسمها بعض رسامي القصص المصورة في مصر والعالم العربي منهم الفنان الشهير فواز، وحنان الكرارجي، والكاتب ومصمم الغرافيك محمد الزمزمي وغيرهم.

كما فهمت من المسؤولين في "نهضة مصر"، فالمجلة كانت تستخدم الشكل الالكتروني لاختبار رد فعل السوق لأن تكلفة طباعة قصص مصورة ألوان وبشكل فاخر، كانت مجازفة تحتاج لرأس مال كبير. وتم توفير أول عددين مجانا للقراء. وحققوا نسبة قراءة وتحميل عالية جدا، ورغم أن ثقافة الشراء عبر الانترنت والفيزا غير منتشرة في مصر بين الشباب بشكل كبير لكن المجلة –حسب الدار- استطاعت فرض نفسها بعدما جذبت الشباب وتحدثت بلغتهم وطريقتهم.

تنشر المجلة موضوعات تعلق على ما يصفه بغض القائمين على المجلة بـ"العالم المجنون الذي يعيش فيه المصريون". يقول فريق تحرير المجلة: "عالم مجنون، جوة بيوتنا، وفي ميادينا، وشوارعنا، وأفلامنا، وإعلامنا، وأغانينا، مجنون مجلة بيكتبوها مجانين وبيقروها مجانين ويضحكوا عليها".

وبعد نجاح التجربة اتفقت دار نهضة مصر مع شركة "مجنون" لتحويل المجلة إلى سلسلة كتب تصدر بشكل دوري كل 3 شهور وصدر العدد الأول 48 صفحة طباعة فاخرة بالألوان بـ10 جنيهات حتى يكون متاحا للجميع.

وهي ليست لتجربة الأولى لنهضة مصر في مجال القصص المصورة "الكوميكس"، ففي فترة التسعينات اشتهرت بترجمة أشهر السلاسل العالمية مثل باتمان، وسوبرمان، ونينجا تيرتلز وغيرها، وحققت تلك الأعمال نجاحًا كبيرًا وقتها.

بعكس السلسلة القديمة التي كانت تعتمد على النص بشكل أساسي، تقوم الجديدة على الصورة، وبعكسها أيضا تفتقر للطرافة، لا أعلم في الحقيقة إن كنا نحن من هرمنا ولم تعد تلك الحكايات تلهمنا أم هرموا هم ولم يعد لديهم ما يبهرنا. لكن الملفت هو افتقاد المجلة الجديدة لفكرة التجاوز التي عودنا عليها "الكوميكس"، بعض قصصها جيد، لكن كثير منها إعادة إنتاج لحوارات الفيس بوك، وكان الأجدر أن تخرج بقرائها خارج تلك العوالم التي باتوا محصورين داخلها.

التجاوز ولتحريض على التفكير خارج الأطر التقليدية هي الميزة الأساسية لفن "الكوميكس" يقول إدوارد سعيد مثلا "لا أذكر متى قرأتُ أول كتاب كوميك في حياتي، ولكني أذكر تماماً إلى أي حد شعرتُ بالتحرر والتمرد نتيجة قراءتي له.. شعرتُ أن كتب الكوميك حررتني بحيث أفكر وأتخيل وأري بطريقة مختلفة تماماً". لذا فالتزام المجلة بخط متحفظ يفقدها الكثير من طرافتها، ولا يجعل هناك من اسباب منطقية لتصنيفها للكبار كما وضح الغلاف، بل يجعلها أقرب لمجلات الأطفال، مثلا سنجد أن بطل المجلة الخارق يحج، ويحيط نفسه باللوحات الدينية، وفي باب "عجائب النساء" يكتب أحدهم "لا ترضى المرأة مطلقا أن تقابلك وهي مرتديه البيجاما التي تستر ذراعيها وساقيها وصدرها، ولكنها تقف تتحدث معك بكل جرأة وهي ترتدي لباس البحر الذي يكشف معظم جسدها"، وفي قصة "أنا وماما والفيس بوك" التي كتبها هاني مهني ورسمها فريد ناجي يدور الحوار بين شاب وأمه عن مواقع التواصل الاجتماعي، وتطلب الأم أن يساعدها ابنها في الانضمام إلى الفيس بوك، يقبل الابن على مضض، ثم يفاجئ بعد يومين بأمه تسأله "يعني أيه "فشخ"، لكن المجلة الملتزمة ترفض استكمال الكلمة وتضع في آخرها "تيييييت"، رغم أن الكلمة أصبحت عادية في قاموس الشباب الذي من المفترض أن المجلة تتحدث لغتهم.

المحصلة أن كل التجارب اللافتة في مجال الكوميكس فى مصر، كانت من دور نشر مستقلة أو ناشئة، في حين استسلم الناشر الكبير أو الحكومي لتلك القصص الساذجة، ربما لأنها تبقيهم في منطقة الأمان بلا صدام مع أحد، حتى لو كانت في النهاية لن تنتج سوى نماذج معلبة لأغبياء مستسلمين لا يفكرون في التجاوز أو التغيير.


تقيم دار "نهضة مصر" حفل إطلاق لسلسلة "مجنون" غدا الجمعة 4 سبتمبر في قاعة الحكمة بساقية الصاوي بالزمالك.