"طوكيو حبي": المدينة بالصور

جوزيف الحاج
الإثنين   2015/07/27
غربان شجرة الحياة
من السهل تذكّر الصور الأيقونية لنيويورك وباريس ولندن التي خدمت شوارعها وعماراتها العديد من المصورين. أوجين أتجيه، مصور باريس ومناخاتها الساحرة منذ أواخر 1890؛ لويس هاين، بيرينيس أبوت، وليم كلاين، وآخرون مرموقون أبدعوا لنيويورك رؤى لا تنسى، جاعلين من المدينة بضواحيها الفقيرة، وعمالها وناطحاتها، عرضاً بصرياً غنياً.

في شرق آسيا، لطوكيو المتغيّرة باستمرار، تاريخ طويل، كموضوع مغرٍ وملهِم للكاميرا. لكن هذا التقليد وتلك الصور الرائعة، غير المتوقعة، لا تزال غير معروفة في الغرب، خارج أوساط المتاحف وبعض جامعي الصور.

مؤخراً، أقيمت معارض في نيويورك، وصدرت كتب (كتب التصوير الياباني في الستينات والسبعينات)، ونشرت مجلات أعداداً خاصة، آخرها "Aperture" صيف 2015، عن اليابانيين الذين وثقوا هذه الحاضرة بتعقيداتها وسحرها وتوحّشها.

لا تزال المدينة موضوعاً ومواجهة لا مفرّ منها، و"خطوة تمهيدية لفهم الفوتوغرافيا اليابانية المعاصرة" قال الأميركي إيفان فارتانيان المهتم بالفوتوغرافيا وبتاريخ الكتاب الفوتوغرافي الياباني.

بعد الحرب العالمية الثانية، بدت الصورة اليابانية حازمة، باحثة عن الحقيقة والحياة بين الأنقاض. وجوه هائمة، ورفض للتكنولوجيا الإستهلاكية الطارئة. بعض الحداثيين والمعاصرين، مثل شوميي توماتسو (1930- 2012) الذي صوّر تداعيات القنابل الذرية، أثّر عميقاً في الأجيال اللاحقة من المصورين. صوّر إييكو هوزوي (1933) تكوينات طليعية، وتناول الجسد بإباحية تجريدية. وثّق مازاهيزا فوكازي (1934- 2012) أنشطة مسالخ الحيوان والجسد، لينصرف مؤخراً إلى تصوير الغربان. عمل أراكي(1940) الأغزر إنتاجاً، تشبث بالحياة. "عندما نترك الوقت ينقضي، يزحف الموت من خلفنا" قال.

كتب الناقد الأميركي ليديرمان عن دايدو مورياما(1938): "في صوره الضبابية الزائغة، تجاهل ورفض للتقنية التقليدية وللصورة الجميلة. طبيعة عشوائية، أمكنة مضطربة، جنس، مجتمع تخلّى عن مثاليات الصورة السياحية الرصينة. صوره ردّ على تناقضات مجتمع ما بعد الحرب: الهزيمة والإحتلال ومحاكاة الحياة الأميركية".

للفوتوغرافيا اليابانية، كإنعكاس لفكرة الهوية الوطنية، خصائص: مثالاً، أعمال مصورين، مثل أراكي وآخرين، روّجوا لأسلوب معاصر: مشاعر متهوّرة، غاضبة من كل شيء، من الآلة، والنبات، والشارع، وقتامة المدينة...

"تخلق الصورة الفوتوغرافية عالماً مختلفاً عما في صورة الكتب. هل يبحث المصور عن تصوّراته الذهنية، أم أن هذه العملية هي إستكشاف للكون ووسيلة لمغامرة جديدة؟" (مورياما). "لا تزال اليابان ثقافة مطبوعة. الفوتوغرافيا اليابانية تعبير قاسٍ عن العالم المتربّص عند حواف العدسة" (ليدرمان).

بعد معرض "أوساكا 70" والإحتجاجات التي قامت في إثره، بحث المصورون عن أساليب جديدة لتصوير عالم متغيّر، أرادوا إختبار أشكال فنية بعدما اطلعوا على المفاهيمية وما بعد المينيمالية، مثل نومورا، في تصويره للزمن بطريقة مختلفة، وتاكاماتسو، في تصويره ألبوم العائلة، معتبراً الصورة شيئاً مادياً.

في أعمال المعاصرين خرق للتقاليد، وتأثّر شكلاني وجمالي بكتب التصوير الكلاسيكية، ومخاوف من التراجع الإقتصادي، والتسلّح.

"ماذا تعني طوكيو لمصوريها؟ هل هي مدينة؟ إنها تجمّع مناطق وجزر. لا تاريخ لها لأنها دمّرت مرّات عديدة بفعل الزلازل والحروب" تساءل الناقد الياباني ساواراجي. هذا الشيء القليل عن المدينة ربما يكون شاعرياً، وتلميحاً إلى روحها، هي المعاد إعمارها بتخطيط ما بعد حداثي مزج بين التقليدية والمستقبلية. بدت طوكيو في عيون مصوريها نشازاً لا فوضى. منهم من التقط أمكنتها الهادئة ولحظات من يومياتها الحميمة، فبدت أحياناً أشبه بصفعة، مع وعي وجودي وسط هذا البحر الحضري الهائل.

الفوتوغرافيا اليابانية الآتية من الشرق، والتي لم يألفها الغرب بعد، هي تنوّع وإبداع وجرأة وقدرة على المفاجأة، واتجاهات فنية تبلغ حد الإرث الفني.