رحيل يشار كمال.. العالمي روائي القرية الكردية

المدن - ثقافة
الأحد   2015/03/01
أنجز يشار كمال أكثر من 36 عملًا، بين مجموعات قصص وروايات ومسرحيات ومجموعات شعرية
في زمن غابر ساهمت الثقافة الايديولوجية اليسارية في تعريفنا بنتاج العديد من الكتّاب العالميين، منهم بعض الأدباء الاتراك، امثال نديم غورسيل وناظم حكمت ويشار كمال الذي توفي أمس السبت عن 91 عاما، هذا الكاتب الشهير قرأنا له بالعربية رواية "ميميد الناحل"، وكانت صدرت للمرة الاولى في عام 1955 وبدت اشبه بملحمة كلاسيكية عن فتى ريفي، يتحدى الاغا عبدى، الاقطاعي الذي يصادر الاملاك والارواح، وكان ذلك في سهل شوكروفا مكان ميلاد كمال والمحور الرئيسي لمعظم رواياته، وأثرت الأحداث المأساوية على حياة الأديب الراحل في مرحلة مبكرة، فعندما كان في الخامسة توفي والده وشكلت هذه الواقعة محور روايته "سلمان الأعزل"، وكتب أيضا رواية "سلطان الفيلة".

يشار كمال الذي كنا نحفظ اسمه جيدا خلال العقود الماضية، بدا ان هناك من خطف الاضواء منه أو بمعنى آخر لكل زمن كتّابه، فغداة بدء نشر جريدة "ميلليت" رواية "جودت بك واولاده" لاورهان باموق(حامل نوبل للاداب) في حلقات متسلسلة، بدا للقارئ التركي للوهلة الاولى، ان باموق يتدرب على نسخ الكتابة التقليدية ليشار كمال كما يلاحظ الناقد الكردي نزار اغري، او هو خرج من معطفه ليبتعد عنه ويصبح نجم الرواية التركية والعالمية، الى جانب الروائية أليف شافاق صاحبة "لقيطة اسطنبول".

على ان يشار كمال (اسمه الحقيقي صادق غوتشلي) كان وصل إلى العالمية من خلال خياله المدهش في أعماله الروائية واستلهامه التراث التركي والكردي، كان ابنا لأسرة فقيرة ومهاجرة فلم يتمكن من إتمام تعليمه، كما لم يحصل على شهادة عالية، إذ دخل المدرسة وهو كبير نسبيا وكان هاجسه أن يقرأ فحسب. أتم تعليمه الابتدائي واشتغل بعدها في التدريس. ففي أعوام 1941 ـ 1943 ساعد معلم مدرسة القرية وعلم الأطفال. ومن ثم تابع قراءة الصحف والمجلات لتثقيف نفسه، وفي السابعة عشرة قرأ يشار كمال ترجمات لروائيين عالمين من أمثال زولا، موليير، فكتور هوغو، تولستوي، تشيخوف، غوركي، غوغول، شكسبير، وغيرهم. وهذه القراءات اشارات واضحة إلى الطريق الذي سلكه يشار كمال، ونشر أول كتاب له بعنوان "مرثيات" من الفولكلور عام 1943.

وفي العام 1946 بدا في كتابة القصص والروايات، فواجهته معضلة كأي كردي في الزمن المعاصر: بأي لغة سوف يكتب؟ ذلك لان أول ما كتبه، وكان مجموعة قصصية بعنوان"الحمى الصفراء" ظهرت بلغة غلبت عليها اللهجة التركمانية، التي كانت وما تزال لهجة الأقلية، وكان يبحث عن حالة وسطية بين اللغة التركية المكتوبة وبين الثراء الوافر الذي تتصف به اللغة الشعبية التي عرفها في سهل شوكروفا.

وليس مفارقة أن قراءة يشار كمالا لأول عمل روائي حقيقي رواية "ثرفانتيس" ترافقت مع أول استدعاء إلى مركز الشرطة، وفي ما بعد سوف ينخرط في "حزب العمال التركي" ولسوف يعتقل في عام 1950 بتهمة الشيوعية، ويصبح عضو المكتب التنفيذي التابع للجنة المركزية للحزب، مسؤولا عن الإعلام. ونظرا لكتابات يشار كمال النقدية اعتقل عام 1971 اثر الانقلاب العسكري، بعد ذلك تكررت حملات التضييق عليه، لذا نجده يهجر العمل السياسي المنظم ويتفرغ للكتابة الابداعية التي تعتبر تداعياتها اشد وطأة من السياسة المباشرة، ففي عام 1995 دبج مقالا سياسيا كان له صدى واسع في الوسط الثقافي والإعلامي الألماني والكردي والتركي، حيث نشر مقالته "حقول الموت" في مجلة "المرآة" أوسع المجلات الألمانية انتشارا، وانحاز فيه إلى هموم الكرد في تركيا وما يتعرضون له من اضطهاد وتنكيل ومصادرة لحقوقهم وثقافتهم وطمس للغتهم منذ سبعين سنة، وأسفر مقاله عن اتهامه من قبل السلطات التركية بالنزعة الانفصالية والمس بالأمن القومي التركي.

أنجز يشار كمال أكثر من 36 عملًا، بين مجموعات قصص وروايات ومسرحيات ومجموعات شعرية. ومن بين رواياته الثلاثين: الصفيحة 1955(ترجمت الى العربية ع دار المدى)، ميميد الناحل (ثلاثية)1961 (ترجمت الى العربية عن دار الفارابي)، الجانب الآخر من الجبل 1962، الأرض حديد، السماء نحاس 1963، جميع الحكايات 1967، أسطورة جبل اغري 1970، أسطورة الألف ثور 1971، جريمة سوق الحدادين 1973، لو قتلنا الثعبان 1976، العصافير رحلت 1978، أحاديث مع آلان بوسكيه 1992.

يعد يشار كمال روائيا عالميا، وكونه يكتب بالتركية وليس بلغته الكردية لم ينتقص من قيمة أدبه ولم يشكل حاجزا نفسيا بينه وبين هموم شعبه إلى حد انه ترشح أوائل الثمانينيات لجائزة نوبل للآداب. وقد سئل ذات مرة هل تستطيع رواياتك عكس هموم مواطن في قرية أفريقية فأجاب "كل من يطالع كتاباتي يجد نفسه منعكسا فيها، فان كنت أنا أديبا جيدا يستطيع الناس في أنحاء العالم التواصل معي والاندماج مع أعمالي ومع عالمي الداخلي، فنحن حين نقرا لكتاب مثل سوفوكليس وأوربيديس وشكسبير لا نشعر أبدا أننا غرباء عن عالمهم".