"يلا عقبالكن": كوميديا العنوسة

هوفيك حبشيان
الخميس   2015/01/29
مشكلة الفيلم في النظرة إلى النساء والخلاصة الكاريكاتورية، وفي عدم الوضوح بين الدال والمدلول
في أقل من شهر، حطّ في الصالات اللبنانية فيلمان لبنانيان، الواحد مختلف عن الآخر الى درجة كبيرة، وإن تشابها في الأساليب المستخدمة لجذب المُشاهد المحلي. الأول، "فيتامين" للمخرج ايلي حبيب، سقط في كل أشكال التفاهة والاستسهال والضحك المنمط تحت مسميات مثل "سينما ترفيهية" أو "فيلم خفيف". الثاني، "يلا عقبالكن" لإيلي خليفة، وهو موضوع هذا المقال، تطرق بنص سطحي الى ما يسمى "عنوسة" في المجتمع اللبناني (العربي عموماً).

النتيحة أعلى مستوى من فيلم حبيب الذي تجاوزت ايراداته في الصالات المحلية الـ140 ألف مُشاهد، ولكنه يبقى شريطاً مخيباً في النوع الذي ينتمي اليه، خصوصاً ان الأفلام القصيرة لمخرجه ايلي خليفة كانت تمهد الطريق لسينما أكثر نضجاً على الصعيد الكتابي ورصانة على الصعيد الاخراجي. فيلمه الطويل هذا، وهو الثاني له بعد "يانوساك" (2011)، يخسر الرهان ويؤكد ان نَفَس خليفة قصير، بقصر الأفلام التي قدّمها في بداياته الواعدة. علماً ان "يلا عقبالكن"، لا يسعنا ادراجه في فئة سينما المؤلف، كما كانت الحال في انتاجات خليفة السابقة، ذلك ان كاتبته ومنتجته، نبال عرقجي، هي التي تحتضن المشروع بأكمله وتتحدث عنه في وسائل الاعلام. وما تهميش المخرج خلال العرض الافتتاحي في "أسواق بيروت"، سوى تأكيد اضافي على شكلية الاخراج في هذا الفيلم.  

تدور الفصول المختلفة في "يلا عقبالكن" حول أربع فتيات لبنانيات (ندى أبو فرحات، نبال عرقجي، دارين حمزة، مروى خليل) تجاوزن منتصف الثلاثينات ولم يجدن عريساً على مقاسهن بعد. الشيء الذي يمكن اعتباره تفصيلاً صغيراً في حياة المرء، يتحول في الواقع اللبناني الى أزمة وجود. ياسمينا وتالين وزينة وليان، فتيات عاديات مثل كثيرات غيرهن، لا يتميزن بشيء يذكر. لكل واحدة منهن حياة روتينية تجرجرها خلفها: عائلة، اصدقاء، وحالة اجتماعية ميسورة الى حدّ ما، في امكانها ان تشتري لكل واحدة منهن راحة البال. بيد انه، في ظلّ الضغوط الاجتماعية والعائلية، تصبح الفتيات رهينة الابتزاز، نتيجة المقاربة الرجعية للحياة. فهذا المجتمع يجبرهن على ضرورة تأسيس عائلة وانجاب الأطفال، والا أصبحن خارج الحسابات الاجتماعية. وكونهن على عتبة الأربعين، يزداد لديهن القلق والخوف من ان يصبحن خارج المجتمع. هناك همّ آخر أيضاً عندهن: السعي الى عدم خسارة الاستقلالية التي تتمتعن بها، فالارتباط يعني ما يعنيه من فقدان للحرية والتنازل عن أشياء الحياة.


احداهن، ياسمينا (دارين حمزة)، نراها في معاناتها شبه اليومية مع أمها (جوليا قصّار) التي تريد تزويجها بأي ثمن، الى هذا وذاك. على الرغم من القليل الذي نراه في الخلفية عن علاقة هذه الأم بزوجها (شبه الغائب)، بيد ان هذا القليل لا يشّجع البتة على الإقدام على تلك الخطوة.

مشكلة الفيلم الأساسية كامنة في النظرة التي يرميها على النساء وفي الخلاصة الكاريكاتورية التي يخرج بها، وفي عدم الوضوح بين الدال والمدلول. صحيح ان عرقجي هي التي كتبت النصّ، وهي كامرأة أرادت ان تنقل واقعاً معيناً ألقى بظلاله على حياتها الشخصية، بيد أن نظرتها هذه لم تجعل الفيلم متماسكاً وقوياً بالحجج، بل بقي على سطح الأشياء، في نمط تأليفي يمكن القول عنه بأنه أفقيٌ وليس عمودياً. وحقيقة أن هذا فيلم ألّفته سيدة، لا تجعل منه بالضرورة درساً في النسوية، فـ"يلا عقبالكن"، فيه شيء من الذكورية المستفزة، تتجلى في خطابه الذي يجعل المرأة خاصعة للرجل، وحتى أكثرهن شجاعة ورفضاً لهذا المنطق (شخصية ندى أبو فرحات)، نجدها في النهاية قد استسلمت. في ثقافة يهيمن عليها الرجل، نلاحظ صعوبات جمة في الحديث عن وضع المرأة خارج القوالب الجاهزة، لافتقارنا الى تقاليد النقد والمراجعة. واذا حصل أن سار الفيلم خارج الدروب المطروقة، هناك ما يعيده دائماً اليها، ليغلب الطبع على التطبع. أضف إلى ذلك، أن النماذج النسائية المطروحة في الفيلم غير قادرة على اقناعنا بأن هدفها في الحياة هو البحث عن زوج وبناء عائلة.

ايلي خليفة أنجز فيلماً لا مكان فيه للتفاصيل. فيلم "عام" عن موضوع فضفاض، والصورة رغم رشاقتها وألوانها الصارخة تبقى فقيرة وسياحية أحياناً، وهي شحيحة بالمعلومات. هناك القليل من كل شيء في "يلا عقبالكن": بعض البكاء، بعض التنظير، بعض الطرافة التي قد يصعب على البعض اعتبارها طرافة. هذا كله في اطار جذاب من الخارج، هشّ من الداخل. أمّا البيئة الاجتماعية التي تتطور فيها الحوادث، فتبقى ركيكة ومصطنعة، تماماً كالمنطق المعمول به في المسلسلات اللبنانية.


(*) "يلا عقبالكن" ــ حالياً في الصالات اللبنانية