أسولين وبريسون: أُسرُد لي حياتك.. أَسرد لك حياتي

جوزيف الحاج
الإثنين   2014/09/01
سوريالية الخراب في أعمال بريسون
"في علاقات الحب والصداقة هناك دائماً مرّة أولى نتذكرها" كتب بيار أسولين (Pierre Assouline) الذي يتذكّر، وهو في الثامنة عشرة من عمره، حلمه بلقاء المصوّر هنري كارتييه- بريسون (Henri Cartier-Bresson) "الإله الحيّ"، الرافض لفكرة كتابة سيرته. وألحّ أسولين على بريسون أن يخصّه بحديث يصلح لأن يكون غلافاً لمجلة، فكان جواب بريسون "لا يهمني ذلك!".

التقيا في 1994 وراح  بريسون يحدثه، على مدى ساعة كاملة، عن لا جدوى الكلام عن حياته وأعماله. انتهى اللقاء بطلب بريسون: "عد في الغد. عندما أفرغ من الرسم نبحث في الأمر". في اليوم التالي، جلس أسّولين أمامه. أخرجَ المسجّل، فقال له مضيفه: "لا أقبل بمثل هذه الأشياء!...". أعاد آلة التسجيل إلى الحقيبة واستبدلها بدفتر وقلم: "... ولا تلك حتى!"، أضاف بريسون. عندئذ أبقى ورقة دوّن عليها بعض الأسئلة. قال بريسون غاضباً: "كان عليّ تنبيهك بأنني أرفض المقابلة بالمبدأ. إنها سرقة. تأخذ منّي وتنصرف.. أنا مع المبادلة".

"لا بدّ أنه لاحظ إحباطي" كتب أسولين.  لذلك طرح بريسون مخرجاً من هذه المتاهة: "أسرد لك حياتي، وتسرد لي حياتك... واحدة بواحدة". وهذا ما حصل طوال بعد الظهر: "مهرجان من الأشياء، معادلات وتحليلات، ذكريات عن رحلات، لقاءات مع مشاهير ومع أناس عاديين لا يقلّون أهمية. تدفقت الذكريات. عندما تحدثنا عن الحرب، الأصدقاء، الوسخ، الأمل، السأم، التضامن... أشياء لا تُنسى"، قال بريسون بحرقة وبصوت خافت، وأخفض رأسه ليخفي دموعه. تابعنا الحديث في حانة قريبة". في المترو لاحظ أسولين على وجه صاحبه علامات الضياع عندما سأله عن مرحلة أسره في الحرب الثانية، وفكّر. "أعرف أنني في يوم ما، بطريقة ما، بموافقته أو رفضه، سأكون أول من يكتب سيرة حياة هذا الرجل، فقط لأجل تعابير وجهه تلك" كتب أسولين.

"توالت لقاءاتنا حتى رحيله، هو الذي يكبرني بنصف قرن. عشر سنوات من السهرات، والتلفونات والبطاقات البريدية وقصاصات الورق، ورسائل الفاكس التي كان بريسون يعشقها لأنها تُمحى بالضوء. ويقول عنها إنها "مثل "دادا" السورياليين، فمَن كان سوريالياً في العشرين من عمره يظل هكذا طوال حياته".

من فاكساته الباقية، واحد كتب فيه: "ما يبقى دَيناً أبدياً عليّ هو "البحث عن الزمن الضائع" لبروست". "كان يعلم أنني بصدد كتابة سيرة حياته، لكنه تظاهر بعدم المعرفة. تهرّب من الأسئلة المحددة: الأسماء، الأماكن، التواريخ... أغضبته فلم يجب عنها. لكن بعد دقائق، أثناء تبادل سِيرنا الذاتية كنت ألقى الأجوبة عنها.

"أثناء كتابة الفصل الأخير، اتصل بي ليخبرني أن أحدهم أعلمه بأنني أستعدّ لنشر سيرته. علّق: "قل لي إنها مزحة. تعرف أنني أخاف هذا النوع من الكتب. إن حصل ذلك، تتحمّل موتي".
"حملت إليه النسخة الأولى ليوقّعها لي. أليس هو مؤلف حياته؟ فكتب "العين الذي ترتاب من قرن من الزمن، إلى بيار أسولين الذي يفحص قائلاً: تنشّق عميقاً! مع صداقتي En rit Ca-Bré.
"بورجوازي، حر، تتنازعه، في آخرته كما في شبابه مواقفه من العالم. عاش هذا البوذي كل تلك التجاذبات كأنها طاقة ضرورية لحياته"، قال أسولين الذي يتذكّر اليوم كتابه الصادر عن دار "بلون" الفرنسية خريف 1999، وكان بريسون لم يزل حياً.

ما يبقى تأثير وطباع، نظرة إلى العالم وطريقة للنظر، إدراك هندسي، الطريقة المثلى في إستخلاص فوضى العالم لترتيبه وانتظام الأشكال. إكتشاف الفن على جدران المتاحف كي تجتاح النفس صدمة الجمالية.

المصوّر الذي ساعدتنا صوره على فهم ما يحصل لنا، أقلقته، طوال قرن من الزمن، أسئلة تبدو بسيطة في ظاهرها: "ما المقصود؟" و"من أين يأتي المال؟".