المؤرخ لوكاس كاترين: الغرب يسهل بقاء الديكتاتوريات

عماد فؤاد
الأحد   2014/08/31
كاترين أخذ على عاتقه الكتابة ضد التيار الغربي المناصر لدولة الاحتلال الإسرائيلي
تاريخ طويل من الصراعات السياسية والإعلامية مع اللوبي الصهيوني في الغرب خاضها المؤرخ والباحث البلجيكي - الفلمنكي، لوكاس كاترين (مواليد 1947)، والذي أخذ على عاتقه الكتابة ضد التيار الغربي المناصر لدولة الاحتلال الإسرائيلي، منذ بداية مشواره البحثي في العام 1969 وحتى اليوم، إذ قدم كاترين أكثر من 23 مؤلفاً عن العالم العربي والحضارة الإسلامية والأندلس واللوبي الصهيوني. وفي استعراضه للتأثيرات المتعددة التي خلّفتها الحضارة العربية والإسلامية في الثقافة الغربية، لا يهمل لوكاس كاترين شيئاً، فيتناول في مؤلفاته العلوم الإسلامية، من الهندسة والجبر وعلوم الفلك والجغرافيا والطب، إضافة إلى المذاهب الفلسفية وكتب ابن رشد وابن سينا والمتصوفة، وصولاً إلى العمارة الإسلامية وكتب التفسير والنص القرآني وتاريخ العرب الحديث. حول كتابه الأخير وحرب غزة، كان لـ"المدن" هذا الحوار مع لوكاس كاترين: 

بعد سنوات من تركيزك البحثي والتأريخي على الحضارة العربية والإسلامية نجدك في كتابك الجديد "خنادق في أفريقيا" تتجه إلى تأريخ الحرب العالمية الأولى إفريقياً، هل يأتي صدور هذا الكتاب بالتوازي مع مرور 100 عام على نهاية الحرب العالمية الأولى، أم أنه اتجاه جديد لديك للتأريخ الأوروبي؟

* "خنادق في أفريقيا" يصدر ضمن الاحتفاليات الواسعة التي تقام حالياً في دول مختلفة من أوروبا بمناسبة مرور 100 عام على نهاية الحرب العالمية الأولى، وحاولت أن أكشف من خلاله الجزء المنسيّ في هذه الحرب. ففي حين توقف إطلاق النار نهائياً بين البلدان المتحاربة يوم 11 نوفمبر 1918 معلناً نهاية الحرب العالمية الأولى، ظلت المدافع البلجيكية دائرة على قدم وساق في أفريقيا، ثماني سنوات متواصلة، ضد ما تبقى من القوات الألمانية في صراع مستميت على احتلال الدول الأفريقية المتنازع عليها حينذاك. كانت بلجيكا في ذلك الوقت تستعمر الكونغو، وبفضل بسالة الجنود الكونغوليين، استطاعت بلجيكا توسيع مستعمراتها في أفريقيا على حساب الإمبراطورية الألمانية لتضم إلى الكونغو كلاً من رواندا وبوروندي، من هنا تأتي أهمية الكتاب لأن البلجيكيين ينسون كثيراً دورهم الاستعماري في أفريقيا.

إذن نستطيع اعتبار كتابك الأخير حلقة أخرى من حلقات اهتمامك بالتاريخ الاستعماري للدول الأوروبية؟

* مؤكد، فالتاريخ الاستعماري للدول الأوروبية يهمني كثيراً، لأنه التاريخ الذي غير شكل العالم إلى ما هو عليه اليوم، ولا تنسى أن الحربين العالميتين الأولى والثانية كان لهما أثر كبير في الشرق الأوسط كما أشرت في كتابي الأخير. فالحرب العالمية الأولى كانت السبب الرئيس في زوال الامبراطورية العثمانية بشكل نهائي، لتبدأ تركيا الجديدة في الظهور على يد مصطفى كمال أتاتورك بعد طرد السلطان محمد السادس في أكتوبر 1922 إلى جزيرة مالطا، ليصبح أتاتورك في ما بعد رئيس تركيا الحديثة، ويتولى قيادة الجيش العثماني في فلسطين قبل هزيمته هناك، وهي الهزيمة التي مهّدت في ما بعد لتحقيق وعد بلفور المطالب بإنشاء وطن لليهود في فلسطين. التاريخ حلقات متتابعة ولهذا لا ينفصل اهتمامي في التأريخ للحرب العالمية الأولى عن اهتمامي الكبير بالتأريخ للاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطينين، وها نحن اليوم نرى حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي بعد مرور أكثر من عشر سنوات على وجوده في السلطة، يعمل على إعادة إحياء الامبراطورية العثمانية من جديد، من خلال فوز أردوغان برئاسة تركيا.

بما أنك تحدثت عن فلسطين، كيف ترى الحرب الأخيرة التي شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة، هل ما زال هناك أمل للفلسطينيين في وطن آمن؟

* جوهر المشكلة الفلسطينية يكمن في أنها مشكلة استعمارية، لا تنسى أن غالبية سكان قطاع غزة الآن هم من الفلسطينيين الذين هجّرتهم إسرائيل من مدنهم وقراهم الفلسطينية لتبني فيها مستوطنات لليهود الآتين من بلدان العالم المختلفة. قرى ومدن كاملة طرد منها أهلها مثل الرملة، بئر السبع، عسقلان، وإسدود التي تحول اسمها فيما بعد إلى أشدود، والنجد التي سميت فيما بعد بـ"سديروت"، إذن حين نتحدث عن سكان قطاع غزة إنما نتحدث عن الأهالي الأصليين لكل هذه المدن التي تحولت الآن إلى مستوطنات ليهود العالم، هؤلاء اليهود الذين تمنحهم إسرائيل حق الدفاع عن النفس ضد أي فعل يصدر ضدهم من جانب سكان غزة، فيما لا يحق للفلسطيني الذي هجر من قريته أو مدينته أو يدافع عن نفسه في حال مهاجمة المستوطنين الإسرائيليين له! ولدت إسرائيل من خلال الاحتلال المباشر لدولة أخرى، وبنيت على يد يهود أوروبا الشرقيين، هناك بالطبع دول أخرى ولدت من قبل الاحتلال مثل جنوب أفريقيا على سبيل المثال، لكن المشكلة في فلسطين هي أن الاستعمار مستمر بشكل يومي في صور عديدة كالاستيلاء على الأراضي، والقمع، والاستغلال الاقتصادي وأشكال عديدة من الفصل العنصري، وطالما أن المجتمع الدولي لا يعترف بأن المشكلة الفلسطينية هي مشكلة استعمارية في الأساس فلن يكون هناك أمل على المدى الطويل للفلسطينيين في الحصول على دولتهم، لأن فلسطين هي الجرح الذي يجب أن يندمل ليعم السلام هذه المنطقة. أما في المدى القصير، فيمكن للمأزق الحالي أن ينكسر من خلال فتح حدود غزة ووقف كل عمليات الاستيطان شبه اليومية. كذلك، ينبغي على السلطة الفلسطينية نفسها أن تترفع عن الخلافات الداخلية لتواجه إسرائيل بكلمة واحدة، وحينها ستكون إسرائيل مجبرة على توفير أساسيات الحياة لآلاف الأسر الفلسطينية التي تحيافي ظروف إنسانية شديدة القسوة. فبموجب القانون الدولي ستكون إسرائيل بوصفها بلد يحتل بلداً آخر، أن يوفر الاحتياجات الأساسية للشعب المحتل، كالطرق والتعليم والصحة وغيرها، وهي الاحتياجات التي توفرها الآن أوروبا والعديد من المؤسسات الدولية، وبالتالي تدفع الدول الأوروبية وهذه المؤسسات فاتورة الاحتلال الإسرائيلي، بينما تزيد إسرائيل مستوطناتها يوما بعد يوم.

وكيف ترى الوضع الراهن في سوريا والعراق وصعود الدولة الإسلامية في كليهما، كيف ترى مستقبل هذين البلدين من وجهة نظرك؟

* بصراحة لا أتابع الموقف في العراق وسوريا بالعمق الكافي لأتحدث عنهما، خاصة بعد هذه المستجدات السريعة والغريبة على الأرض، كل ما يمكنني قوله عنهما أنهما مثل أغلب البلدان العربية، خرجتا من تحت الاستعمار الأوروبي لتتحولا إلى ديكتاتوريات بشعة، لكن بمجرد أن حاولت شعوب هذه البلدان التمرد على هذه الديكتاتوريات الرابضة على أنفاسها منذ عشرات السنين، ها هو الغرب من جديد يأتي ليفسد نية هذه الشعوب، ويبدأ في تسهيل كل السبل لبقاء الأنظمة الديكتاتورية، سواء بالأسلمة، أو بالعسكرة، وهو ما ينسحب كذلك على الحالتين المصرية والتونسية.

وما هي أحدث مشاريعك الكتابية، هل سنرى كتباً جديدة عن الحضارة العربية والإسلامية؟

* كتابي ما قبل الأخير حمل عنوان "صيف عربي، 20 امرأة في الأندلس"، حاولت من خلاله أن أدوّن التاريخ العربي في الأندلس من خلال التأريخ لحياة 20 امرأة عشن في الفترة من العام 711 وحتى العام 1640، أما كتابي المقبل فسيتناول التاريخ البلجيكي من جديد، من خلال التأريخ لمدينة بروكسل في القرن السادس عشر، حينما كانت هي مركز التوسع الاستعماري الأول في العالم، عندما بدأ الإمبراطور شارل الخامس والذي عرف باسم شارل لوكسمبورغ في توسعاته على حساب العديد من الدول الأوروبية والأفريقية، ومنها تونس والجزائر وغيرها.