'مخزِن': مستودع تجارب نصية

روجيه عوطة
الخميس   2014/04/17
"عبارات مهندسة" لمونيكا بصبوص
 في "مخزِن"، المجلة التي أطلقتها مجموعة 98 أسبوع البحثية، تنضم النصوص إلى بعضها البعض، بالبعيد من لغتها أو نوعها. إذ تتخطى هذين المعيارين، لتُنشر على سبيل الإيداع، وتُقرأ كأنها محفوظات، يمر الوقت عليها، من دون أن تتعرض للتلف، أو تُصاب بالعطب. فمع اختيار رئيسة التحرير ميرين أرسانيوس إسمها، تظهر المطبوعة كمكان لحفظ النص، وصونه من التصنيف، وتقريبه من حدّ التجريب أكثر، لا سيما أن دوره يختلف بحسب معنى التخزين، فهو إما "مستودع ورقي"، أو "غرفة تبريد"، أو "مشط رصاص حربي" حتّى. وعلى هذا الإختلاف في المؤدى، تشد النصوص بين النثري والشعري، وتتوزع بين لغات ثلاث، الإنجليزية والفرنسية والعربية بالكتابة أو الترجمة، بالفضل عن إقامة كتابها في بلدان متعددة، كمصر، والمغرب، والأردن، والولايات المتحدة الأميركية وغيرها.

وقد ساهم الكتّاب في تحويل المجلة إلى "مخزن" بسبب وصول غالبيتهم إلى التأليف عبر سُبل فنية متعددة، ما أدى إلى الذهاب بنصوصهم إلى مجالٍ، تنمحي فيه قيمة النوع لصالح الأسلوب، الذي يوافقه نمط الطباعة. فعندما تكتب مونيكا بصبوص، على سبيل المثال، نصاً فرنسياً، من الممكن عنوّنته بـ"الطرق تبدو لي بلا نهاية"، تُنشر عباراتها على شكل خرائطي، يتضمن تصميمات هندسية، شبيهة بالغرف والممرات. وذلك، بالعطف على إختصاص الكاتبة الأساس، أي فن العمارة. أما كريستوفر بيريز، فقد طُبع نصه الإنجليزي، "غداء الملاك - سفر التكوين" كمربعات مركبة من حروف لاتينية، تحتها، تحضر الشطور أو الخانات، كما لو أن هذا النص عبارة عن شبكة كلمات متقاطعة. 

وفي الجهة عينها، قد تُترك النصوص على طباعتها المعهودة، فلا تؤلف أشكالاً موازية لمضمونها، بل تتوالى عباراتها كقصائد أو مقاطع نثرية، كما هي الحال في نص مو ماريا ساركيس (بالعربية)، الذي يخلو من التنقيط، وتنتظم كلماته واحدة إلى جانب الأخرى حتى الخاتمة:"نسب صوفي/ سلعة فراغ/ شجن/ ساحة جرح/ سيولة/ فائض/ صدّ خليّة قطب". وفي نص هشام بستاني (بالعربية)، "خَلاص"، تركب الفقرات بالترقيم، ليتواصل السرد والوصف فيها، بالوحي من قصة "المنسي"، للروائي والقاص التركي أغوز أطاي:"لن يفهموك. ستظل تعجن الماء حتى تصير تراباً. وحين تبعثرك الريح في أربع جهاتها، تبقى يافطة الكولا المعلقة فوق قبرك تومض بلا انقطاع، يرقص على أنغامها رجال ونساء كثر رؤوسهم معبّأة بالهواء".


 "غداء الملاك - سفر التكوين" لكريستوفر بيريز

بالأسلبة النصية والطباعية، لا تبقى النصوص قيد النوع أو الشكل، وبعطفها على التنوع اللغوي، تصبح مضامير للتجريب، أو للتخزين، الذي لا يتعلق بوقت، من ناحية تصنيفه كلاسيكياً أو جديداً. فـ"القصيدة"، التي ألفتها المخرجة مريم ياسين بعنوان "نص الفيلم"، تظهر كأنها ورشة مونتاج، حيث تتداخل الأحداث، عدا عن الإقتباس داخله من ديوان الكاتبة المصرية إيمان مرسال "ممر معتم يصلح لتعلم الرقص". فتنتقل الكاتبة من مكان إلى آخر، ومن حال إلى أخرى، كما لو أنها تقص مَشاهد، وتعيد ربطها بحسب توجهها إلى حبيبها، الذي تسرد قصتها معه على ضوء قرار وضع ملابسه في الغسالة: "وجدت بعض ملابسك المتسخة في شنطة سفري القديمة/ ما زالت رائحتك فيها/ رغم مرور كل هذا الوقت/ ربما سأضع ملابسك المتسخة في الغسالة/ وأغسل آخر فرصة إيروتيكية تجمعنا".
 
يبقى أن "مخزِن"، بوصفه تعريباً اشتقاقياً من "مغازين"، قد جمع 21 نصاً، أشرف على تحريرها كل من عمر برادا، ولارا خالدي، وغالية سعداوي. إذ خزنوا النصوص في مجلتها، التي تصفها ميرين أرسانيوس في افتتاحيتها بأنها تصل بين مناطق متباعدة بالمسافة والوقت، وبين الرغبات اللاواعية، والتفاصيل غير المألوفة. هذا ما سعى إلى تظهيره العدد الأول، وفلح فيه بالنسبة، وليس بمخزونه الكامل...لننتظر العدد الثاني!