يزن خليلي مسائلاً المسافة

محمود عمر
الأربعاء   2014/04/16
من معرضه "بخصوص المسافة" في لندن
لا تربط الصّورة في أعمال يزن خليلي (1981) "بين القلب والقلب"، على ما رأى سركون بولص. كلمة السر في أعمال الفنّان الفلسطيني الحاصل على شهادة في الهندسة المعماريّة من جامعة بيرزيت، لا سيّما حين يتعلق الأمر بالصور الفوتوغرافيّة، ليست الربط ولا القرب، بل "المسافة". يبني خليلي على مقولة هايدغر: "الصور الفوتوغرافيّة تنفي البعد، لكنها لا تستجلب قرباً بالضرورة". وعنوان المعرض الأخير للفنان في لندن "بخصوص المسافة" جاء من صميم هذه الثنائيّة.

يشمل المعرض، إضافة إلى "بخصوص المسافة"، مشاريع عدة منها "الكائنات الفضائيّة"، "تصحيح لوني"، "عن الحب ومناظر أخرى"، "كيف أتحدث عن ألمي؟"، وعملاً تحضر فيه فلسطين باعتبارها "مثلثًا قائماً متساوي الأضلاع". في الأخير، يعيد خليلي التأكيد على فعله الطفوليّ برسم فلسطين في شكل مثلث قائم. فلسطين بخطوط رصاصيّة وزوايا حادّة لا ترحم. فلسطين من دون بحيرة طبريّا والبحر الميِّت، من دون تحديد للضفَّة الغربيّة وقطاع غزَّة، من دون مناطق "أ"، "ب"، و"ج"، من دون حواجز وجدار. فلسطين باعتبارها تجسيداً للسّهل الممتنع.

الصور الفوتوغرافيّة المعروضة عبر المشاريع هي نتاج أربع رحلات تصوير قام بها خليلي مع صديقه زياد في "المشهد الفلسطيني" ليلاً. أولى تلك الرحلات كانت في تشرين الثاني 2008 وآخرها في حزيران 2009. لم يكن هدف تلك الرحلات شبيهاً بأي رحلة نعرف عنها ونشاهد من خلالها صوراً منزوعة الكافيين لشرق فلسطين المهشّم. كانت رحلات خليلي وصديقه زياد مغامرة انعقد فيها مصير الصّورة بمصير قراءتها. حاول خليلي كسر قالب "التوثيق" لمفاعيل الاحتلال الاسرائيليّ. لم يرد إنتاج "صور سهلة" – وما أكثر "منتجيها" في الضفّة الغربيّة – بل حاول العبور إلى ما هو أبعد من ذلك.



أراد خليلي أن يسلِّط الضوء، من خلال تلمّس العتمة في المشهد الفلسطينيّ، على مساحات جديدة تتعدّى لازمة الإنتاج المُضطهَد إلى فضاءات مساءلة الذات والتحقيق الهادئ في تحوُّل "الصّورة"، تحت وطأة تفاعلات اجتماعيّة وسياسيّة مطولة، إلى أداة ذات نزعات استعماريّة تروِّض القلب الفلسطيني وتآلفه مع "المسافات التي لا يمكن قطعها" حتى ينتهي بها المطاف بأن تصبح مشهداً في حدّ ذاته، بدلاً من أن تكون ما هي عليه حقًا: مجرَّد صورة لمشهد ممنوع.

يقول خليلي عن هذا الجهد النقدي، في حديث إلى "المدن": "الصورة وحدها لا يمكن أن تكون سياسيّة لأنها مثبتة في نطاق التوثيق وإثبات ضحويّتنا، في صنع مشهد من عنف صنع المشهد، وفي جعل ما يجب محاربته مرئياً. في رأيي، جعل الصورة سياسيّة في وسط استهلاكها/انتاجها، هو في خلق اللامرئي، في جعل المرئي لامرئياً، أي العمل ضد الصورة المألوفة والسياسة المألوفة التي تضيع القارئ والمصور الثابت والمضطهد في نطاق واحد".



في عمله "الكائنات الفضائيَّة"، يضع يزن خليلي يده على موضع جغرافي سقط سهواً من تاريخ الضفّة الغربيّة، حيث وجد بقايا ما يُعتقد أنّها تجهيزات لبناء مدينة ملاهي ومطاعم قبل أن تندلع الانتفاضة الثانية وتخرب كل خطط الاستثمار.



التعليق المرافق لصور العمل المعلّقة يصنع سرديّة مكثّفة في واقعيّتها السحريّة: "ليست العودة إلا خيالاً. ولذلك، عدنا في الخيال. دخلنا منطقة إسمها "ج". مشينا لأيّام منتظرين الليل والمطر. لكن ما نزل علينا كان سفنًا من الفضاء. كلّ شيء كان حقيقياً. ضحكنا بصوتٍ عالٍ. قالت لنا غيمة مرّة: "ولكن، ليس ثمّة عودة حقيقيّة". ولذلك سألنا النجوم: هل سنعود، أبداً؟".

في هذا العمل، وفي غيره، يحقق خليلي مع هذه اليقينيّات الفلسطينيّة. يضعها تحت مصباح تنجستون أصفر وينفخ في وجهها دخان السجّائر. يقول لـ"المدن" إنّ الفلسطينيين لديهم هذه القدرة العجيبة على رؤية ما هو وطنيّ في كل شيء. يرون، مثلاً، خريطة وطنهم في قطعة من رغيف الخبز أو في ترتيب معيّن للنجوم. فنسأله: صور مشروع الكائنات الفضائيّة موضوع بطريقة تذكّر بخريطة فلسطين، هل قصدت ذلك؟ فيضحك خليلي قائلاً: لا، هذه صدفة. مجرّد صدفة.

يستمر معرض يزن خليلي "بخصوص المسافة" في لندن – غاليري Edge of Arabia – لغاية  24 أيار/ مايو المقبل.