مفرقعات سعدي يوسف

محمد حجيري
الخميس   2014/11/20
عبارة "عراق العجم" أثارت سخط شاعر مغمور في بغداد، فقرر حرق كتب سعدي في شارع المتنبي

منذ مدة، والشاعر العراقي سعدي يوسف، الذي يصف نفسه بأنه "الشيوعي الأخير"، يثير الجدل الفايسبوكي والصحافي والمفرقعاتي والفقاعي، حول بعض كتاباته الشعاراتية أو التي يتخذ فيها مواقف وآراء هجائية وساخطة وانفعالية و"صعلوكية" بجمل قليلة ومختصرة... من كتاباته عن المعارض السوري برهان غليون وثيابه واتهامه بالعمالة للأمن الفرنسي، إلى استخفافه وتهكمه على الشبان الذين كانوا شرارة "الربيع العربي"، قائلاً: "الدجاجُ، وحده، سيقول: ربيعٌ عربيّ (...) الفايسبوك يقود الثورة في بلدانٍ لا يملك الناس فيها أن يشتروا خبزَهم اليوميّ!".

في خضم الثورات العربية اتهم سعدي يوسف المتظاهرين بالأمرَكة، وفُهم من موقف "الشيوعي الأخير" أنه يناصر الدكتوتاتوريات، ووُضع مع أدونيس وأنسي الحاج ونزية أبوعفش في خانة واحدة، مع اختلاف وجهات النظر في ما بينهم. وسرعان ما تلاشت آمال الربيع مبدئياً، وزال النقاش معها، وعاد كل إلى موقعه، وحل مشهد "الحرب على الإرهاب".

على أن التغريبات الكتابية لسعدي يوسف ليست ضد فئة محددة، أو شخصيات بذاتها. فما يقوله يتبع اللحظة وربما الحدث أو المزاج الشعري. فسبق أن أثار سخط بعض الجماعات الشيعية في العراق، حين كتب ضد رجل الدين علي السيستاني، من منطلق أنه ضد "الامبريالية" وأميركا، وهذا جعل بعضهم يقول ان سعدي كتب قصيدته من موقع لا يحسب له، عندما ناصر تنظيم "القاعدة" في مدينة الفلوجة، ففي قصيدته "الفلوجة تنهض"، قال: "جاؤوا باسمِ السيستانيّ:
أوّلِ مَن أفتى، في الإسلامِ، بِـنُصرةِ محتلٍّ كافرْ
 السيستانيُّ الكافرْ...".

يمكن للمرء هنا أن يقف عاجزاً عن فهم سعدي يوسف والسيستاني والولاءات المتناقضة. الأول يقف في خندق "القاعدة" لمجرد أنه تنظيم ضد اميركا. والثاني يقف مع أميركا (الشيطان الأكبر) لمجرد الخلاص من صدام حسين وتداعياته. هذه هي المزاجية السائدة في الشرق الأوسط والتي بُنيت عليها تأويلات كثيرة، ويمكن اختصارها بأنها هذيانات مجتمعات ودول غير قادرة على إدارة نفسها.

أيضاً، سخر سعدي يوسف من بَشَرة الرئيس الأميركي باراك أوباما: "ليسوا بِيضاً مثل الرئيس الأميركيّ، باراك حسين أوباما، الأشدّ بياضاً بين رؤساء أميركا الأربعة والأربعين!". وقتها، اعتبره البعض عنصرياً، والفكاهة أن بعضهم الآخر (من الشعراء طبعاً) برّر لسعدي قائلاً إنه يحق له في المجاز اللغوي، كما يحق للمتنبي الذي كان عنصرياً فاقعاً في بعض أبياته كما في: "لا تشترِ العبدَ إلا والعصا معه...". هل يدرك المدافعون عن سعدي يوسف تحت مظلة المتنبي أن الفرق الزمني بين الشاعرين اكثر من ألف عام؟ وهل يدرك هؤلاء أن التشريعات الانسانية والحقوقية، وحتى الأطر الشعرية، تبدلت؟ وعلى هذا لم يعد من مجال للمقارنة تحت اي ذريعة...

وتستمر المفرقعات السعدي يوسفية، فأصدر ديواناً بعنوان "عيشة بنت الباشا"، يتضمن قصيدة "عائشة أم المؤمنين" التي أثارت غضب جماعات وشعراء، ووصل الأمر إلى حد إصدار منظمة "شعراء بلا حدود" بياناً اعلامياً أعلنت فيه حذف اسم سعدي يوسف من قائمة أفضل 100 شاعر عربي، ووصفت فيه القصيدة بأنها "رخيصة فنياً وأخلاقياً، وهو ما تم استهجانه من أبناء الأمة ومثقفيها على اختلاف عقائدهم وتوجهاتهم"... لا نريد الدخول في نقاش حول قصيدة سعدي يوسف، لكن يمكننا القول أن مجموعة تسمى نفسها "شعراء بلا حدود" تبدو في بيانها "محدودة جداً"، والأجدى وصفها بـ"شعراء محاكم التفتيش"...

والآن، وصلت الأخبار السعدي يوسفية الى مفترق جديد، فكتب "الشاعر الكوني" (يا لفراغ هذه التسمية التي أطلقتها عليه مجلة "بانبيال"!)، عن عروبة مصر وعجم العراق قائلاً: "ما معنى السؤال الآن عن أحقيّة العراقِ في دولةٍ جامعةٍ؟ ما معنى أن يتولّى التحكُّمَ في البلدِ، أكرادٌ وفُرْسٌ؟ ما معنى أن تُنْفى الأغلبية العربية عن الفاعلية في أرضها التاريخية؟ ما معنى أن تُستقدَم جيوشٌ من أقاصي الكوكبِ لتقتلَ عرباً عراقيّين؟ ما معنى أن تكون اللغة العربية ممنوعةً في إمارة قردستان عيراق البارزانية بأربيل؟
إذاً: نحن في عراق العجم!".

والعبارة عن "عراق العجم" أثارت سخط شاعر مغمور في بغداد، فقرر حرق كتب سعدي في شارع المتنبي، وحدد موعد الحرق أو "الإعدام" غداً الجمعة (21 الجاري)، وتم "تبهير" خبر الشاعر المغمور في بعض وسائل الاعلام، فكُتب: "انتهت مجموعة من الأدباء من تحضيراتهم لحرق كتب الشاعر... احتجاجاً على ما اسموها إساءات الشاعر لأهل الجنوب وما جاء في قصيدته الأخيرة التي نعتت العراق بأنه عراق العجم"... أمر مضحك أن يتحول تعليق فايسبوكي عابر إلى قنبلة اعلامية، ويتم تكبير اسم شاعر مغمور ليصير في الخبر طائفة من الشعراء والمثقفين. على أن السخط السعدي يوسفي، باتت ممجوجاً، وعرفنا مثله الكثير في الشعر العربي، فلم يعد جديداً. عرفنا مثله في قصائد لنزار قباني "هوامش من دفتر النكسة"، و"قمر وخبز وحشيش"، وأيضاً في انفعالات مظفر النواب وشتائمه السوقية للعرب، والتي سرقت الأضواء من شعره الجيد، من دون أن ننسى سخريات أحمد فؤاد نجم...الخ.

باختصار يمكن القول أن سخافة الإيديولوجية العروبية الجوفاء التي يرفعها سعدي يوسف (الشيوعي)، ضد ما يسميه "عراق العجم"، تقابلها في الوجه الآخر، سذاجة الشاعر المغمور الداعي الى الحرق والذي ينتمي لاوعيُه الى الثقافة الداعشية!