أفغانستان... الحرب ليست كل ما يحدث هناك

جوزيف الحاج
الثلاثاء   2014/10/21
لحظات يومية بالأبيض والأسود
بعد نجاح معرضه "الحياة في الحرب" في مهرجان الصورة الصحافية العالمي الذي ينعقد سنوياً في بربينيان الفرنسية ("فيزا الصورة"- 2013)ن ينال الإيراني مجيد سعيدي، اليوم، جائزة "فوتو إيفيدانس" 2014، عن كتابه الذي حمل العنوان نفسه (85 صورة بالأسود والأبيض. تقديم إد كاشي) وصدر في نيويورك في 16 تشرين الأول الحالي.

يغطي سعيدي الصراع في أفغانستان منذ أكثر من عقد. إهتمامه بهذا البلد وبشعبه تجاوز عناوين الأخبار، فمنذ العام 2009 وهو يخالط الأفغان ليصوّر قصصاً من حياتهم اليومية المحاصَرة بالعنف. وما دفع سعيدي للبحث عن الإنسان خلف الموت والدمار هي الرغبة في التعرّف على الناس الذين يتواصل معهم بعمق، بعيداً من المظاهر السطحية: "كمصوّر، أعتقد أن مسؤوليتي هي إظهار طريقة حياة الآخرين. ننزوي في بيوتنا فنجهل حتى جيراننا. أردت الإقتراب أكثر من الأفغان العاديين، عشت بينهم، شاركتهم المأكل وحدثتهم. سردت قصصهم التي أصبحت جزءاً من حياتي".

سعيدي الذي صوّر حروباً على مدى 20 عاماً، حصد جوائز عديدة، منها "مصور العام" لمرّات. وفي حين كرّست تلك الجوائز مهنيته العالية، يعتبر سعيدي أن المكافأة الوحيدة للمصور هي رد فعل الناس العاديين أمام صوره: "الأهم بنظري هو عرض الحياة اليومية.  تُسعدني وجوه زوّار معارضي أكثر من الجوائز".

الكتاب برأيه يروّج للصورة، ويوصل قصصاً مكتملة إلى المشاهدين، أكثر مما يؤديه القليل منها في سياق إخباري سريع ومختصر: "صور الأخبار هي أجزاء صغيرة ناقصة من قصص أشمل. آمل من خلال كتابي فهماً لواقع الحياة في أفغانستان".

في "الحياة في الحرب" تركيز على أولئك الذين يعيشون مهددين بالعنف، حيث التفجيرات والرصاص هي إيقاعات الوجود اليومي، وحيث الألغام المنتشرة في الأرياف يمكن أن تحوّل الأجساد البشرية إلى أشلاء في لحظات. بين الدمار والإحساس الدائم بالخطر تستمر الحياة، يولد الأطفال ويتزاوج الكبار، يلعب الصغار ويشقى الكبار لكسب عيشهم.

عندما ننظر إلى السنوات الـ35 التي عاشها هذا البلد وسط الحروب، نلاحظ أن أجيالاً لم تعرف حياة خالية من العنف. تلك خلاصة مرعبة تختصرها وجوه ناس صور سعيدي: "إنهم لا يتوقعون عودتهم إلى بيوتهم في كل مرة يخرجون منها. الحرب هي الموت الذي يحاصرهم من كل الجهات. الحياة في الحرب، تعني العيش في مفارقة." يقول سعيدي.

بالأسود والأبيض يلتقط تلك اللحظات اليومية التي تصنع الحياة: خَبْز العجين، خياطة الثياب، التسوّق في البازار، تحلّق العائلة حول المائدة، لعب الأطفال بين الدمار. جنباً إلى جنب مع هذه النظرات العابرة للحياة الإعتيادية، تتكشّف الندوب العميقة للحرب. نساء محاصرات بقوانين مُجحفة، أطفال وبالغون فقدوا أطرافهم، عائلات فقدت أحباءها، بيوت مهدّمة وشوارع من دون بنى تحتية.

يريدنا سعيدي أن ننظر إلى صوره بإمعان، أن نطيل النظر لنبصر الإنسان القابع خلف الوجوه التي مزقتها الحروب: "شاهدنا صوراً لا تحصى عن أفغانستان، لا سيما صور الجنود وعمال الإغاثة، لكنها لم تنقل لنا صورة أفغانستان الحقيقية. الحرب ليست الأمر الوحيد الذي يحدث هناك" يقول.

رغم أن صور "الحياة في الحرب" تترك المُشاهد مرتاباً بحرب تخيّم على كل الأمكنة، فهي أيضاً تعبير عن قوة الروح الإنسانية وحب البقاء. رغم المصاعب تتجدد آمال هؤلاء الناس كل يوم. الأمل هو الصورة الوحيدة لهذا البلد الممزّق بالحروب: "في عملي عن أفغانستان أوليت الإهتمام للحياة اليومية، لأنها الشيء الوحيد الذي يستمر رغم المخاطر. أعتقد أن الأهم بالنسبة للمصور، أن يشارك الآخرين حياتهم كما يعيشونها، ويختبر تجاربهم".