لقاء موسكو الرباعي..اللقاء من أجل اللقاء

العقيد عبد الجبار العكيدي
الجمعة   2023/04/28
بات من نافل القول أن الصراع الإقليمي والدولي على الجغرافيا السورية لم يكن في يوم من الأيام محصوراً بمصالح المتصارعين داخل تلك الجغرافيا فحسب، بل ربما باتت القضية السورية فضاءً لإدارة الكثير من الأزمات التي تعصف بدول المنطقة، وربما لهذا السبب لم يعد أي لقاء بين الأطراف المتصارعة والنافذة في الشأن السوري، معنيّاً في نهاياته ومخرجاته بالمسألة السورية.
لعل هذا الأمر هو ما دعا الكثير من مراقبي ومتابعي لقاء موسكو الرباعي في 25 نيسان/أبريل، الذي جمع وزراء دفاع ورؤساء استخبارات كل من روسيا وتركيا وطهران ونظام الأسد، لا ينتظرون الكثير مما يمكن أن يكون ذا أثر على المشهد السوري عموماً، إذ من المعلوم في الصراعات السياسية طويلة الأمد، أن يكون مجرد اللقاء هو هدف بحد ذاته أحياناً، بعيداً عن نتائجه الملموسة أو الواقعية، ولعل هذا كان حال لقاء موسكو المشار إليه آنفاً، وهو اللقاء الثاني من هذا الطراز.
ولم يكن مستغرباً أن تكون ردود الفعل للأطراف المجتمعة في لقاء موسكو الثاني مختلفةً بالمجمل، خصوصاً أن المجتمعين لم يصدروا بياناً مشتركاً، وإنما عقّب كل طرف من خلال وسائل إعلامه الخاصة، بما يريد أو بما ينسجم مع مسعاه. ففي الوقت الذي أبدى فيه الإعلام التركي حفاوة باللقاء ووجده حافلاً بما هو مهمّ، كالتباحث حول مسألة إعادة اللاجئين السوريين، وسبل الحل السياسي في سوريا، ومحاربة كافة الأطراف والجماعات الإرهابية، ولم يتوانَ وزير الخارجية التركية حتى عن تحديد موعد للقاء يجمع بين الأسد وأردوغان في أيار/مايو، إلّا أن هذا الاحتفاء الإعلامي التركي لم يكن ثمة ما يوازيه لدى نظيره السوري، إذ اكتفت صحيفة الوطن الموالية للسلطات الأسدية، بالحديث ولأول مرة بشكل صريح عن أن لقاء موسكو الرباعي بحث في مسألة تمكين نظام الأسد من السيطرة على الطريق "إم-4"، المهم للنظام تجارياً وعسكرياً ومعنوياً، والذي يربط محافظة الحسكة بالساحل السوري مروراً بمحافظات الرقة وحلب وادلب، ما يعني عودة الحديث عما عجزت عن تنفيذه أطراف أستانة سابقاً، بإقامة منطقة عازلة على جانبي الطريق بعمق 6 كم، تنفيذاً لمذكرة التفاهم الموقعة بين روسيا وتركيا في الخامس من آذار/مارس 2020.
هذا الاختلاف في ردود الأفعال يعكس بالفعل ما يريده كل طرف، ولئن كانت أنقرة حريصة كل الحرص على أن تبقى مسألة اللاجئين السوريين بكامل قبضتها، وأن يكون بساط القضية السورية مسحوباً بالكامل من أيدي أحزاب المعارضة التركية، فإنها ستكون حريصة في الوقت ذاته على أن تبقى مسألة التطبيع بين أنقرة ودمشق محافظة على وهجها، وعلى الأقل في سخونتها الإعلامية، ريثما تتجاوز استحقاقها الانتخابي في 14 أيار. 
ولم يكُن نظام الأسد ليغفل عما تريده أنقرة، فهو يدرك جيداً أن مشاركته في هكذا لقاء ستكون لترجيح أو تقوية ورقة حزب العدالة والتنمية في مواجهة أحزاب المعارضة التركية، ولكنه على الرغم من ذلك وافق على حضور اللقاء، ليس انحيازاً إلى جانب حكومة أردوغان، ولكن رضوخاً لضغوطات حليفه الروسي الداعم لأردوغان في انتخاباته المقبلة، وهذا ما يعزز القناعة لدى بشار الأسد بأن عليه ألّا تكون مشاركته في اللقاء الرباعي متجاوزة لدورها الوظيفي المحدد مسبقاً، يدعمه ويؤازره في ذلك شريكه وحليفه الإيراني الذي يرى أنه صاحب الأحقية الكاملة في إدارة الشؤون المصيرية لنظام الأسد، كما يرى أيضاً أن المسار الأهم للتطبيع مع نظام الأسد هو المسار الذي تمتلك مفاتيحه طهران، وقد بدأت إرهاصات هذا المسار بالتبلور مع المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج.
لا شك أن نظام الأسد لم يعد يؤرقه البحث عن كسر جدار العزلة السياسية عن محيطه العربي والإقليمي، فتلك مسألة قد تجاوزها كما يعتقد، وإنما بات صاحب خيارات أتاحتها له ظروف دولية وإقليمية جديدة، وعليه أن يستثمر تلك الخيارات وفقاً لأولوياته وأولويات حليفه الأقوى والأقرب، وهو طهران بلا أدنى ريب. وإذا كانت أبواب الدول العربية قد بدأت تُشرع أمام الأسد من جديد، وبقيادة وهندسة الوصي الإيراني، ولن يكون الدخول من تلك الأبواب مشروطاً أو مقروناً بأية التزامات تطال مصيره أو استمراره في السلطة، فلماذا يلجأ إلى أبواب أكثر ضيقاً ووعورةً، ونعني الأبواب التركية؟ فمهما تكُن درجة التخاطب الإعلامي والتغازل المجاني بين أنقرة ودمشق، إلّا أن تركيا لا تزال تدعم فصائل المعارضة السورية، وتحوي على أراضيها كيانات المعارضة الرسمية، فضلاً عن النفوذ العسكري التركي على مدن وبلدات الشمال السوري، وربما التغاضي عن ذلك كله من جانب النظام يفقده ورقة المزايدة أمام مؤيديه من السوريين والعرب، وبالتالي إذا كان ثمة مساران متاحان أمام نظام الأسد لخروجه من العزلة، مسار عربي من إنجازات إيران، ومسار تركي من إنجازات روسيا، فيبقى الإنجاز الإيراني هو الأكثر ضمانة للنظام، وذلك لا يعني التنكر للإنجاز الروسي على أية حال.