كيف ينظر السوريون الى طوفان الأقصى..وتداعياته على قضيتهم

العقيد عبد الجبار العكيدي
السبت   2023/10/14
© Getty
منذ الساعات الأولى لعملية طوفان الأقصى تباينت ردود فعل السوريين ومواقفهم حيال حدث نوعي فارق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك على تداعيات ما جرى في 7تشرين الأول/أكتوبر، على الداخل الفلسطيني من جهة، وعلى ساحات الجوار العربي وفي مقدمتها الساحة السورية الأكثر تأثراً بما يحصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة من جهة أخرى.
قبل تسليط الضوء على طبيعة هذا التباين لابد من استحضار المخاوف السورية من محاولات ايران وحزب الله ونظام الأسد تجيير واستثمار المواجهات والحروب بين المقاومة في غزة بقيادة حركة حماس والجيش الإسرائيلي، وقد ترسخت هذه المخاوف في حروب سابقة خاضتها الحركة وفصائل المقاومة الأخرى الحليفة لإيران مع الكيان الصهيوني ولا سيما خلال أعوام 2019-2020-2021، حيث اعتاد السوريون وهم يواجهون الخطر الإيراني في وطنهم وما ارتكبته الميليشيات التابعة لإيران من جرائم ومجازر بحقهم، على إهداء انتصارات المقاومة في تلك الحروب الى حليفهم الإيراني ومن ارتكب افظع المجازر بحقهم وبحق شعوب عربية أخرى في العراق واليمن ولبنان.
على غير ما هو معهود في العلاقة الفلسطينية السورية التي تميزت بدعم الشعب السوري للقضية الفلسطينية منذ بداياتها واعتبارها قضيته المركزية وتضامنه مع معاناة شعبها، فقد أدى ربط تحركات وأنشطة المقاومة في غزة بالمباركة والدعم الإيراني الى عزوف شرائح واسعة من السوريين المنكوبين عن التفاعل الإيجابي مع المواجهات الأخيرة التي تشهدها غزة، من وحي خشيتهم من استمرار طهران والنظام السوري الاستثمار والمتاجرة بانتصارات المقاومة الفلسطينية وتضحيات الشعب الفلسطيني.
الا اننا شهدنا على وقع عملية طوفان الأقصى وجود مؤشرات جديدة جعلت مواقف السوريين تتباين مع مزيج من الارتباك في النظر الى تداعياته لأسباب عديدة من أهمها:
أولا- ضخامة واستثنائية الأداء العسكري لكتائب عز الدين القسام والذي شكل ولأول مرة في تاريخ الصراع بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال عبورا معاكسا من غزة باتجاه المستوطنات والبلدات في غلاف غزة، وحجم الصدمة التي سقطت على رؤوس قادة جيش الاحتلال، بعد تمكن مجموعات المقاومة من دخول المواقع العسكرية المحصنة لقوات الاحتلال وتكبيدها خسائر بشرية ومادية لم يسبق لإسرائيل ان تكبدتها طيلة حروبها مع المقاومة والجيوش العربية.
ثانيا- تلاشى الانطباع الذي ساد في الساعات الأولى للعملية والذي قام على ربطها بموافقة ودعم إيران، اذ سرعان ما نفت الوقائع هذا الاعتقاد عندما صرح قادة حماس بعدم معرفة إيران وحتى قادة حماس أنفسهم بتوقيت وتفاصيل العملية العسكرية الكبيرة، وما أحيط بها من كتمان وسرية قبل تنفيذها، ثم تأكيد ذلك بنفي المرشد الإيراني علي خامنئي أي معرفة لإيران أو أي اطلاع على ما جرى.
ثالثا- وجود حالة من عدم الوضوح في تعامل ايران وحزب الله مع تداعيات هذه العملية التي وضعتهم امام امتحان وحدة الساحات ووجود حسابات مختلفة لديهم عن حسابات المقاومة الفلسطينية، لاسيما ان أداء جزب الله في تفاعلاته العسكرية المدروسة والمحدودة في الجنوب اللبناني تشير الى عدم ذهابه نحو التصعيد وفتح جبهة الشمال من أجل تخفيف الضغط عن جبهة غزة، ولم يكن الموقف الإيراني اقل حذراً وتردداً في عدم إعطاء تصريحات ومواقف توحي بذهاب ايران هي الأخرى نحو التصعيد، وبالتالي تفيد تلك المؤشرات والمعطيات يوماً بعد يوم بأن ربط المواجهة المشتعلة في غزة بالطرف الإيراني وحليفه في لبنان ليس لها أساس كبير من اليقين.
أمّا السيناريو الجديد وعدم إمكانية فصل تداعيات العملية عن الساحة السورية، فيرتبط بدور إسرائيل ونتنياهو بالتحديد بالحفاظ على نظام الأسد طيلة السنوات الماضية، وهي من الحقائق المعلنة بدلالة ما نشرته صحيفة التايمز البريطانية عام 2013، عن نتنياهو بانه يجب ان يبقى الأسد، مما اثار جدلاً بين القوى والنخب السورية المعارضة وجعلها تستقرئ تحولات المشهد الفلسطيني بعيون مفتوحة تحاول فهم كيفية تعامل الإيرانيين مع المواجهة الأخيرة والتضامن الشعبي مع الضحايا الفلسطينيين دون ربط ذلك بعلاقة قوى المقاومة الفلسطينية مع إيران.  
 على الرغم من ان القناعة أصبحت راسخة عند السوريين وحتى عند قيادات المقاومة الفلسطينية بأن ايران لا يمكن ان تستخدم الميليشيات الشيعية سواء العراقية او السورية او اليمنية، التي بنتها ودربتها وتعتبرها رأس الحربة وخاصة حزب الله، في أي مواجهة مع إسرائيل، فالمواجهة مع إسرائيل ليست مشروعها، بل مشروعها السيطرة على المنافذ البحرية (المتوسط والاحمر والمحيط الهندي) من خلال السيطرة على الدول العربية المطلة عليها، من العراق شرقاً الى سوريا ولبنان غرباً واليمن جنوباً، وبالتالي لا يمكن توريط تلك الميليشيات في مواجهة او حرب مفتوحة مع إسرائيل، الا انه وضمن هذا الجدل هناك فرضية أخرى تعتقد باحتمالية توسع هذه المعركة واشتعال جبهات المقاومة من لبنان وسوريا، وللتوقف عند هذه الفرضية لابد من قراءة المشهد العسكري على الجبهتين بشكل دقيق وفرص نجاح أي عملية عسكرية من تلك الجبهات. 
التضاريس الجغرافية لجبهة جبل الشيخ وسلسلة الجبال الممتدة الى لبنان متشابهة بالنسبة للدول الثلاث إسرائيل وسوريا ولبنان، مع اختلاف بسيط في الارتفاع حيث تسيطر إسرائيل على القمعة الأعلى وارتفاعها 2400 م عن سطح البحر، فيما القمة التي يسيطر عليها الجيش السوري ارتفاعها 2200 م، ويفصل بينهما قوات الطوارئ الدولية.
في حال اتخذ القرار السياسي في طهران بدخول المعركة وتوسيع رقعتها الجغرافية وهذا مستبعد، فمن غير المتوقع ان تكون الجبهة اللبنانية مسرح عملياتها، فحزب الله ورغم امتلاكه ترسانة  صواريخ  أرض أرض من أنواع (فاتح110، توشكا، الرعد، S800 صينية الصنع، M600  سكود معدل) وأنواع أخرى، وكل تلك الأنواع يتجاوز مداها العمق الإسرائيلي بكثير، وبإمكان عدد كبير منها اختراق القبة الحديدية الإسرائيلية، إلا انه يعاني من وضع داخلي لبناني رافض لزجّ لبنان في أي صراع، ودخوله المعركة قد يؤدي الى انهيار سياسي واقتصادي شامل، فالوضع مختلف عن حرب تموز 2006 ونصر الله  يدرك تماماً ان أغلب القوى السياسية المسيحية والدرزية والسنية تترقب بفارغ الصبر انهيار حزب الله الذي يهيمن على مفاصل الدولة اللبنانية بالقوة ويتحكم بها بدعم إيراني واطراف دولية أخرى.  
اما الجبهة السورية: فسوريا منذ اثني عشر عاماً ساحة حرب مفتوحة لتصفية حسابات القوى الإقليمية والدولية، وهناك تواجد كبير للميليشيات التابعة لإيران بالقرب من خطوط الجبهة، الا انها لا تمتلك إمكانيات عسكرية وقوة صاروخية قادرة على تهديد إسرائيل واستهدافها في العمق، الا في حال استخدام ألوية الصواريخ في جيش النظام والتي تمتلك صواريخ سكود، وهي اللواء 155 في منطقة القطيفة، واللواء 157 في قرية خربة الشياب على طريق السويداء، واللواء 156 في منطقة حفير تحتا، ولكن هذا الاحتمال غير ممكن كون من يتحكم بتلك الالوية هي القوات الروسية. 
يبقى خيار التسلل والهجوم عبر الجبال التي تؤمن تقدم القوات المهاجمة بشكل مخفي ومستور بشكل واسع النطاق ومن اكثر من محور ومسلك، وليس من السهل أبداً إمكانية كشف  تحركاتها، وهذا النوع من الهجوم يعتمد على عنصر المشاة ولا يتطلب سوى أنواع محددة من الأسلحة الفردية والخفيفة، فالمسافة القريبة بين كلا الجبهتين التي تقدر من 400 م الى 2 كم، تساعد على ان يكون الالتحام سريعاً، وفائدة هذه الخاصية هي أنها تبعد الذراع الطويلة للطيران وتحيده عن المشاركة في المعركة، حتى ان استخدام الحوامات في الجبال من قبل القوات المدافعة ينطوي على مخاطر كثيرة اذا كانت القوات المهاجمة منتظمة ومعدة بشكل جيد للقتال في الجبال، وذلك  باستخدام الكمائن النارية بواسطة الأسلحة العمياء مثل الرشاشات 23مم او 57 مم والتي يصعب على الحوامات التعامل معها، وهذا النوع من القتال في الجبال حيث التماس المباشر بين الطرفين تكون وسائط القوة التي تمتلكها إسرائيل خارج منظومة الدعم الممكن تقديمه لقواتها، وبالتالي يبقى عامل الإرادة والعقيدة واللياقة البدنية العالية هو عامل  الحاسم.
ما هو مؤكّد انه من الصحيح أن حركة حماس هي من بادر بالمعركة – وهي مبادرة مشروعة بكل الأحوال – إلّا ان تداعيات المعركة وامتداداتها الإقليمية وسيرورتها الميدانية والسياسية باتت خارج قدرات حماس وسيطرتها، وهنا يأتي دور قادة الحركة والقائمين عليها وبراعتهم في القدرة على التأثير والتحرك أمام الرأي العام، وكذلك القدرة على الإقناع وحشد الاصطفافات لصالح قضية فلسطين، أي إن القدرة على إدارة المعركة سياسياً ودبلوماسيا لا تقل شأناً عن الإدارة العسكرية.