الرسوب الجماعي بريف حلب..خطيئة المجالس ومكاسب الجامعات الخاصة

منصور حسين
الخميس   2022/08/18
هزة عنيفة تعرض لها قطاع التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة، بعد الإعلان عن نتائج امتحانات الشهادة الثانوية العامة لطلاب أرياف حلب الشمالية والشرقية، الذي شهد تسجيل معدلات رسوب غير مسبوقة، دفعت الكثيرين للتشكيك في صحة النتائج والحديث عن فساد القطاع التربوي وعدم استقلاليته.
وفوجئ طلاب الشهادة الثانوية في مناطق سيطرة الحكومة المؤقتة والمجالس المحلية بتجاوز نسبة الراسبين 70 في المئة، بعد صدور النتائج على المواقع الالكترونية الخاصة بمديريات التربية لولايات كلس وغازي عنتاب وهاتي التركية.
واكتفت المواقع بإظهار النتائج النهائية للطلاب إما بكلمة " BAŞARILI" والتي تعني ناجح أو كلمة " BAŞARISIZ" وتعني راسب، دون تقديم معلومات تفصيلية عن نتائج المواد من قبل التربية التركية، مع غياب توضيحات مسؤولي القطاع التعليمي للمنطقة، الأمر الذي اعتبر حلقة جديدة لحالة الفوضى في مؤسسات التعليم بريف حلب.

ارتفاع معدل الرسوب
وبناءً على حصة الراسبين، فإن نسبة كبيرة من المتقدمين لن تكون قادرة على الالتحاق بالجامعات والكليات الموجودة في ريف حلب، فضلاً عن اضطرار نسبة غير قليلة من الحاصلين على الشهادة الثانوية التسجيل في أقسام وأفرع لا تتناسب مع رغباتها.
وخلال العامين الماضيين كان معدل القبول في كلية الطب 77 في المئة والهندسة 80 في المئة، أما العام الحالي فإن هذه المعدلات لا تضمن النجاح للطالب، وعليه فإن هذه الأقسام وغيرها ستشهد ارتفاعاً في معدلاتها، ما يجعل الطالب يضطر إلى التخلي عن حلمه واختيار أقسام تتناسب مع علاماته وقدرته المالية.
ويوضح عضو نقابة المعلمين محمد دوبك ل"المدن"، أن السبب المباشر في ارتفاع عدد الراسبين متعلق بأسئلة الامتحانات التي وضعت في تركيا من قبل مدرسين بعيدين عن واقع التعليم والمناهج المقدم للطلاب، وعدم معرفتهم بمستوى الطلاب وآلية التعليم في المنطقة.
ويقول: "عبرت الامتحانات الأخيرة عن حالة اللامبالاة والاستهتار بمستقبل جيل كامل، من قبيل وضع أسئلة من خارج المنهج ووجود أسئلة دون جواب وأخرى تحمل جوابين صحيحين، فضلاً عن تهميش دور المعلمين المتخصصين وغياب الجهات المسؤولة التي تنصف الطلاب".
ويؤكد أن الطلاب يدفعون ثمن الفشل والفساد المتراكم، وعمليات ملء الجامعات الخاصة المنتشرة في المنطقة خلال السنوات السابقة بالطلاب غير المؤهلين، مضيفاً "عندما أرادوا ملء الجامعات والكليات التابعة للقطاع الخاص الربحي بالطلاب كانت معدلات النجاح مرتفعة جداً، أما اليوم وبعد أن اكتظت الجامعات والكليات صار النجاح حلماً".
وإلى جانب الجامعات الأهلية، تتناوب الحكومة المؤقتة والمجالس المحلية على إدارة الجامعات الموجودة بريف حلب، حيث تشرف بعض المجالس على فروع الجامعات التركية في المنطقة، مثل الكليات التابعة لجامعة حران وفروع جامعة غازي عنتاب التركية في أعزاز وعفرين وجرابلس والراعي، بينما تتبع لوزارة التربية والتعليم جامعة حلب الحرة.

كليات جديدة بحاجة لطلاب
ولا يستبعد كثيرون من المدرسين وجود توافق على إجبار الطلاب على التسجيل في الأقسام والفروع التي تشهد نقصاً حاداً في أعداد المتقدمين، مثل كلية التربية والشريعة والاقتصاد، بالنظر إلى تراجع الاهتمام بدراسة هذه الأقسام رغم انخفاض رسومها وأقساطها السنوية.
وبحسب معلومات حصلت عليها "المدن" فإن كليات جامعة غازي عنتاب التي دخلت ريف حلب الخارج عن سيطرة النظام عام 2019، تعاني ضعف الإقبال على الدراسة في فروعها التي تضم الاقتصاد والعلوم الإدارية وكلية التربية والعلوم الإسلامية، ما قد يجبرها على الإغلاق كلياً أو إغلاق بعض أقسامها، الأمر الذي تتخوف منه المجالس المحلية، خاصة وأن هذه المجالس تستغل هذه الكليات في تقوية نفوذها في القطاع التربوي.
وما يعزز هذه الشكوك قيام جامعة الزيتونة الدولية الخاصة التي تديرها شخصيات مقربة من الحكومة المؤقتة والائتلاف الوطني، باستحداث أقسام جديدة مشابهة لما توفره الجامعات التركية بأقساط متدنية بهدف استقطاب الطلاب.

رسوب ممنهج
ولا يستبعد نائب نقيب المعلمين بريف حلب فراس همشري، أن يكون للجامعات علاقة بارتفاع معدلات الرسوب لكن بطريقة غير مباشرة، وذلك بسبب فتح فروع وجامعات جديدة في الشمال السوري والعمل على تعبئة مقاعدها.
ويقول ل"المدن"، إن "معدلات الرسوب هي عملية ممنهجة بذكاء غرضها وضع اللوم على المعلم بسبب الإضراب في بداية العام الماضي، لتغطية مساعيهم بالعمل على خفض أعداد الجامعيين في الشمال المحرر وجرّ من نجح إلى فروع محددة، وجعل الأقسام العليا من الطب والهندسة وغيرها للطبقات الميسورة في المجتمع".
ويضيف أن "ما يسهل عملية الفساد والتشتت التي يعيشها قطاع التعليم عدم استقلالية مديريات التربية التابعة المجالس ووزارة التعليم في الحكومة المؤقتة، وتحكم التربية التركية بالقرارات التي تتغير باستمرار، وهو ما يزيد من حجم الفساد والفوضى التي يتحمل تبعاتها الطلاب بشكل مباشر".
ويعتبر همشري أن الأزمة الحالية يجب أن تكون دافعاً لثوار المنطقة للضغط على المجالس كي تكف يدها عن القطاع التعليمي، وأيضاً التحرك وإجبار المديريات على التجمع ضمن كيان تربوي موحد يتمتع باستقلالية القرار وحرية اختيار آليات التعليم.
يبدو أن استغلال ملف التعليم قد دخل مرحلة جديدة، فبينما كان يشكو طلاب الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام من ارتفاع الأقساط السنوية وهيمنة التوجه الربحي على الجامعات الخاصة، باتوا اليوم عاجزين عن دخول الجامعات، الأمر الذي يؤكد تفاقم أزمة التعليم وعشوائيته في ظل غياب أي خطة واضحة لمعالجة هذه المشكلة.