العراق..والصدر المقامر!

أدهم صفي الدين
الإثنين   2022/08/01
© Getty
رمى زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر بكل ما في يده من اوراق يمكن ان يستخدمها في لعبته السياسية. فقرار السيطرة على البرلمان واحتلاله من قبل جماعات من التيار الصدري والمؤيدين له، وتحويله الى حسينية لإقامة شعائر إحياء ذكرى عاشوراء، لم يكن مجرد مواكبة لفعل جماهري غير منضبط أراد توظيفه في معركته السياسية مع "الاطار التنسيقي" الذي يضم القوى والاحزاب الفصائل الشيعية المختلفة معه والمتهمة بتنفيذ اجندة ايرانية في العراق. 
فمشاركة قيادات التيار السياسية كرئيس الكتلة النيابية حسن العذاري والى جانبه حاكم الزاملي نائب رئيس البرلمان وامين عام سرايا السلام الجناح العسكري للتيار وفصيله المسلح على هامش المؤسسة الرسمية للحشد الشعبي، يكشف بوضوح ان القرار لم يكن عفويا، بل اخذ الكثير من التخطيط والتفكير في ابعاده وتداعياته والنقاط التي يمكن ان يحققها الزعيم الصدري وتياره من ذلك. 
ان يرمي الصدر بجميع اوراقه السياسية والشعبية مرة ودفعة واحدة على طاولة القمار السياسي، يعني انه لم يترك في جعبته سوى ورقة الخيار العسكري والمواجهة في الشارع مع معارضي طموحاته السياسية والسلطوية. خاصة بعد فشل ورقة الاستقالة من البرلمان التي فرضها على نواب كتلته قبل نحو شهرين، في قلب المعادلة لصالحه، بعد ان استطاع "الاطار التنسيقي" استيعاب تداعيات هذه الاستقالة وسرّع عملية سد الفراغ واستبدال النواب المسقيلين بنواب جدد غالبيتهم من صفوفه، وتجاوز الصراع الداخلي بين اقطابه في سباقهم على تولي رئاسة الوزراء، واتخذ الخطوة الحاسمة في الاعلان عن ترشيح عضو ائتلاف دولة القانون سابقا والمستقيل من حزب الدعوة – تنظيم الداخل محمد شياع السوداني.
الخطوة الاستباقية باحتلال البرلمان وابقاء المبنى تحت سيطرة الصدريين، حقق في التكتيك ما يريده الصدر في تعطيل الحياة البرلمانية، بعد استجابة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي لهذه الرغبة، عندما اعلن تعليق عمل البرلمان لمدة مفتوحة. ما يعني انه قطع الطريق على الاطار التنسيقي بالمطالبة بعقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية وتكريس خياره في رئاسة الوزراء، ورفض مطلب الصدر بسحبه او انسحابه طوعيا قبل اللجوء الى هذه الخطوة، وعاد وشدد عليها، بالاضافة الى رفض أي مرشح قد يختاره الاطار التنسيقي. 
 في البعد الاستراتيجي، بات من الصعب على الصدر وتياره التراجع عن المسار التصعيدي الذي لجأ اليه من دون تحقيق الاهداف التي يسعى لها ويريد من خلالها إعادة تشكيل المشهد السياسي العراقي وتركيبة وطبيعة النظام والسلطة والدولة. فضلا عن هدف اساسي ومحوري لدى الصدر في إبعاد احزاب الإسلام السياسي من حزب الدعوة وتيار الحكمة وعصائب اهل الحق والاخرين من الحياة السياسية لصالح المشروع الذي يسعى لتركيبه من خلال التحالف الذي عقده مع المكونين الكردي مُمثلا بالحزب الديمقراطي بقيادة مسعود بارزاني، والسني ممثلا بتحالف السيادة بزعامة محمد الحلبوسي واطلق عليه تحالف "إنقاذ وطن". 
لم يبقَ امام الصدر سوى خيار الاستمرار بالمسار الذي بدأه، وان يعمل على بلورة مشروعه التغييري بتقديم ورقة إصلاحية وطرحها امام القوى السياسية والرأي العام، على ان لا تكون مقتصرة على الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة تعيد إنتاج العملية السياسية بالمكونات السياسية نفسها باوزان مختلفة، تعطيه تفوقا على الاخرين. 
اوساط  مقربة من قيادات الصف السياسي الاول في التيار الصدري، بدأت الحديث عن ورقة إصلاحية متعددة المستويات، تبدأ بتغيير القانون الانتخابي تمهيدا لإجراء انتخابات مبكرة، وإعادة تفسير مبدأ الكتلة الاكبر التي يحق لها تسمية رئيس الحكومة، وإعادة النظر في القانون المنظم للسلطة القضائية وفصل المحكمة الاتحادية عن مجلس القضاء الاعلى، وتغيير طبيعة النظام من حكومي الى رئاسي وإجراء التعديلات الدستورية التي تساعد على تنفيذ هذه الخطوات. وهي ورقة قد تحتاج الى تسوية مرحلية تساعد على تنفيذ خطواتها، إما من خلال تشكيل حكومة مؤقتة تشرف على هذه الخطوات، وإما اللجوء الى تمديد عمر حكومة تصريف الاعمال برئاسة مصطفى الكاظمي.
في المقابل، قد يشكل اي تنازل من الاطار التنسيقي امام المطالب الصدرية، هزيمة لقوى الاطار، والتأسيس لانتحارها وخروجها من الحياة السياسية وخسارة ما حققته من مكتسبات ومصالح راكمتها على مدى العقدين الماضيين من تسيّدها للمشهد. 
وعلى الرغم من الشراكة التي عقدتها مع الصدر وفريقه السياسي لتقاسم السلطة والمغانم والحصص ومؤسسات الدولة والادارة، وتمرير متبادل للمصالح والمكاتب الاقتصادية الخاصة بكل طرف على حساب الدولة ومصالح الشعب، الا ان هذه القوى تدرك جيدا، بأن الامور وصلت بالصدر الى مرحلة لم يعد يتحمل هذه الشراكة، وان الوقت حان لأن يمسك بالقرار السياسي والاقتصادي والمالي والعسكري، وان ينتقل من شريك الى مقرر ومتفرد، ينعم على الاخرين من داخل المكون الشيعي ما يراه مناسبا ولا يتعارض مع مصالحه ومصالح فريقه السياسي الضيق والاوسع من حلفائه. وهو من اجل تحقيق هذا الهدف لن يتردد في اللجوء لاي وسيلة، حتى ولو اضطر لاستخدام العنف "الطبقي" للجمهور بحيث يكون قادراً على التنصل من المسؤولية.
ولعل المقاطع المصورة التي نشرت لبعض الاشخاص من المجموعات التي اقتحمت المنطقة الخضراء التي تضم المقرات الحكومية وبيوت كبار المسؤولين في المنظومة الحاكمة والمتحكمة، والسؤال بوضوح عن "منزل المالكي"، يشكل مؤشراً على حجم الصراع الشخصي الذي يتحكم بخلفيات اي تحرك وقرار سياسي يصدر عن الطرفين، المالكي الذي قاد معركة كسر الصدر أولاً وتكريس إخراجه من العملية السياسية والبرلمانية ثانيا. في حين ان الصدر يسعى ومنذ عام 2008 وبعد معركة "صولة الفرسان" التي قادها المالكي ضد جيش المهدي في مدينة البصرة، الى إبعاد المالكي وحزب الدعوة عن السلطة والدولة، وقد ساهمت التسريبات الصوتية للمالكي وهجومه على الصدر في تأجيج وإحياء حالة العداء التي تحولت الى حالة شعبية ضد المالكي، والمطالبة بمحاكمته بعد تحميله المسؤولية الكاملة على ازمات ما بعد 2003، ومن ثم سجنه وحتى إعدامه، او على الاقل توظيف هذه الانتفاضة الموجهة لإقصائه نهائيا عن القرار او الشراكة في السلطة، كمدخل لاعلان دخول العراق في "العهد الصدري".