قانون العفو عن الشبيحة!

مصطفى محمد
السبت   2022/05/07
دقائق ثقيلة من البحث بين صور المعتقلين المُفرج عنهم من أبناء حلب مرت على الشاب محمد، الذي كان يستحضر في ذهنه خيالات وجوه كل المعتقلين الذين يعرفهم أملاً في التعرف على واحد من بين 43 معتقلاً مشمولاً ب"العفو" وصلوا الى مبنى المحافظة.

شبيح مفرج عنه
أثناء تدقيقه بالصور صادف وجهاً يبدو مألوفاً، ركّز على ملامحه أكثر: "هذا فؤاد من قريتي كفر حلب". يضحك كما الطفل، قبل أن يتحدث ل"المدن": "هذا شبيح كان يقاتل مع مجموعة تابعة لفرع المخابرات الجوية، واسمه فؤاد أحمد محمد".
ويؤكد محمد الذي زوّد "المدن" بصورة فؤاد عندما كان يقاتل إلى جانب جيش الأسد، أن النظام اعتقله قبل أقل من عام بعد خلاف نشب بينه وبين عناصر مجموعته على تقاسم المسروقات، مضيفاً "عندما تقدمت قوات النظام إلى كفر حلب جنوب غرب حلب، في شباط/فبراير 2020، قام فؤاد بالتنسيق مع الشبيحة وتوجه إلى حلب، وأمضى مدة طويلة وهو يقاتل معهم، إلى أن اختلف مع أفراد مجموعته على المسروقات، وتم سجنه لأنه غير مدعوم" أو لأنه "شبيح صغير".
خروج فؤاد من المعتقل، تنفيذاً لمرسوم "العفو" عن الجرائم الإرهابية الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد، قبل أيام، يؤكد عدم جدية النظام في إخراج معتقلي الرأي، كما تؤكد مصادر المعارضة.
وفي السياق ذاته، يؤكد مصدر ل"المدن" أن غالبية المعتقلين المُفرج عنهم في حلب، من المحكومين بأحكام جنائية (سرقة، مشاجرات، ترويج مخدرات)، وجرى اعتقالهم قبل مدة وجيزة.

معتقلو رأي مرضى
وتضيف المصادر أن النظام أطلق قلة من المعتقلين السياسيين، بعضهم أصحاب أمراض جسدية مزمنة، أو يعانون من فقدان الذاكرة، مبينة أن "النظام أراد تطعيم دفعات المعتقلين بمعتقلين سياسيين، حتى يكمل مسرحيته، مدعياً جدية مهزلة العفو بإطلاق سراح المعتقلين، لكن في الواقع هو يقوم بإطلاق سراح سجناء الجرائم الجنائية".
وهو ما يؤكد عليه، الخبير الدستوري القاضي خالد شهاب الدين ل"المدن"، مبيناً أن "النظام لم يطلق إلا عدداً محدوداً من معتقلي الرأي الذين لا يُعرف مصيرهم".
ويشير شهاب الدين إلى حجم التجمعات البشرية التي سجلتها دمشق في الأيام الأخيرة، ويقول: "هذا المد البشري الهائل من ذوي المعتقلين، يعد شاهداً على العدد الضخم للمعتقلين بسجون ومعتقلات الأسد".
ويقول إن "المرسوم (العفو) المهزلة، جاء لتحقيق أهداف النظام، وليس لإطلاق سراح المعتقلين، وتوقيته المتزامن مع الكشف عن مجزرة التضامن، يعد دليلاً دامغاً على كذب النظام، وسعيه إلى صرف أنظار الأوساط المحلية والدولية عن بشاعة الجريمة التي نفذتها قوات النظام في نيسان/أبريل 2013 في محيط العاصمة دمشق".

إجراء كاذب
ويدل على ذلك، بعدم الإفراج الفوري عن المعتقلين المشمولين ب"العفو"، وهو الإجراء المُعتاد، موضحاً أن "مفاعيل مراسيم العفو غير قابلة للتأجيل، وحتى لو تم الطعن بها من قبل النيابة العامة"، مستدركاً بقوله: "ليس عفواً هذا الذي أعلن عنه النظام، وإنما هو إجراء كاذب يخدم غاياته، ورغبة بعض الدول التي تسعي إلى إعادة تعويمه".
ولم يُعلن النظام السوري عن أعداد المعتقلين المشمولين بالعفو، في الوقت الذي تقدر فيه مصادر حقوقية عدد المعتقلين الذين أفرج عنهم حتى مساء الجمعة بنحو 500 من كل المحافظات السورية، غالبيتهم من المناطق التي أجرى النظام فيها "مصالحات" مع الأهالي، في درعا وريف حمص وأرياف دمشق.
ويقول شهاب الدين إن النظام السوري اعتقل مئات الشباب من مناطق التسويات، لغرض إطلاق سراحهم في وقت لاحق، لتلميع صورته، مختتماً: "وهذا ما يجري الآن".
وطبقاً لأرقام "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، يصل عدد المعتقلين لدى جميع أطراف الصراع السوري بنحو 150 ألفاً، 88 في المئة منهم لدى النظام السوري، ومات منهم 14 ألفاً تحت التعذيب.