إقالات بالجملة وإلغاء كتل في الائتلاف السوري..إنقلاب وليس إصلاحاً

عقيل حسين
الأربعاء   2022/04/06
موجة واسعة من الجدل أثارتها الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الائتلاف السوري المعارض، وشملت اقالة 14 عضواً من أعضائه، بالإضافة إلى استبدال أربعة آخرين. وبينما يضع البعض ذلك في إطار عملية إصلاح المؤسسة، رأى آخرون أن ما حصل تصفية حسابات وتعميق لمشاكل المؤسسة إلى حد وضعها على حافة الانفجار، خاصة بعد رد الفعل العنيف الذي صدر عن المقالين والمستبدلين.
وكان الائتلاف قد أعلن الأحد، إقالة الأعضاء الأربعة عشر الذين ينتمون لكتل مختلفة تمهيداً لاستبدالهم بآخرين، بالإضافة إلى الموافقة على طلبات سابقة لعدد من المجالس المحلية باستبدال ممثليهم لديه.
الأعضاء المقالون هم حاتم الظاهر عن التجمع الوطني الحر للمنشقين عن مؤسسات الدولة، عبد الله الفرج أحد ممثلي كتلة الحراك الثوري (الرقة)، جمال الورد (حراك ثوري-اللاذقية)، أمل شيخو عن كتلة المستقلين، كفاح مراد (مستقلين)، جلال خانجي (مستقلين)، عبد المجيد الشريف (مستقلين عن فئة الأقليات- درزي)، علا عباس (مستقلين ممثلة للعلويين)، محمد صفوان جندلي( مستقلين)، حسين العبد الله (مستقلين)، حسان الهاشمي (اخوان مسلمين)، زياد العلي ووليد ابراهيم (المجلس التركماني السوري)، ومحمد أيمن الجمال عن المجلس  الاسلامي السوري.
وكان رئيس الائتلاف سالم المسلط أعلن في وقت سابق من 2022 عن وجود "تحركات حقيقية"، و"قرارات جديدة"، من أجل "اصلاح الائتلاف وتطوير أدواته لإعادته إلى مكانته في الأوساط الدولية والشعبية".
وكشف المسلط عن إعادة تشكيل لجنة العضوية، وإعطائها الصلاحيات الكافية للنظر بطلبات العضوية المقدمة في السابق، وقرارات الاستبدال المقدمة من مكونات الائتلاف، ودراسة مرجعيات بعض الكتل السياسية الموجودة في الائتلاف.

انقلاب!
لكن مصطفى نواف المتحدث باسم الأعضاء الذين شملتهم الإجراءات الأخيرة يعتبر أن ما حدث لا علاقة له بالإصلاح، بل يمثل "انقلاباً على الشرعية" وتكريساً لهيمنة المتنفذين على الائتلاف.
ويقول في تصريح ل"المدن": "من الناحية القانونية فإن القرارات التي اتخذها رئيس الائتلاف لا حامل لها، وجرت خارج الاطار المؤسساتي، فإقالة أو فصل أو استبدال أي عضو يتطلب اقتراحاً من لجنة العضوية توافق عليه اللجنة القانونية ويُناقش من قبل الهيئة السياسية قبل أن يتم التصويت عليه في الهيئة العامة، التي ينص النظام الداخلي للائتلاف على ضرورة موافقة ثلثي أعضائها على مثل هذه القرارات كي تصبح نافذة".
ويضيف أن "ما جرى أن المسلط استهل فترة رئاسته بإلغاء لجنة العضوية واللجنة القانونية تمهيداً لتنفيذ أجندة خاصة يبدو أنه توافق عليها مع الشخصيات المسيطرة على المؤسسة". ويقول: "رغم محاولتهم تمرير قرارات تصب في صالح تكريس هذه الهيمنة تحت شعارات الإصلاح، إلا أنه تم التصدي لمحاولاتهم من قبل غالبية الأعضاء الذين جرت إقالتهم مؤخراً بهذه الطريقة انتقاماً لذلك".
ويؤكد نواف أن قرار إقالة الأعضاء الأربعة عشرة واستبدال ممثلي المجالس المحلية الأربعة تمت خارج الاجتماع الأخير للهيئة العامة، "حيث تفاجأنا بنشر التعميم الذي ينص على ذلك من وسائل التواصل بعد انتهاء اجتماع الهيئة الأخيرة بساعات، وبالتالي لا صحة ولا شرعية لهذه الإجراءات وقد تقدمنا بطعن ضدها".

خطة إصلاحية
لكن مصدراً رسمياً في الائتلاف قال ل"المدن"، إن هذه الإجراءات تمت الموافقة عليها من قبل الهيئة العامة صاحبة الصلاحية وذلك عبر جمع التواقيع، و"بناءً على أسباب قانونية موجبة".
وأضاف أن "أهم هذه الاسباب هي عدم الفاعلية أو الغياب المتكرر، فهناك أعضاء لم يحضروا أي اجتماع منذ ثلاث سنوات، حضروا الاجتماع الأخير لعلمهم بأن قرارات من هذا المستوى ستتخذ بحقهم، بالإضافة إلى غياب المكون والصفة التمثيلية للشخص وعدم وجود كتلة ينتمي إليها بسبب المتغيرات، وغيرها من المبررات التي تأخر الائتلاف في التعامل معها بالواقع". ويقول إنه بالنسبة لمن جرى استبدالهم فقد تم ذلك بطلب من الكتل التي يمثلونها ولم يعد بالإمكان تجاهل طلبها.
وشدد المصدر على أن ما جرى هو جزء من خطة إصلاحية شاملة أقرها الائتلاف منذ ثمانية أشهر وبدأت بلجنة إعادة صياغة النظام الداخلي وتقييم العضوية، كاشفاً عن وجود خطوات أخرى على هذا الصعيد تشمل معالجة واقع أعضاء الكتل التي لم يعد لها وجود، مثل كتلة الحراك الثوري والكتلة الوطنية (هشام مروة) وكتلة المستقلين الكرد (عبد الباسط سيدا) وغيرها، بالإضافة إلى توسعة الائتلاف وزيادة تمثيل الداخل واقرار خطة سياسية واستراتيجية للمؤسسة.
ورداً على سؤال حول انتفاء وجود أي ممثل للعلويين في الائتلاف حالياً بعد إسقاط عضوية علا عباس في التعميم الأخير، أكد المصدر أن هذا الإجراء لا يستهدف المكون بل جاء بسبب عدم فاعلية عباس وغيابها عن حضور الاجتماعات، وسيتم تعويضها بممثلين اثنين عن الطائفة العلوية، كما هو الحال بالنسبة للمكونات الأخرى.

صراع الهيمنة
لكن الكثيرين يرون أن قادة الكتل الرئيسية في الائتلاف استغلوا بالفعل المطالب المشروعة بالإصلاح واسقاط عضوية الأعضاء غير الفاعلين، من أجل إقصاء المعارضين لهم أو اضعاف كتلهم، بدليل أن الاجراءات شملت أشخاص فاعلين شكلت إقالتهم مفاجئة كبيرة.
وإلى جانب ما يعرف بكتلة ال(G-4) يُتهم رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى بلعب دور أساسي في ما حصل مؤخراً، بالنظر إلى الأسماء التي شملتها  قرارات الاقالة والاستبدال، وخاصة ممثلي كتلتي المجالس المحلية والمجلس التركماني السوري.
وبالإضافة إلى اتهام مصطفى بإضعاف كتلة المجلس التركماني المنافس لكتلته على تمثيل المكون، فإن النواف يشدد على أن طلب استبداله كممثل عن مجلس الرقة المحلي يقف خلفه رئيس الحكومة "الذي قام بتشكيل مجلس جديد للمحافظة، ضمن مساعيه للهيمنة على كتلة المجالس، وأنه حصل منه على كتاب يطلب استبداله من الائتلاف كما فعل مع المجالس الثلاثة الأخرى بسبب عدم تمكنه هو وبقية المتنفذين من استتباعنا".
وبغض النظر عن التفاصيل، يرى البعض أن ما حصل يمثل نجاحاً كاملاً لكتلتي ال(G-4)  ومصطفى في إضعاف كتلتي الحراك الثوري والمستقلين وحلفائهم، مثل كتلة العمل الوطني برئاسة أحمد رمضان، وكذلك الرئيس السابق للائتلاف نصر الحريري، بينما يعتبر نواف في حديثه ل"المدن"، أن هؤلاء ورطوا المسلط في عدائهم للحريري ورمضان وآخرين، وجعلوه يوقع على القرارات التي لطالما أرادوا إنفاذها من قبل.

الدور التركي
وكان الائتلاف السوري المعارض قد شكّل في بداية العام الحالي لجنة من 8 أعضاء في الائتلاف من أجل دراسة وتطوير النظام الداخلي واقتراح خطط لإصلاح هيكلية الائتلاف.
وكشفت مصادر سورية معارضة ل"المدن" وقتها عن وجود خلافات بين الكتل السياسية بخصوص الاقتراحات على النظام الداخلي للائتلاف التي اقترحتها اللجنة المشُكّلة، بسبب تمسك الكتل السياسية بمواقفها وشروطها. وقالت المصادر إن عملية الإصلاح "أمست من أبرز المطالب التركية التي تلح عليها أنقرة باستمرار، ولذلك لم تنفع محاولات الائتلاف إجراء عمليات إصلاح شكلية كما تريد بعض القوى داخل الائتلاف".
إلا أن الكاتب والمحلل السياسي المعارض غسان ياسين يرى أن ما يهم تركيا هو استمرار الائتلاف بشكل عام والحفاظ على التوازنات داخله أيضاً، وأنه يمكن أن يكون لأنقرة دور في ما يتعلق بتوسيع كتلة المجالس المحلية فقط.
وأشار ياسين إلى توجهات داخل الائتلاف من أجل ضم ممثلين عن المجالس المحلية في مناطق نفوذ تركيا شمال سوريا، مثل مجلس عفرين وأعزاز وجرابلس وتل أبيض وغيرها، استجابة لرغبة أنقرة، حسب تسريبات سابقة بهذا الخصوص.
لكنه وفي تصريح ل"المدن"، يؤكد أن عملية إصلاح الائتلاف وإعادة النظر بعضوية الكثير من أعضائه، بل وحتى بكتل موجودة حالياً ولا وجود حقيقي لها على الأرض، هو مطلب شعبي سبق للمسلط أن أكد تبنيه له منذ وقت طويل، إذ من غير المنطقي أن يستمر أعضاء في مواقعهم منذ عشر سنوات إلى اليوم، وأن يمثل آخرون كتلاً لا وجود لها حالياً.
وأضاف ياسين "لا شك أن لعبة التوازنات وصراع الكتل تؤثر بشكل واضح على القرارات التي يتخذها الائتلاف، والسبب هو عدم وجود آليات واضحة وراسخة لاحتيار الأعضاء والممثلين في هذه المؤسسة، وهي مشكلة بنيوية تعود لفترة تأسيس الائتلاف نفسه، لكن بالمقابل فإن من المبالغة تحميل هذه القرارات أكثر مما تحتمل. وقال: "لا أتوقع أن يؤثر ذلك على مستقبل الائتلاف ووضعه السياسي الذي لم يعد كما كان عليه سابقاً على أي حال".