السوري منفياً..ظلم الصورة ودهشتها

صبا مدور
الخميس   2022/04/28
بالتأكيد لم يكن الجلوس وسط الشارع هو السبب وراء قرار السلطات التركية ترحيل اللاجئ السوري حمزة الحمامي إلى خارج تركيا. قام حمزة بردة مبالغ فيها، في مواجهة اعتداء تعرض له من شاب تركي، لكن القضاء نظر إلى نصف ما حدث، فأدان حمزة بتهمة "التحريض على الكراهية والعنف"، وأمر بإبعاده إلى سوريا، ولم يدن الشاب التركي.
عمليا، لا تقدم هذه الحادثة دليلاً على ظلم ممنهج، يلحق بالسوريين في تركيا، لكنها، يمكن ان تنبه إلى صعوبة السياق المتوتر الذي جاءت فيه، وتحديدا التنميط المقصود الذي خلقته جهات اعلامية وسياسية في تركيا ضد السوريين، في عملية هدفها الأساسي النيل من حزب العدالة الذي تولت حكومته استقبال ملايين اللاجئين السوريين منذ عام 2011.
عملت هذه الأطراف على تشويه طبيعة الوجود السوري بكل السبل، حتى برزت‎ حالة من التململ والرفض من وجود اللاجئ السوري في تركيا، وكان ربط هذه الصورة المشوهة بمزاعم تبني سلطة العدالة والتنمية والرئيس اردوغان للاجئين السوريين ضرورية، لخلق صراع وهمي، مفتعل، وتحويل حالات فردية متوقعة وطبيعية، إلى سياق عام، كجزء محوري من الحملة الانتخابية للمعارضة، أملا في انهاء عشرين عاما من الابتعاد عن السلطة.
سعت هذه الدعاية إلى خلق صورة نمطية مشوهة وتمييزية، تحشر من خلالها كل سوري فرد بريء أو مذنب، عامل أو عاطل، في إطار ضيق، محدود برهاب السوريين، يحض على الكراهية، مستفيدة من أخطاء وخطايا ارتكبها أفراد من السوريين كانت مدخلا لحملة شيطنة مخططة تنسحب على الملايين.
تعمل الحملات الممنهجة من الدعاية والاشاعات على غرائز الناس، وهدفها تشكيل صورة نمطية، تقوم على تصورات للآخر، دون الاهتمام بالحقائق، فيتشكل التعميم والاجمال والحكم المسبق، ولذلك لم يجد حمزة حمامي فرصة للدفاع عن نفسه، فقد صدر الحكم الاجتماعي ضده، على أساس هويته، بل لنكون أدق على أساس الأفكار الجاهزة التي يتم ترويجها ضد السوريين.
 وفي مواجهة حملات العنصرية والشيطنة، وعلى قاعدة التراجع خطوة مقابل التقدم خطوات، فقد اضطرت السلطات التركية على ما يبدو للتضحية بفرد، مقابل كسب الوقت للعمل على امتصاص زخم هذه الأزمة المفتعلة وحرمان مروجيها من استخدامها لتعميق التوتر الاجتماعي، في سياق انتخابي بدأ مبكرا، ويراد أن يكون السوريون كبش فدائه.
وفي الحقيقة لا يمكن لوم السلطات الحكومية التركية إن سادت حالة في المزاج العام التركي في بعض المناطق تصدق ما يروج من مخاوف، من وجود اللاجئ السوري على نمط الحياة، وفرص العمل، وشحة الموارد، وغلاء الأسعار، لاسيما مع الاستقطاب السياسي والصعوبات الاقتصادية. وقد اعتمدت المعارضة على جهود ضخمة بذلتها حكومات العدالة والتنمية منذ 2002، لتغيير وجه تركيا وأولوياتها، لتصبح العلاقة مع الشعوب والحكومات العربية شاغلها الأول، وقد نجحت في بناء أسس العلاقة بين الاتراك والعرب كما لم يفعل أحد قبلها منذ انتهاء الخلافة العثمانية. اعتمدت المعارضة التركية على هذا الميراث الذي تفخر به تركيا اليوم، لتعزز به قناعات (التواطؤ) مع اللاجئين، وتجعل من حملات الكراهية ضدهم، حملة انتخابية لا علاقة لها بالحقيقة، بقدر علاقتها بالطموحات السياسية والسعي نحو الحكم.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 نشرت مؤسسة الديمقراطية الاجتماعية في اسطنبول، (SODEV)، والتي ينتمي جل أعضائها إلى الحزبين الشعب الجمهوري CHP والشعوب الديمقراطي HDP المعارضين للحزب الحاكم العدالة  والتنمية، نتائج استطلاع للرأي العام التركي يتضمن بعض ملامح الصورة النمطية للسوري في الشارع التركي بنسب مفزعة، هذا لو صح أسلوب إجراء هذا الاستطلاع، والذي استغرق عشرين يوما فقط بين 8 إلى 29 من تشرين الثاني 2021، يظهر الاستطلاع حسب الاجابات أن الغالبية ترفض صداقة السوري والعمل معه واقامة النسب، وتراه خطرا على الدولة والاقتصاد والمجتمع والثقافة، وكذلك ترفض منحه الجنسية التركية وأذونات العمل والاقامة، وتجد أن سياسات الدولة خاطئة في التعامل مع السوريين خاطئة فهي تسهل امورهم أكثر من التركي.
المفارقة في هذا الاستطلاع أن أكثر من ثلاثة أرباع المشاركين في الاستطلاع 78 في المئة قالوا إنهم لم يعانوا أذى من السوريين لا هم ولا أحد من عائلاتهم، والغالبية قالت إنها لم تشهد مشكلات بين السوريين وأتراك، لكن بعضهم سمع بمثل هذه المشكلات من غير أن يتأكدوا من مصداقيتها.
لا أريد تقييم هذا الاستطلاع، أو دقته، وهل هو فعلا يقيس الرأي العام أم يصنعه، لذلك لا يمكن الوثوق به وحده لمعرفة حقيقة التعاطي التركي مع وجود السوريين، على الجانب الآخر تشير أرقام هيئة الاحصاء التركية إلى ارتفاع معدلات زواج الاتراك بالسوريين، وكذلك تشير منظمة العمل الدولية إلى أن 48.2 في المئة من السوريين يعملون في قطاع التصنيع ويتوزع الباقي على مختلف القطاعات ليشكلوا 2.9 في المئة من حجم عمالة السوق التركية، أي أنهم قوة منتجة، وجزء من الدورة الاقتصادية، وليسوا عبئا على الدولة والمجتمع.
 هنا لابد من تقييم الواقع الذي يفرز في كل مرة ولادة نجاحات سورية باهرة في تركيا وسائر المنافي، وقدرة السوري على التعايش والتأقلم وايجاد فرص اثبات الذات وخدمة المجتمعات المضيفة، لذلك ما يجري الان من حملات شيطنة للشخصية السورية سيكون مجرد محطة عابرة، سيتجاوزها السوري سالما دون أن تدمغ عنه صورة نمطية تطارده وتغتاله.
 هذه الأزمة لن تتراجع قبل انتهاء الانتخابات المقبلة بعد أكثر من عام، وربما تنتهي بمجرد نزع الاسباب المؤدية لها، وتحسن الوضع الاقتصادي المتشنج من أزمتي كورونا والحرب الروسية وأسباب اخرى، وعبور قطار الانتخابات الرئاسية بسلام، أو أن تتفاقم لو فازت المعارضة التركية التي تجاهر بالعداء للسوريين.
 ‎ومع ذلك، فإن السوري الذي فقد كل شيء في بلاده، بحاجة إلى جهد اضافي لعبور هذه المرحلة الصعبة، كي لا يمنح موقدي نار العنصرية والكراهية أملا في التمكن من السلطة والاتفاق مع بشار الاسد على ترحيل جميع السوريين قسرا كما تعهد بذلك علنا زعيم المعارضة التركية. وفي كل الأحوال، فهذا شكل آخر للتحديات التي يواجهها السوريون، ولن يكون سهلا تخطيها، لكنهم سيفعلون.