تجنيد سوريين للقتال بأوكرانيا..التحضيرات بدأت لكن القرار لم يُتخذ

عقيل حسين
الخميس   2022/03/10
© Getty
حذر الشيخ كريم راجح، شيخ القراء في بلاد الشام، وأحد المعارضين البارزين للنظام، من حرمة المشاركة في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، في وقت تواردت فيها الأنباء عن استعداد المئات من السوريين للتوجه إلى هناك من أجل القتال.

وقال راجح في رسالة، إن الحرب الدائرة في أوكرانيا "لا ناقة لنا فيها ولا جمل"، محذراً من تكرار تجربة أفغانستان. وأضاف "هذه الحرب تدور بين الغرب والشرق، وأميركا تريد أن تستخدم الشباب المسلمين فيها كوقود ومن ثم تزجهم بالسجون كما حدث عندما شجعت على توجه المقاتلين العرب إلى أفغانستان للقتال ضد الاتحاد السوفياتي، قبل أن تنقلب عليهم".

السيطرة على الحماس

الشيخ راجح، وهو من خطباء مدينة دمشق الذين يحظون باحترام كبير في أوساط السوريين وخاصة المعارضين منهم، تُعتبر رسالته التعليق الأول من شخصية على هذا المستوى في المعارضة تتحدث عن الموضوع، مع انتشار معلومات عن عملية تجنيد من أجل القتال في أوكرانيا، سواء بمناطق سيطرة النظام أو مناطق سيطرة المعارضة.

لكن راجح على ما يبدو كان يستهدف في رسالته وبشكل رئيسي الشباب المتحمس من أجل التطوع في المقاومة الأوكرانية بهدف الانتقام من الجيش الروسي، بعد الدعم الذي وفرته موسكو لقوات النظام والمجازر الكبيرة التي ارتكبتها في سوريا.

وقد أبدى الكثير من عناصر فصائل المعارضة السورية استعدادهم للتوجه إلى أوكرانيا كمتطوعين ومن دون مقابل مادي، ومنهم ياسين.ع، المقاتل في صفوف "فيلق الشام" المدعوم من تركيا، والذي أكد ل"المدن"، أنه والعشرات من زملائه سيكونوا مستعدين للسفر إلى هناك في حال أتيح لهم ذلك وبدون أي مقابل.

وأضاف أن "روسيا ارتكبت عشرات المجازر بحقنا وقتلت الآلاف من السوريين وحسمت المعركة لصالح النظام، واليوم لا نستطيع الثأر منها على أرضنا بسبب الظروف السياسية والعسكرية التي فُرضت علينا، لذلك أرى أنها فرصة كبيرة لنا من أجل القتال ضد قواتها إلى جانب الجيش الأوكراني المنظم والمسلح والمدعوم بشكل جيد، وأي ألم يلحق بجيش بوتين في أي مكان أعتقد أن نتائجه مهمة بالنسبة لنا كسوريين".

إلا أن الموقف التركي شبه المحايد مما يجري في أوكرانيا، ورغبة أنقرة المستمرة بلعب دور الوسيط بين موسكو وكييف من جهة، وعدم رغبة حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان بالدخول في تصعيد جديد ضد روسيا بالوقت الحالي، عوامل يعتبرها الكثيرون حاسمة في عدم الذهاب باتجاه تجنيد مقاتلين سوريين في مناطق نفوذها بالشمال للتوجه أوكرانيا، مع بقاء هذا الاحتمال قائماً حسب هؤلاء.

اتهامات متبادلة
وكما حدث خلال تجربتي إرسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا وأذربيجان من قبل الطرفين، فقد نفى كلاهما تنظيم أي عمليات تجنيد سوريين للقتال في أوكرانيا، بينما يرى الكثيرون أن كل الظروف مواتية لتكرار التجارب السابقة الآن، خاصة إذا طال أمد الحرب في أوكرانيا.

وكانت وكالة ريا نوفوستي الروسية قد نشرت قبل ثلاثة أيام تقريراً، قالت فيه "إن ضباطاً وقادة في الجيش الوطني المعارض والمدعوم من تركيا قد عقدوا اجتماعات شمال حلب بحضور مندوبين عن المخابرات التركية، بهدف ترتيب عمليات تجنيد وإرسال مقاتلين سوريين للمشاركة بالمعارك  في أوكرانيا بطلب من حكومة كييف، الأمر الذي نفته المعارضة بشدة".

لكن المتحدث باسم الجيش الوطني يوسف حمود أكد ل"المدن"، أن "ادعاءات نوفوستي تهدف إلى التغطية على عمليات تجنيد مرتزقة من مناطق سيطرة النظام للقتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا"، مشدداً على عدم وجود أي جهة تقوم بذلك في مناطق المعارضة.

وأضاف حمود أن "الإعلام الروسي وإعلام النظام نشط خلال الأيام الماضية في اتهام الجيش الوطني بإرسال مقاتلين إلى أوكرانيا، والواقع أن موسكو تهدف من تلك الشائعات إلى التغطية على 500 مقاتل غادروا قاعدة حميميم الجوية على دفعتين باتجاه أوكرانيا عن طريق بيلاروسيا وروسيا".

تحرك استباقي
تصريحات الحمود لم تكن الوحيدة التي نفت وجود أي خطط أو نوايا لإرسال مقاتلين إلى أوكرانيا من جانب المعارضة، بل أن العديد من المسؤولين في فصائل الجيش الوطني أكدوا على هذا الموقف، ومع ذلك فإن معلومات تحدثت عن تحرك في هذا الاتجاه في مناطق سيطرة المعارضة ولكن بشكل غير رسمي.

سليمان. ن وهو مقاتل سابق في الجبهة الشامية، إحدى تشكيلات الجيش الوطني، استقال من الفصيل قبل أكثر من عام بسبب الراتب المتدني الذي يحصل عليه شهرياً، وأبلغ "المدن" أن أحد زملائه السابقين في الجبهة والذي يعمل الآن في صفوف فصيل آخر، عرض عليه فكرة السفر إلى أوكرانيا مقابل راتب شهري كبير.

وأضاف "زارني هذا الشخص قبل يومين وأخبرني أن هناك من هو مهتم بتجنيد مقاتلين للتوجه إلى أوكرانيا من أجل القتال ضد القوات الروسية، مقابل ثلاثة آلاف دولار شهرياً، وهو ضعف المبلغ الذي حصل عليه من قاتل في ليبيا وأذربيجان من السوريين".

لكن سليمان يستدرك أن "ما يجري حتى الآن مجرد جسّ نبض واستعداد لمثل هذا الخيار في المستقبل وبما تقتضيه تقلبات المعركة، ولذلك فإن اختيار الأشخاص المستهدفين بهذا العرض ليس عشوائياً، بل وفق شروط محددة كما تم إبلاغي، وعلى رأسها أن يكون مدرباً بشكل كافٍ وسبق له المشاركة في العمليات العسكرية التي جرت في سوريا".

ويعتقد سليمان أنه على الرغم من فتوى الشيخ كريم راجح بحرمة التوجه للقتال في أوكرانيا، إلا أن الرغبة في الانتقام من روسيا وواقع الفقر الشديد الذي يعاني منه السوريون سيجعل الكثيرين من الشباب جاهزين للتوجه إلى هناك.

فاغنر وصلت
ويبدو أن الفقر والخبرة القتالية هما القاسم المشترك بين مختلف الأطراف التي عملت على تجنيد سوريين للقتال في الخارج، حيث حصلت "المدن" على معلومات تفيد بقيام مسؤولين في شركة "فاغنر" الأمنية الروسية بالبحث عن مقاتلين سابقين أو حالين في صفوف الميليشيات المحلية التابعة للنظام من أجل التوجه إلى أوكرانيا.

ويعتقد الكثيرون أن روسيا ستكون بحاجة إلى قوات برية للإمساك بالأراضي التي تسيطر عليها في أوكرانيا من أجل التعامل مع أي مقاومة قد تواجهها فيها، ما يتطلب وجود محترفين في حرب العصابات والشوارع، وهو ما يتوفر لدى هذه الفئة من المقاتلين السوريين.

كما أن موسكو وحسب التقديرات تفضّل الزج بالمرتزقة الأجانب في هذه المناطق بعد أن يتمكن الجيش الروسي من السيطرة عليها، خشية وقوع خسائر بشرية في صفوفه وتجنباً لنقمة الرأي العام المحلي في حال حدث ذلك.

وعليه يبدو أن خيار موسكو في سوريا سيكون الاعتماد بالدرجة الأولى على عناصر الفيلق الخامس الذي أسسته في المناطق التي سيطر عليها النظام بعد تدخل القوات الروسية إلى جانبه نهاية 2017، بالإضافة إلى الراغبين من ميليشيات أخرى ليست تابعة للفيلق.

لا أدلة بعد
وحسب المعلومات فإن العروض التي تقدمها "فاغنر" تتركز حالياً في منطقة سهل الغاب بريف حماة، وفي ريف حمص الغربي، وبعض مناطق ريف دمشق، بالإضافة إلى محافظة السويداء.

لكن ريان معروف، المتحدث باسم "شبكة السويداء 24" المعارضة، يقول إنه لم يسجل حتى الآن أي نشاط ملحوظ على صعيد تجنيد مقاتلين من المحافظة، ومع ذلك لا يستبعد حصول هذا الأمر.

وكان ناشطون وصحافيون من السويداء قد أكدوا بدء الروس بالعمل على استقطاب عناصر في ميليشا الدفاع الوطني التابعة للمخابرات السورية، ممن يمتلكون الخبرة القتالية من أجل التوجه إلى أوكرانيا مقابل 1500-2500 دولار كراتب شهري.

إلا أن معروف أكد ل"المدن"، أنه تواصل مع مجموعة من المقاتلين عادوا للتو من ليبيا إلى السويداء بعد انتهاء مهمتهم هناك برعاية روسية، واستفسر منهم عما إذا كانوا قد تلقوا عروضاً للتوجه إلى أوكرانيا لكنهم نفوا ذلك، مشيراً في الوقت نفسه إلى إمكانية حدوث عمليات تجنيد من هذا النوع لكن بشكل غير معلن وعلى نطاق ضيق حتى الآن.

ورغم الاتهامات المتبادلة بين المعارضة والروس بتجنيد كل منهما عناصر سوريين للقتال في أوكرانيا، إلا أنه لا يمكن الحديث حتى الآن عن تسجيل أي عملية انتقال قد حصلت لسوريين إلى هناك من أجل هذه الغاية، لكن التحضير لذلك يمكن تلمسه بشكل واضح مع النشاط الذي بدأته جماعة التجنيد في صفوف المقاتلين من كلا الجانبين استعداداً لهذا الخيار الذي ينتظر قراراً يبدو أنه لم يُتخذ بعد.