الجولاني ينقلب على المهاجرين:لا مكان لهم في إدلب

خالد الخطيب
الجمعة   2022/02/11
بدأت هيئة تحرير الشام منذ بداية 2022 التركيز على ملف السلفيين المهاجرين المنتشرين في مناطق سيطرتها في إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا. وبدا أنها عازمة وبشكل جدي على ضبط تحركاتهم وتوثيق مواقع انتشارهم وسكنهم وحصر أعدادهم ومن ثم وضعهم أمام خيارات محدودة وجديدة لتسوية أوضاعهم. ومن المفترض أن يشمل هذا التوجه السلفيين المهاجرين بشقيهم، الموالي لتحرير الشام والمناهض لها.

وأبلغت تحرير الشام بداية شباط/فبراير، عدداً من السلفيين المهاجرين الذين يسكنون في مدينة إدلب وبعض المدن الكبيرة في ريفها بضرورة إخلاء المنازل التي يقيمون فيها خلال فترة محددة، وشملت البلاغات أيضاً عائلات عدد من المهاجرين المعتقلين لديها، وهو ما أثار جدلاً واسعاً بين السلفيين الذين اتهموا تحرير الشام وزعيمها أبو محمد الجولاني ب"الغدر وخيانة المهاجرين الذين بذلوا الغالي والنفيس لنصرة أهل الشام"، وفق السلفيين.

استعادة "الغنائم"
وقال مصدر سلفي مناهض لتحرير الشام في إدلب ل"المدن"، إن "المنازل التي طلبت تحرير الشام إخلاءها هي منازل غنائم وتعود ملكيتها لعائلات موالية لنظام الأسد رحلت عن المنطقة بعد سيطرة جيش الفتح على المحافظة في العام 2015، ومنذ ذلك التاريخ شغل القسم الأكبر من المنازل عائلات سلفيين مهاجرين بعقود إيجار رمزية، وبعضهم لا يدفعون أجرة السكن".

وأضاف المصدر "الآن تصر تحرير الشام وحكومتها، الإنقاذ، على إخراج المهاجرين من منازل الغنائم وترفض أي عرض لتجديد عقود سكنهم، على الرغم من أن بعض المهاجرين عرض دفع مبالغ كبيرة لتجديد عقود السكن". وتابع أن "المهاجرين المستهدفين هم من المستقلين والمناهضين لتحرير الشام عموماً، ومبررات إفراغ المنازل من المهاجرين غير واضحة حتى الآن، لكن هناك حديثاً عن أن الاجراء يأتي في سياق حماية المدنيين وإبعاد السلفيين المطلوبين دولياً عن مراكز التجمعات السكانية الكبيرة ودفعهم للخروج نحو الأرياف والقرى الصغيرة".

السلفيون المعارضون
ويبدو أن اجراء إخلاء المنازل من المهاجرين يأتي كجزء من مجموعة إجراءات أمنية مستجدة لتحرير الشام في التعامل مع ملف المهاجرين في إدلب، والذين يتوزعون على صنفين:
الأول، المهاجرون المستقلون وأتباع التنظيمات السلفية التي فككتها تحرير الشام خلال العامين الماضيين، بينهم تنظيم "حراس الدين" التابع للقاعدة، والمهاجرون في هذا الصف ينقسمون إلى قسمين من وجهة نظر تحرير الشام، القسم الأول يضم المتشددين والذين تتهمهم بالتكفير والغلو والاحتطاب وأنهم ميالون لتنظيم "داعش" ويأوون عائلاته وعناصر خلاياه ويتعاونون معها، وهم في الغالب من أتباع التنظيمات المفككة.

ويشكل هؤلاء نسبة قليلة من المجموع الكلي لأعداد المهاجرين، وتسعى تحرير الشام للتخلص منهم ودفعهم لمغادرة إدلب مع أنها تعتقل أعداداً كبيرة منهم. أما القسم الثاني فهم المهاجرون المعتزلون، وهؤلاء يعمل معظمهم في حقل الدعوة، وبينهم منشقون سابقون عن تحرير الشام، وتكرر اعتقال بعضهم وأطلق سراحهم في فترات متقاربة خلال العامين الماضيين، ويشكل هؤلاء العدد الأكبر من شاغلي منازل الغنائم الذين طلب منهم إخلاؤها مؤخراً، وفي الغالب سيتم طردهم إلى الأرياف للضغط عليهم وإجبارهم على العمل لصالح تحرير الشام. ومن المفترض أن يكون هؤلاء هدفاً بارزاً لخطوات تحرير الشام الأولى في سياستها الجديدة بالتعامل مع ملف المهاجرين.

الثاني، أولئك الذين يعملون مع تحرير الشام ويُعتبرون جزءاً من بنيتها التنظيمية والعسكرية والأمنية، بالإضافة إلى الجماعات السلفية المستقلة شكلياً وتتبع لتحرير الشام في معظم قراراتها، ويشمل هذا التصنيف جبهة أنصار الدين والحزب الإسلامي التركستاني وجماعة صلاح الدين الكردي والأوزبك وغيرهم من الجماعات السلفية التي يُعتبر المهاجرون سوادها الأعظم، وهؤلاء سيتم التعامل معهم بجهود خاصة وفي مراحل لاحقة، وستصب غالباً في إطار دمجهم في المجتمع المحلي.

وقال أبو العلاء الشامي المنشق عن تحرير الشام على تلغرام: "فعلها الجولاني بعد أن كان يزعم بأن الاقتراب من المهاجرين خط أحمر، قد فعلها وغدر بالمهاجرين، بعد أن قدموا الغالي والنفيس لنصرة أهل الشام، ليست توقعات ولا تكهنات، بل أمر واقع في إدلب حالياً، يحثّ الجولاني خطى تحرير الشام لإخراج المهاجرين المجاهدين من إدلب، فقد انتهت صلاحيتهم عنده وعند مشغليه، وجاءت الأوامر للانتهاء من ملفهم تدريجياً، خطوة خطوة، وبهدوء، أيها المهاجرون، إن المؤامرة عليكم كبيرة، والجولاني هو منفذ للأوامر يريد أن يقدمكم قرباناً للبقاء على كرسيه واعتماده خارجياً".

بطاقات تعريف
وبدأت حكومة الإنقاذ التابعة لتحرير الشام منذ بداية العام 2022 العمل على التحضير لإصدار بطاقات شخصية لعموم السكان في إدلب، وبدأت بالفعل بتوسعة مكاتب السجلات المدنية وتجهيزها بالمعدات، ومن المفترض أن يبدأ العمل قريباً. خطوة الإنقاذ المتأخرة سبق أن طبقتها الحكومة المؤقتة والفصائل المعارضة في ريف حلب بدعم تركي خلال العام 2018.

وتخطط الإنقاذ لأن تنجز المهمة بسرعة قياسية من خلال التعاون مع الجهاز الأمني التابع لتحرير الشام وعبر مديرياتها الخدمية كافة، حيث سيكون حمل بطاقة شخصية جديدة شرط لازم لإتمام أي معاملة والحصول على أي خدمة عامة بما في ذلك المرور عبر الحواجز، ويبدو أن القرار في جزء كبير منه سيستهدف المهاجرين الذي سيطالبون بحمل بطاقات شخصية تعرف عن أسمائهم الحقيقية وهذا ما يؤرقهم بالفعل.

وقالت مصادر معارضة في إدلب ل"المدن"، إن "إصدار البطاقات الشخصية جزء من الخطة الأمنية الجديدة لتحرير الشام، والتي من المفترض أن يكون لها انعكاس سلبي على المهاجرين، في حين ستوفر لتحرير الشام قاعدة بيانات واسعة حولهم، انتشارهم وسكنهم وغيرها من التفاصيل، وهذا ما سيساعدها أيضاَ على ضبط الوضع الأمني وتقييد حركة عملاء داعش".

وأضافت المصادر "خلال الفترة القريبة القادمة سيكون المهاجرون والسلفيون عموماً أمام قرار منع قبول أولادهم بالمدارس إلا بعد تقديم بياناتهم الشخصية والعائلية كاملة للأب والأم، والغالبية لا يريدون حمل مثل هذه البطاقات التي تعرف بأسمائهم الحقيقية، كما أن المهاجر لن يكون قادراً على ركوب سيارة أو تقديم شكوى في مخفر أو إتمام عقد إيجار بيت أو التقدم بشكوى قضائية إلا بتقديم بياناته الشخصية كاملة".

بعد إصدار البطاقات الشخصية لن يكون في إمكان المهاجرين الحركة والتنقل من دون حمل بطاقة التعريف التي ستتضمن الصورة الشخصية وكافة البيانات، وبالتالي سيرفض الكثيرون منهم إخراج مثل هذه البطاقة أو حملها، أي أن معظمهم سيضطر إلى تجنب التنقل وسيلجأون للعيش في القرى والأرياف النائية بمصادر دخل قليلة بعيداً عن عيون تحرير الشام، هذا إن تركتهم وشأنهم.