دمشق:النظام يسمح للشركات الخاصة ببيع المحروقات..محاولة جديدة لاحتواء الازمة

منصور حسين
الجمعة   2022/12/09
لم يكن مستغرباً، إعلان وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري السماح لشركة "B.S" الخاصة بيع المحروقات الذي تستورده ضمن محطات التزويد الحكومية، بعد تفاقم أزمة توافر المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق، مقابل عجز حكومي واضح عن تغطية حاجة السوق من المحروقات.
وجاء القرار الأخير، بعد رفع وزارة التجارة الداخلية سعر مادة المازوت الصناعي والتجاري إلى 5400 ليرة سورية والبنزين إلى 5900 ليرة، مقترباً من السعر العالمي للمادتين، فيما بدا وأنه تم بالتوافق بين الشركة الخاصة ووزارتي النفط والتجارة الداخلية مقابل طرح المواد في السوق المحلية.

شركة "B.S"
وتعود ملكية شركة "B.S" للخدمات النفطية ل"مجموعة القاطرجي الدولية" التي يمتلكها حسام قاطرجي أحد أذرع النظام السوري الاقتصادية، ومقرها لبنان، حيث تستحوذ على تجارة النفط وتوريده للفعاليات التجارية والاقتصادية في مناطق سيطرة النظام عن طريق مرفأ بيروت، من دول عدة منها إيران، وأيضاً من خلال وسطاء وشركات لبنانية متعاونة معها.
كما تحتكر عملية نقله من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرق سوريا إضافة إلى سيطرتها على طرق تهريب المادة من العراق مستغلة تقاربها وعلاقتها الوثيقة بالمليشيات المسيطرة على الشريط الحدودي والعشائر العراقية. 
وفي أيلول/سبتمبر عام 2018، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية شركة "BS Offshore" ضمن قائمة العقوبات الأميركية بموجب الأمر التنفيذي رقم 13582، مؤكدة أن الشركة ساعدت النظام السوري مادياً وعسكرياً وتعد من أكبر مزودي النظام بالمشتقات النفطية.

تعديل لإبعاد الشبهات
لكن اللافت في بيان الوزارة الأخير تعديل نص القرار القاضي برفع أسعار المشتقات النفطية والسماح بعمل القطاع الخاص، بنص مشابه يحمل الأرقام ذاتها، مع استبدال اسم شركة "B.S" الموكلة بالتوريد والبيع واكتفت بالإشارة إلى إلزام "الشركات الموردة للمشتقات النفطية" وحذف البنود التي تشير إلى الشركة.
وكان نص القرار الأصلي قد ألزم شركة "B.S" ببيع 15 في المئة من كميات المحروقات التي تستوردها للفعاليات التجارية والصناعية عبر محطات التزويد الحكومية، وتحويل عدد من المحطات لصالح الشركة في مختلف المحافظات.
وأرجع الباحث الاقتصادي يونس الكريم إزالة اسم "BS" إلى محاولة حكومة النظام تخفيف الجدل حول الشركة، إضافة إلى فسح المجال أمام شركات القاطرجي الأخرى لاستيراد المشتقات النفطية لتغطية حاجة السوق عموماً وعدم حصره بالقطاع الصناعي.
ويقول: "تحتكر شركة (B.S) عملية توريد النفط من الخارج لصالح القطاعين الصناعي والتجاري، بعد منع حكومة النظام القطاع الخاص من العمل ومنهم شركة (كريم كريم) لاستيراد المحروقات التي كانت تنافس شركات القاطرجي".
ويضيف أن "تعديل القرار يتيح لبقية شركات القطاع الخاص توريد المحروقات لتغطية احتياجات السوق كاملاً وعدم حصره بالقطاع الصناعي كما كان سابقاً، ومن بين هذه الشركات (أرفادا) التي تمتلكها عائلة القاطرجي، والتي باتت قادرةً على استيراد النفط وبيعه في السوق المحلية بالسعر الحر لمختلف الفعاليات المدنية والزراعية والصناعية".
ويشكك قاطنو المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في إمكانية تجاوز أزمة المحروقات أو التخفيف من حدتها، خاصة وأن السوق بات يعتمد بشكل مباشر على قدرة الشركات الخاصة على الاستيراد، ويتبع آلية تسعير شهرية تعتمد على الأسعار العالمية للمادة، وبالتالي استمرار الأزمة وارتفاع الأسعار.
ويشير صناعيون محليون تواصلت معهم "المدن"، إلى أن الحكومة نقلت الأزمة من عاتقها إلى عاتق الشركات الخاصة، ليصبح الاقتصاد السوري تحت رحمة هذه شركات بشكل مباشر.
قرار بأبعاد اقتصادية
ويعتبر كثير من الاقتصاديين، أن القرار الأخير يحمل أبعاداً اقتصادية لا تقتصر فقط على القطاع النفطي، بل تمثل بداية لتغير جذري في طبيعة تعامل حكومة النظام مع أمراء الحرب في سوريا.
ويرى الكريم، وهو مدير منصة اقتصادي، أن التغير باتجاه النظام الرأسمالي قد تجلّى بصورة واضحة عبر بيان وزارة التجارة الداخلية، الذي يقدم الحماية للشركات الخاصة ويضفي الشرعية على عملها.
ويضيف أن "التوجه نحو إصدار المزيد من هذه القرارات وتقديم الحماية للشركات التي يديرها الاقتصاديون الجدد من أمراء الحرب، يعني تشريع عمل هذه الشركات والعمل على إنهاء حالة فوضى السوق السوداء وقوننتها، وبالتالي ترقية النظام لرجاله من أمراء الحرب إلى رجال أعمال معترف بهم، وهو ما يفتح لهم أبواب التجارة على مصراعيها مع الدول الحليفة من روسيا وإيران والصين دون الرجوع إلى المؤسسات الحكومية".
امتياز جديد يقدم إلى أمير الحرب الشهير بـ"عراب تجارة النفط" حسام قاطرجي، يعزز هيمنته على سوق النفط في مناطق سيطرة النظام، مقابل تصدره مشهد الأزمات اللاحقة التي قد يعاني منها السوق المحلي، في صورة ينظر إليها كثير من السوريين على أنها اعتراف واضح من قبل النظام بالعجز عن توفير الحلول.