الفصائل السورية..والعمل تحت قيادة النظام؟

صبا مدور
الجمعة   2022/12/02
لم يعد للتوقيتات معنى كبير في الحدث السوري: متى تهاجم القوات التركية، متى تتوحد الفصائل، متى يلتقي الرئيس أردوغان ببشار الأسد، ومتى يبسط النظام سيطرته على الشمال باتفاق مع الاتراك والروس؟ تلك كلها أسئلة ما عادت تثير كثيراً من الفضول، لأن الأهم في كل هذه الوقائع الممكنة، صار يتعلق بكيف ستجري، وبأي ثمن تدفعه كل الأطراف.
وفقاً لأي تحليل، فإن التحولات الجيوسياسية في المنطقة وفي العالم تجبر الجميع على التحرك وتغيير المواقع، وحدهم العالقون في أماكنهم هم من سيخسر في النهاية، ويدفع ثمن كل شيء.
لا ينبغي أن يقضي السوريون أي وقت في لوم الآخرين، واتهامهم بتقوية الأسد، او إعادة انتاجه، فذلك اتهام لن يكون مهماً بالنسبة لمن يسعون لمحاصرة الحصار قبل ان يبدأ، وتهيئة الرد على المواقف المتقاربة مع النظام قبل أن تحصل، وكل ذلك بالطبع لن يكون خطاباً فارغاً لا قيمة له، بل بفعل ذو مغزى وأثر، يجعل التقارب مع الأسد خطوة لها ثمن وتكاليف تفوق أية عوائد محتملة.
لن تجد في هذا العالم من يهتم برؤيتك على حساب مصالحه، ذلك لا يوجد إلا في عقول المتبطلين الذين يمارسون هواية التمدد ومراقبة السقف. مصالح الآخرين لن تنتظر، وظني أن الثورة السورية وصلت لمرحلة صارت تقتضي من الواقعية أكثر مما تفرض من مشاعر غضب وحقد على النظام وجرائمه.
في واقع الامر، لا تحقق مشاعرنا أهدافاً سياسية. لن تحرر أرضاً او تسقط نظاماً او توحد فصائل او تكشف خيانة او تنقذ نازحين ولاجئين من الموت والمهانة. مشاعرنا وما تراكم منها عبر أكثر من عقد من مأساة سوريا، لن تحقق لنا شيئا، إن لم تكن محركاً لعمل حقيقي كانت الثورة قد حققته فعلاً، وبلغت به أهدافاً تقترب مما تريد، لولا تآمر القريب والبعيد، لإنقاذ النظام، قبل ان تبدأ حفلات التقارب معه بكثير.
اليوم نحن أمام مشهد مخيب، معارضة منقسمة، وفصائل مسلحة مشتتة، تحول كثير من قادتها الى أمراء حرب، وأصحاب أرصدة في الخارج، وإقليم مستقطب لم يعد يطيق تجاهل دور سوريا كبلد محوري تمر منه كل الازمات وكذلك الحلول. وبالطبع فكل ذلك يجري مع نظام يعرف قيمة ما لديه، وراهن على ذلك منذ البداية، وتلاعب بسوريا وشعبها بل وحتى بالمحيط الإقليمي بطريقة تبقيه في مكانه، حتى لو بدا أحياناً مثل الفزاعة.
مقابل هذا النظام، لدينا شعب شجاع ليقاتل طلبا لكرامته وحريته، وقد فعل، وقدم ما لم يقدمه شعب في ثورة ضد الاستبداد عبر التاريخ المعاصر، لكن العالم الذي تعاطف معك اليوم، ينتظر فوائد ومكاسب، فالاخلاق لا تحرك السياسة، بل ربما يجدها كثيرون معيقاً وعقبة أمام جني المصالح، ولذلك بدأت المواقف في التحول منذ وقت مبكر، وكانت المشكلة ان الثورة لم تفرز قيادة سياسية بمستوى قياداتها الميدانية الكبيرة التي ذهب معظمها شهيداً. كانت نتيجة هذا الخلل ان وصلنا لمرحلة لا يجد فيها العالم قائداً سورياً ليتعامل معه، أو ليدافع عن مصالح شعبه. 
هذا الواقع المؤسف يجعل التطورات في شمال سوريا مقلقة لكثيرين من احتمال ان تتضمن مقاربة لانتشار قوات النظام مع ما يعنيه ذلك من واقع ميداني جديد تماماً لا يشبه ما كان قبل 2011 لكنه بالتأكيد لن يشبه ما كان مأمولاً من الثورة ان يجري بعده. ويكفي القول هنا ان الفصائل التي تحسب نفسها وريثة لقوى المعارضة المسلحة، ربما تجد نفسها تعمل بالمشاركة مع قوات النظام، أو ربما تحت قيادته، من يدري؟ 
هذا الاحتمال هو جزء من تصورات أوسع، قد تكون في ذهن صانع القرار التركي بالتعاون مع روسيا، من بينها تأمين منطقة عازلة في شمال سوريا يمكن ان يعيش فيها نحو مليون سوري من اللاجئين إلى تركيا، وقد تكون الصفقة أكبر من ذلك، وتشمل ضمانات روسية بعودة آمنة للاجئين وإبعادٍ لوحدات الحماية الكردية عن الحدود، مقابل تطبيعٍ للعلاقات مع الأسد، وإعادة تنظيم فصائل المعارضة في مكون عسكري واحد، يسهل التعامل معه او ربما دمجه مستقبلاً في القوات السورية النظامية.
في هذه الصفقة يمكن لتركيا ان تأمل بحل حاسم لمشكلة اللاجئين وتبعاتها السياسية قبل شهور من الانتخابات الرئاسية، وبضمان أمن حدودها الجنوبية، وبالتخلص من عبء تشتت المعارضة السورية المسلحة، وحرمان إيران من مكاسب مهمة في سوريا من بين أبرزها إبقاء الدولة السورية تحت وصايتها، وإدامة وضع التغيير الديموغرافي الراهن، وفي النهاية فلن يكون ثمن ذلك غير مصالحة (طبيعية) في العرف السياسي مع رئيس النظام، او هكذا يظن السياسيون.
قد يحصل كل ذلك، او ما يقترب منه، لكن في النهاية لن يبقى الأمر كما هو عليه في شمال سوريا وفي العلاقات مع تركيا، وتداعيات ذلك ستكون مهمة ومؤثرة، لكنها لن تتضمن بالطبع رحيلاً للنظام، ولن تضمن تغيير سلوكه، حتى لو سمح للناس بالعودة لديارهم.