المقاومة في الضفة:انتفاضة ثالثة..أم عمليات مجتمعية؟

أدهم مناصرة
الإثنين   2022/10/31
دلّت العملية المسلحة التي نفذها محمد الجعبري على مدخل مستوطنة كريات أربع في الخليل مساء السبت، على أن كرة النار الملتهبة في الضفة الغربية لم تعد محصورة على نابلس وجنين شمالاً بل تدحرجت جنوباً إلى الخليل، وكذلك وسطاً وشرقاً.

فبدءاً من "كتيبة جنين" ثم "عرين الأسود" في نابلس، تم تداول إسم مجموعة جديدة في الخليل مؤخراً، وهو "أسود الحق" التي تبنت عملية "كريات أربع". وبغض النظر عن دقة ما نشر عن ولادة المجموعة الأخيرة، فإن الواضح هو أن شباناً فلسطينيين معظمهم في العشرينيات من أعمارهم، قرروا محاكاة الظاهرة الجديدة عبر تنفيذ عمليات إما مسلحة، أو طعنا، أو دهساً، بدليل العمليات المتزايدة ونطاقها الممتد.

وبحسب الاحتلال، بلغ عدد الإنذارات المتوفرة لدى أجهزته الاستخبارية حول نية فلسطينيين تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية حوالي 100 إنذار، وهو العدد الأعلى منذ مطلع العام الجاري، مع العلم أن عدد الإنذارات في فترة الأعياد اليهودية وصل إلى 80، وفق ادعاءات الاحتلال.

وأوقعت العمليات الفلسطينية منذ بداية العام 2022 نحو 25 قتيلاً إسرائيلياً، وهو رقم "قياسي" منذ سبع سنوات.

وما أن اتسعت دائرة العمليات الفلسطينية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين لتشمل مناطق جديدة، حتى برز سؤال مركزي مفاده: ما هو توصيف الحالة الميدانية المتطورة؟ وهل يُمكن إطلاق تعبير الانتفاضة الثالثة، أم تسمية أخرى مُغايرة؟

ظاهرة اجتماعية
تحدثت دوائر إسرائيل الأمنية في أروقتها الضيقة عن ظاهرة جديدة تتطلب تسمية مُغايرة للانتفاضة، ليس تقليلاً من حجم الحدث وإنما من منطلق أن التوصيفات والتسميات "القديمة" لم تعد صالحة؛ لأن ما يحدث بمثابة حالة ميدانية مختلفة عما واجهته إسرائيل في الماضي من حيث البنية والسياق، ومستوى التعقيد، والوتيرة، وحتى النتيجة.. مُقرّة باتساع دائرة العمليات كثيراً، فيما أقر المحلل العسكري الإسرائيلي ايال عاليما خلال إفادته للإذاعة العبرية العامة "مكان"، بأن الجهود الأمنية الإسرائيلية لم تنجح في مواجهة العمليات الفلسطينية الآخذة بالتعاظم.

ووفق ما رصدته "المدن" من قراءات أمنية وإعلامية إسرائيلية، فإن الظاهرة الجديدة تتمثل بمجموعات مقاومة فلسطينية ليس لها انتماءات تنظيمية تقليدية، وهو ما جعل دولة الاحتلال أمام ظاهرة اجتماعية، لا أمنية وعسكرية فقط، خاصة وأن مجموعات نابلس وجنين وغيرها باتت تحتل مكانة في الساحة الفلسطينية، وتستطيع تحقيق شعبية كبيرة في الشارع، حتى لو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وضرب عاليما مثالاً على ذلك بقوله: "عرين الأسود دعت إلى إضراب شامل في الضفة ولقيت استجابة واسعة".

هذا الأمر دفع الأمن الإسرائيلي إلى التعامل مع تعبير جديد للعمليات الفلسطينية، سواء الفردية أو المنفذة والمخططة من خلايا ومجموعات، وهي "عمليات مجتمعية، أو مجموعات مسلحة".

ونقلت وسائل إعلام عبرية عما وصفتها مصادر أمنية قولها إن السيناريو الميداني الأكثر خطورة وقلقاً لإسرائيل والمتمثل باتساع مساحة التصعيد، قد تحقق فعليا في الأيام الأخيرة، وهو ما أثبته الوضع الميداني المتفاقم.

وتتواصل التقييمات الأمنية الإسرائيلية بشأن كيفية التعامل مع الظاهرة الجديدة، على وقع تعزيز الإجراءات الأمنية، قبل وخلال انتخابات الكنيست، بموازاة محاولة القيادة العسكرية "احتواء التدهور الميداني"، على الرغم من تنويه محللين إسرائيليين إلى فشل عسكري، بدليل عمليات الساعات الأخيرة.

ويقوم الجيش الإسرائيلي بمحاصرة ما يصفها "ظاهرة المجموعات التي لا صلة لها بالفصائل التقليدية" كل في منطقتها في محاولة لمنع توسع الظاهرة؛ خشية أن يتحول تنامي نفوذها في الشارع الفلسطيني إلى توسع المواجهات لتصبح شعبية، وهذا هو القلق الأمني الأكبر بمنظور الدوائر العسكرية الإسرائيلية. لكن التحليلات الأمنية في تل أبيب قالت: "لا نعرف إن كانت ستنجح أجهزة الأمن بذلك".

موجات لا انتفاضة
بدوره، رأى الصحافي المتابع للشأن الميداني والسياسي محمد سلامة، في حديثه ل"المدن"، أن ما يجري عبارة عن "موجة قوية سبقتها موجات أخرى، بحيث تشتدّ حيناً وتهدأ حيناً"، معتبراً أنها ليست انتفاضة ثالثة، وبمنظوره، لن تتطور إلى ذلك في الأمد القريب لأكثر من سبب: اختلاف الوضع السياسي الفلسطيني عما كان عليه الحال في الإنتفاضة الثانية حيث كان التماهي الميداني بين السلطة والشارع، عدا عن انخراط قيادات من حركة "فتح" في تلك الانتفاضة وذراعها العسكرية "كتائب الأقصى" في ذلك الحين. وأضاف سلامة أن "فتح الرسمية" لا تدعم المواجهة المسلحة الآن، بالرغم من تأييد الشارع للمجموعات العفوية في نابلس وجنين وغيرها.

وكان وزير الجيش الإسرائيلي بني غانتس قد استبعد قبل يومين أن يتطور الأمر إلى انتفاضة ثالثة.

وأرجع سلامة أسباب صعود الموجة الحالية بحدّة أكبر من سابقاتها، إلى انعدام الأفق السياسي، وضعف السلطة الفلسطينية، وتنامي عربدة المستوطنين، وإحكام الاحتلال الضغط على الضفة.

واتفق رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم في حركة فتح منير الجاغوب مع الرأي القائل إن ما يجري ليس انتفاضة ولن ترتقي إلى ذلك لعدم توفر عوامل اندلاعها.

لكنّ الجاغوب حذر في حديثه ل"المدن"، من أن استمرار انغلاق الأفق السياسي وارتفاع نسبة البطالة، والرواتب غير الكاملة بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه السلطة، وتضييق الاحتلال على حركة الفلسطينيين وسفرهم، واعتداءات المستوطنين، والانتهاكات في المسجد الاقصى، كلها عوامل تؤجج الوضع.

ورأى أن الأيام المقبلة ستحدد سير الأمور ومستوى تطورها، مشيراً إلى أن وجود أفق سياسي وحده الذي يخفف حدة الموجة القائمة ويُهدئ الميدان.

في السياق، نسبت إذاعة "كان" العبرية إلى مصادر في الضفة قولها إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية اعتقلت في الأسبوع الأخير، 25 فلسطينياً، للاشتباه بنيتهم تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية.