تحطّم المروحية الإسرائيلية: خلل تقني أم هجوم سيبراني؟

أدهم مناصرة
الثلاثاء   2022/01/04
© Getty
درجت العادة أن تقع حوادث سقوط طائرات مروحية عسكرية إسرائيلية تخدم القوات البرية، لكنها تكاد أن تكون الواقعة النادرة لسقوط "سريع" لطائرة مروحية تتبع للقوات البحرية قبالة شواطئ حيفا، ليل الاثنين.

وتمتلك إسرائيل 5 طائرات عسكرية بحرية فقط لعدم الحاجة إليها كثيراً، مقارنة بكثرة المروحيات الخادمة للقوات البرية.. وهذا النوع من الطائرات ليس ذا وزن ثقيل، وهو ما يقلل احتمالات الخلل التقني. وهذه الطائرات من صنع فرنسي، ويتم تطويرها إسرائيلياً، حيث تتواجد على متن السفن الحربية، وتقوم بمهمات أمنية عبر البحر.

وسمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بالنشر، بعد ساعات من حادثة تحطم المروحيّة، بأن الطياريْن اللذين قُتلا في الحادث هما الليفتنانت كولونيل إيرز سحياني والكابتن حين فوغيل. وشكل سلاح الجو الإسرائيلي لجنة لتقصي ملابسات الواقعة، وأوقف رحلات التدريب، التي كانت مقررة الثلاثاء، لدوافع احترازية. 

ويبدو أن السبب "الدقيق" وراء حادثة تحطم الطائرة، التي قتل فيها ضابطان من سلاح البحرية الإسرائيلية وأصيب ثالث بجراح متوسطة، غير واضح حتى اللحظة. وهو ما أكده الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي بقوله إن "السبب لا يزال غامضاً حول ما إذا كان قد نجم عن خلل فني، أو خطأ بشري". بينما بررت جهات عسكرية إسرائيلية التأخر في حسم السبب، بأن إخراج الطائرة من عمق المياه يحتاج إلى ساعات، ومن ثم تبدأ عملية التحقيق الشاملة لتحديد السبب الذي أدى للحادثة.

واستمرت منذ ساعات الليل أعمال البحث عن أجزاء المروحية المتحطمة، وتم إعلان المكان منطقة عسكرية مغلقة.

وطرح مراقبون تساؤلات حول ما إذا كانت الواقعة ناتجة عن عمل سيبراني منسوب لإيران، قد أدى لعطل في الطائرة، وبالتالي سقوطها وتحطمها؟..خاصة وأنّ المروحية اصطدمت بالمياه، عندما كانت قريبة منها أثناء التدريب على بعد كيلومتر من شاطئ تل أبيب، وأن الطيارين لم يعلنا حالة طوارئ عبر منظومة الإتصالات، وهو ما يعطي انطباعاً بأن ما حصل كان مفاجئاً وسريعاً لمن كان على متنها، ولم تتوفر الفرصة الكافية للإبلاغ أي خلل طارئ.

 فيما ذكر محلل الشؤون العسكرية في الإذاعة العبرية الرسمية "مكان" إيال عاليما أن التحقيقات الأولية أظهرت أن حريقاً شبّ على متن الطائرة قبل سقوطها، أثناء رحلة العودة بعد التدريب، مشيراً إلى أن الطائرة تمتلك خاصية الطوف على مياه البحر، لكن من غير الواضح إن كانت هناك محاولة لإستخدامها أم لا. وتقول مصادر إن الطائرة اختفت فجأة عن جهاز الرادار، فوُجدت حطاماً في البحر.

وما أثار تساؤلات وما وصفتها إسرائيل ب"الإشاعات" حول فرضية الهجوم السيبراني، هو إعلان إسرائيل عن تمكن مجموعات إيرانية من اختراق مواقع لصحف إسرائيلية قبل الحادثة بساعات، تم خلاله نشر صور وفيديوهات تهدد بالرد على اغتيال قائد "فيلق القدس" بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني قبل سنتين. لكنّ مصادر عبرية ادّعت أن التحقيق الأولي لحادثة سقوط الطائرة، استبعد فرضية تعرّضها للهجوم بوسيلة السايبر أو غيرها، إلّا أن السبب "الحاسم" سيُحدّد بعد التحقيق.

بدوره، قال المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان في حديث إذاعي، أن الموقف السائد يتركز حول حدوث خلل في محرك الطائرة العمودية نتيجة خطأ بشري، غير أنه شدد على أنّ الكل في حالة انتظار لاستجواب الطيار الناجي عما جرى؛ ذلك أن الطيارين لم يرسلوا أي نداءات استغاثة قبل أن تهوي في البحر. ورجح نيسان أن يتم استجواب الطيار الناجي إما اليوم أو غداً، حين يسمح وضعه الصحي بذلك، حيث يتلقى علاجاً في مستشفى "رمبام" في حيفا.

وذكرت أوساط إسرائيلية أن الحادثة وقعت خلال مهمّة بحرية "مُعقدة"، لكنها لم توضح ماهية هذه المهمة، ثم عادت وقالت إنها كانت في مهمة تدريبية. بينما سعى مسؤولون أمنيون إسرائيليون إلى حصر السيناريوهات التي أدت إلى الحادثة في إطار عَرضي لا هجومي، عبر التشديد على أنه لا يمكن الحديث عن السبب قبل إخراج حطام الطائرة، وسلاح الجو الإسرائيلي "سيقول الحقيقة في النهاية، ولا يمكن للمعلومة أن تختبئ". وذهب محللون إسرائيليون إلى استبعاد فرضية تعرّض أنظمة المروحية البحرية لهجوم سيبراني، بالقول: "لا تفرض الرقابة الإسرائيلية حظراً للنشر، وهذا دليل على استبعاد أي هجوم عسكري أو سيبراني، وإنما خلل ذاتي على الأغلب".

الواقع، أنّ ما يفاقم الهوس من هجمات سيبرانية منسوبة لإيران، هو ما كشفته مصادر مقيمة في أراضي48، ل"المدن"، حول تصاعد الهجمات الإلكترونية والسيبرانية المتبادلة بين إسرائيل وإيران في الفترة الأخيرة، لدرجة أن هناك كثيراً من الهجمات ضد أهداف إسرائيلية لا يتم الإعلان عنها في الإعلام.

وتأخذ إسرائيل القدرات السيبرانية الإيرانية على محمل الجد، في ظل إدراك الأجهزة الإسرائيلية المختصة بأن جزءاً من الإيرانيين الذين يقودون هجمات السايبر تعلّموا القرصنة والاختراق الإلكتروني خلال دراستهم في جامعات أوروبية وأميركية، قبل عودتهم إلى الجمهورية الإسلامية، وقد طوروا قدرات الأخيرة في هذا المجال.. وهو ما دفع دوائر إستراتيجية في تل أبيب إلى الدعوة ل"يقظة مستمرة" من إسرائيل وتطوير إمكانياتها في هذا المضمار، قائلة إن "اسرائيل عليها أن تصارع هذا النوع من الناس".

وتقتفي الأروقة الأمنية الإسرائيلية، بشكل مستمر، أثر المجموعات الإيرانية التي تنفذ هجمات سايبر ضد أهداف إسرائيلية "على نحو مقلق وغير مسبوق"، بموازاة محاولات تل أبيب لإستهداف الإيرانيين الذين يُهندسون هذه الهجمات.