سجل مدني لسكان إدلب..ما بين التتريك والحرب

منصور حسين
الأحد   2021/06/20
© Getty
أكدت حكومة الإنقاذ في إدلب نيتها إحداث أمانة للسجل المدني في مناطق سيطرتها، الأمر الذي أثار غضب النظام، في وقت يعتبر فيه الكثيرون أن تنفيذ هذه الخطوة يعتبر مؤشراً على رفض تركيا أي هجوم عسكري جديد على المحافظة من قبل النظام وحلفائه.

وكانت وزارة الخارجية في حكومة النظام قد أصدرت بياناً قالت فيه، إن تركيا أوعزت إلى قواتها المنتشرة في إدلب إحداث أمانة عامة للسجل المدني تتبع لها مباشرة، وتشكيل مجالس محلية في مدن وبلدات المحافظة، كما طلبت سحب البطاقات الشخصية والعائلية من السكان واستبدالها ببطاقات تركية، ووصفت ذلك بأنه "يمثل ذروة سياسة التتريك التي تنتهجها تركيا".

ومع نفي حكومة الإنقاذ لاتهامات النظام بسحب البطاقات الشخصية والعائلية السورية، إلا أنها أكدت على لسان مسؤول العلاقات العامة في الحكومة ملهم الأحمد وجود مشروع لإصدار بطاقات تعريف شخصية للمقيمين في المناطق الخاضعة لنفوذ هيئة تحرير الشام في كل من ادلب وريف حلب الغربي.

بطاقات سورية أم تركية
وبحسب إحصاءات محلية، فقد تجاوز تعداد القاطنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في محافظة إدلب وحدها 3.7 مليون نسمة، بينهم 1.2 مليون من النازحين والمهجرين من خارج مدن الشمال السوري.

واستبعد عضو هيئة القانونيين السوريين عبد الناصر حوشان في تصريح ل"لمدن"، أن تمنح أنقرة بطاقات شخصية تركية للسوريين في إدلب، بالنظر إلى تعارض هذا الاجراء مع القانون الدولي وحتى القانون التركي.

وقال حوشان إن "تسليم بطاقات هوية صادرة عن الحكومة التركية  يقتضي أولاً منح الجنسية بشكل رسمي، وهذا الأمر غير ممكن، كما أنها لاتمتلك صلاحيات قانونية تمنحها الحق بالقيام بمثل هذه الاجراءات، على الرغم من أن تركيا تعتبر وجود قواتها في سوريا  شرعياً، ولا يمكن وصفه بالاحتلال لأنه يستند إلى اتفاقية ثنائية وهي اتفاقية أضنة وتفاهمات غير مباشرة عبر روسيا وايران في أستانة وسوتشي".

وأشار حوشان إلى تعمد النظام الخلط في موقفه من نية حكومة الإنقاذ تنفيذ خطوة المشروع المدني، ورأى أنها خطوة مرتبطة بالإجراءات الأمنية التي تعتبر من صلب التفاهمات وأساس التدخل التركي الخاص بحماية الأمن القومي، حيث تحتفظ بحق معرفة القائمين على الوظائف والدوائر المدنية في الشمال السوري.

ويعتقد سكان منطقة إدلب أن وجود أمانة سجل مدني بات حاجة ملحة لضمان أمن واستقرار المنطقة، بعد عمليات النزوح والتهجير التي شهدتها على مدى السنوات السابقة، وصعوبة تأمين بديل عن الوثائق الرسمية التي فقدوها أو أتلفت خلال الحرب، بالنظر إلى عدم قدرتهم على مراجعة دوائر حكومة النظام، خاصة وأن قسماً كبيراً منهم مطلوب للنظام بتهمة انحيازه للثورة.

بداية تفاهم أم محاولة لكسب الوقت
ويأتي حديث حكومة الإنقاذ عن مشروع اصدار البطاقات الشخصية، بعد تقديم موسكو مهلة ثالثة لأنقرة، بهدف تطبيق التفاهمات بين الطرفين، المتمثلة بابعاد هيئة تحرير الشام عن مدينة إدلب وريفها، والعمل على إعادة هيكلتها عسكرياً وسياسياً.

ويرى محللون أن القرار بإحداث أمانة سجل مدني في إدلب، يحمل رسائل إيجابية تفيد بتقدم الحوار بين هيئة تحرير الشام وتركيا على صعيد الإدارة المدنية، خاصة وأن هذا  المشروع يحتاج إلى مؤسسات دولة قادرة على تسييره ونجاحه، وهو ما يغضب النظام، حسب المراقبين، إذ يتخوف من تبعات هذا المشروع إذا ما تم بالتعاون والتنسيق مع الجانب التركي، كما هو الحال في ريف حلب، كون المشروع يربط محركات جمع البيانات الخاصة بسكان ريف حلب الشمالي والشرقي، والمتعلقة بدوائر النفوس التابعة للمجالس المحلية، بشبكة انترنت متصلة مع المكاتب التي أنشأتها دائرة النفوس التركية قبل ثلاثة سنوات.

المحلل السوري فراس علاوي رأى أن "النظام يحاول استخدام مشروع توزيع البطاقات الشخصية في صالحه سياسياً كورقة للضغط على أنقرة، مستغلاً تعثّر تنفيذ الاتفاق التركي-الروسي الذي يلزمها بإعادة هيكلة تحرير الشام، وعسكرياً يرتبط بحالة التصعيد الأخير في ريف إدلب، ومحاولات السيطرة على مناطق جديدة.

وأضاف "بناءً على ذلك، يعمل النظام على تأليب الرأي العام ضد هيئة تحرير الشام، من خلال إظهارها بموقف التابع الذي ينفذ الأوامر الخارجية، على حساب وحدة الأراضي السورية وهوية السوريين، بهدف إفشال أي تحرك تركي قد يوصلها إلى تفاهمات مع روسيا، أو على الأقل كسبها الوقت، وبالتالي تأجيل العمل العسكري".

ولا يخفي النظام بشكل مستمر نيته استعادة السيطرة على منطقة إدلب، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال التصريحات الأخيرة للمستشارة الرئاسية بثينة شعبان، ومفتي الجمهورية أحمد حسون، وغيرهم من المسؤولين الذين توعدوا بعملية عسكرية قريبة من أجل ذلك، الأمر الذي تأخذه المعارضة على محمل الجد، خاصة وأن هذه التصريحات ترافقت مع استقدام تعزيزات عسكرية لقوات النظام إلى جبهات القتال بريف إدلب.

ويأمل سكان مدينة ادلب والمقيمون فيها من النازحين والمهجرين أن يكون قرار حكومة الإنقاذ إحداث سجل مدني قد تم بالتنسيق مع تركيا، إذ سيُعتبر ذلك مؤشراً على استبعاد أي حملة عسكرية للنظام، خاصة مع وجود مؤشرات تفيد بنية روسيا شن هجوم على مدينة جسر الشغور التي تعتبر من أكثر المدن السورية كثافة بالسكان.